من المرتقب أن تُعلن الولايات المتحدة الأميركية والعراق، اليوم الإثنين، التوصل إلى اتفاق يقضي بسحب القوات الأميركية القتالية الموجودة في العراق، وفق جدول زمني لا يتعدى نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي، وذلك بعد أكثر من خمس سنوات على عودتها إلى العراق في إطار التحالف الدولي للحرب على الإرهاب. لكن ذلك لا يعني انتهاء الوجود الأميركي في العراق، إذ ستبقى في البلاد مهمة للجيش الأميركي بصفة استشارية وتدريبية، وهو ما ترفضه المليشيات الموالية لإيران، التي هددت بمواصلة مهاجمة القواعد التي تضم أميركيين في حال لم يكن هناك انسحاب كامل.
وفي محاولة لاحتواء التصعيد الذي بدأت به فصائل مسلحة وقوى سياسية حليفة لطهران، تطالب بإخراج كامل القوات الأجنبية، واعتبرت الحديث عن قوات قتالية وأخرى استشارية نوعاً من الالتفاف والمماطلة في ما يتعلق بسحب كامل القوات الأجنبية من البلاد، حرص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبيل توجهه إلى واشنطن، حيث يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الإثنين، على تجديد تأكيده عدم حاجة بلاده إلى قوات قتالية في إطار الحرب على الإرهاب.
وقال الكاظمي، في مقابلة مع وكالة “أسوشييتد برس” أمس الأحد، إن بلاده لم تعد بحاجة إلى قوات قتالية أميركية لمحاربة تنظيم “داعش”، إلّا أنّ الإطار الزمني الرسمي لإعادة انتشار القوات سيعتمد على نتيجة المحادثات مع المسؤولين الأميركيين، وفق قوله. وأضاف أنّ العراق سيظل يطلب تدريباً وجمع معلومات استخبارية عسكرية من الولايات المتحدة، متابعاً أنّه ليست هناك حاجة إلى “أي قوات قتالية أجنبية على الأراضي العراقية”، وأنّ قوات الأمن والجيش في العراق قادرة على الدفاع عن البلاد من دون دعم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. لكنّه قال إنّ أيّ جدول زمني للانسحاب سيعتمد على احتياجات القوات العراقية التي أظهرت العام الماضي قدرتها على القيام بمهام مستقلة ضد “داعش”.
أعلن الكاظمي أن بلاده لم تعد بحاجة إلى قوات قتالية أميركية لمحاربة تنظيم “داعش”
وأضاف أنّ “الحرب ضد داعش وجهوزية قواتنا فرضت جداول خاصة (لانسحاب القوات من العراق) تعتمد على المفاوضات التي سوف نجريها في واشنطن”. وتابع الكاظمي: “ما نريده من الوجود الأميركي في العراق هو دعم قواتنا بالتدريب وتطوير كفاءتها وقدراتها، والتعاون الأمني”. وأضاف أنّ “العراق لديه مجموعة من الأسلحة الأميركية التي تحتاج إلى الصيانة والتدريب. وسوف نطلب من الطرف الأميركي الاستمرار في دعم قواتنا وتطوير قدراتنا”. ولفت الكاظمي إلى أنّ العراق يشهد حالياً موقفاً حساساً ويحتاج إلى تهدئة الوضع السياسي حتى يصل إلى الانتخابات النيابية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقال إنّ العراق نجح في نيل ثقة السعودية وإيران، وبالتالي فهو يعمل على إحلال الاستقرار في المنطقة.
أما الإعلان المرتقب الذي سيشهده البيت الأبيض، اليوم الإثنين، في ختام لقاء الكاظمي مع بايدن، فسيكون متزامناً أيضاً مع ختام جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة والأخيرة بين البلدين، ومن المقرر صدور بيان مشترك حول ما تم التوصل إليه. ويمثّل ملف إخراج القوات الأميركية من العراق مطلباً أساسياً للقوى الحليفة لإيران منذ منتصف عام 2018، وتحديداً عقب انتهاء المعارك المباشرة مع “داعش”. لكنّ تلك المطالبات تصاعدت عقب اغتيال الولايات المتحدة، زعيم “فيلق القدس” الإيراني الجنرال قاسم سليماني، والقيادي في “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، مطلع يناير/كانون الثاني من العام الماضي، في غارة جوية قرب مطار بغداد الدولي. ونفذت الجماعات المسلحة المدعومة من طهران منذ مطلع العام الحالي أكثر من 50 هجوماً صاروخياً وبطائرات مسيّرة مفخخة استهدفت قواعد ومعسكرات تستضيف القوات الأميركية، فضلاً عن سفارة واشنطن في المنطقة الخضراء في بغداد، ردت واشنطن عليها بعدة غارات جوية استهدفت معاقل ومعسكرات لمليشيات مسلحة داخل العراق وسورية.
وقال مسؤول عراقي رفيع ضمن الوفد العراقي الرسمي الموجود حالياً في واشنطن، لـ”العربي الجديد” إنّ “الإدارة الأميركية الحالية متفهمة تماماً للوضع في العراق سياسياً وأمنياً على عكس الإدارة السابقة”. وأضاف متحدثاً عبر الهاتف: “الواضح الآن هو مغادرة القوات القتالية العراق خلال الأشهر المقبلة المتبقية من هذا العام على شكل دفعات، ورئيس الوزراء كان يتابع مفاوضات الوفد العراقي في واشنطن من بغداد وسيلتحق به في الجلسة الأخيرة والختامية”، لافتاً إلى أنّه “سيتم استبدال قسم من القوة القتالية المُغادرة بمدربين ومستشارين أميركيين مع القوات العراقية، وقسم آخر لن يتم تعويضهم إذ سيغادرون بشكل نهائي”، مؤكداً أن ذلك يشمل القوة الموجودة أيضاً في السفارة الأميركية منذ نحو عامين.
طالب مسؤولون في البنتاغون بضمانات بشأن عدم تعرّض القوات الأميركية المتبقية لهجمات
لكن المسؤول تحدث أيضاً عن “مطالبة مسؤولين في البنتاغون بضمانات بشأن عدم تعرّض تلك القوات لهجمات، وبدا كبار المسؤولين في واشنطن مهتمين جداً بمسألة قدرة قواتهم التي ستبقى بصفة استشارية بالدفاع عن أنفسهم في حال تم تنفيذ هجمات جديدة ضدهم من قبل حلفاء إيران أو تنظيم داعش”. وتابع المسؤول أنّه طوال يومي الجمعة والسبت الماضيين، عقد مسؤولون عراقيون عسكريون وأمنيون، على رأسهم نائب قائد عمليات الجيش الفريق عبد الأمير الشمري، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، مفاوضات مع مسؤولين في البنتاغون، بحضور وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ونائبته مارا كارلين، وخلصت الاجتماعات إلى الاتفاق على عدم الحاجة لأي وجود قتالي أميركي في العراق مع ضرورة مواصلة الدعم الجوي في ضرب معاقل تنظيم “داعش” وجيوبه وتوفير معلومات جوية لتحركاته، خصوصاً في ما يتعلق بالجزء الحدودي مع سورية. واعتبر الاتفاق بمثابة إعلان تحوّل مهمة الجيش الأميركي في العراق من قتالية إلى استشارية وتدريبية، كاشفاً أيضاً عن تفاهم بشأن إعادة النظر بالوضع الميداني في العراق وتطور الجيش والقوات الأمنية الأخرى كلّ ستة أشهر، لتحديد مدة انتهاء عمل البعثة الاستشارية العسكرية الأميركي في العراق.
وشدد المسؤول العراقي على أنّ “مخرجات الحوار غير مهددة للوضع الأمني واستقراره من ناحية مواصلة ضرب الجيوب المسلحة للتنظيم (داعش)، إذ إن القوات القتالية الأميركية لم تشارك طوال الأشهر الثمانية عشر الماضية بأي عملية مباشرة على الأرض، والعراق بحاجة للدعم الجوي والمعلومات والتدريب، وهو ما سيستمر”. وأكد الاتفاق أيضاً على ملفات عسكرية أخرى من بينها دعم الولايات المتحدة لسلاح الجو العراقي، بما فيها المساعدة في حلّ المشاكل الفنية الحالية في عدد كبير من طائرات “أف 16” العراقية، إضافة إلى تعزيز وحدات المدفعية والدروع ودبابات “أبرامز” وأنظمة الرصد، كما المساعدة في مهمة إغلاق وتأمين الشريط الحدودي مع سورية، وتمكين المؤسسات العسكرية في كلّ من وزارة الدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب، وتقديم برامج تدريب متطورة لوحدات خاصة في الجيش العراقي.
تقارير عربية
العراق: جولة الحوار الرابعة مع واشنطن ستشهد جدولة الانسحاب الأميركي
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الولايات المتحدة ستلتزم بسحب قوات القتالية بحلول نهاية العام، مع إشارتهم إلى أنه سيتم سحب عدد صغير ولكن غير محدد من 2500 جندي أميركي يتمركزون حالياً في العراق، وإعادة تصنيف دور القوات الأخرى “على الورق”. وبحسب الصحيفة، سيحقق الكاظمي بذلك نصراً سياسياً يعود به إلى الوطن لإرضاء الفصائل المعادية للولايات المتحدة في العراق، فيما سيبقى الوجود العسكري الأميركي.
في المقابل، كشف مصدر مقرب من الكاظمي لـ”العربي الجديد” أنّ الأخير سيتوجّه قريباً إلى إيران في زيارة على رأس وفد أمني وحكومي كبير، مرجحاً أن يكون ذلك بعد تسلم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مهام عمله رسمياً، في 5 أغسطس/آب المقبل. وأضاف أنّ “العراق سيسعى لطمأنة إيران بشأن ما تم التوصل إليه في واشنطن، وأن تساعد طهران في ضبط إيقاع الفصائل المسلحة”.
الكاظمي سيتوجّه قريباً إلى إيران في زيارة على رأس وفد أمني وحكومي كبير
وخلال المؤتمر الصحافي الذي جمع، الجمعة، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسن بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، بدا لافتاً عدم تطرق الوزيرين إلى مسألة سحب القوات الأميركية من العراق، وظهر الوزيران حذرين في الرد على أسئلة الصحافيين المتعلقة بمستقبل الوجود الأميركي، واكتفى بلينكن بالحديث عن أن الشراكة مع العراق أكبر بكثير من الحرب على تنظيم “داعش”.
في المقابل، هاجم زعماء مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران، تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين التي أدلى بها للصحافيين من واشنطن حول استمرار حاجة القوات العراقية المساعدة من واشنطن. وقال زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي في بيان له، إنّ تصريحات حسين “تبرير لبقاء القوات الأميركية”، مضيفاً أنّه “لا يمكن فهم هذا التصريح إلّا بكونه تسويقاً لمبررات استمرار تواجدهم (الأميركيين) على الأراضي العراقية، والذي يعلم الجميع أن لا علاقة له بمصلحة العراق وإنّما مرتبط بمصلحة الكيان الإسرائيلي الذي يعتبرنا عدوه الأول”.
كما أصدرت ما تُعرف بـ”الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية العراقية”، وهو تحالف يضم عدة فصائل مسلحة أعلن عنه نهاية يناير/كانون الثاني من العام الماضي، عقب اغتيال سليماني، بياناً مشتركاً هددت فيه بمواصلة مهاجمة القواعد التي تضم أميركيين في حال لم يكن هناك انسحاب كامل للقوات الأميركية وقوات التحالف الدولي وجميع العناوين الأخرى. وأضافت: “لن نسمح بوجود أي جندي على أرض العراق وبأي صفة كانت وتحت أي ذريعة أو اصطناع مشروعية، لذلك التواجد بعناوين شتى (مدربين ومستشارين أو كداعم وساند جوي)”، محذرة حكومة الكاظمي مما وصفته بـ”تزييف وتحريف للحقائق والتسويفات لإضفاء المشروعية على هذا التواجد”. واشترطت أن “يكون الانسحاب حقيقياً كاملاً من كلّ الأراضي العراقية، وأن يشمل كلّاً من قاعدة عين الأسد الجوية وقاعدة الحرير الجوية”، مهددة أنّه “إن لم يكن هناك انسحاب حقيقي، سيتم التعامل مع أيّ وجود أجنبي عسكري سواء كان أميركياً أو غيره على أنّه احتلال، وسنواصل قتاله بكلّ ما أوتينا من قوة”.
والسبت، كشف المتحدث باسم التحالف الدولي للحرب على تنظيم “داعش”، العقيد واين ماروتو، عن تعرّض قاعدة عسكرية في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، إلى هجوم بطائرة مسيّرة، من دون أن تسفر عن أي خسائر بشرية أو مادية.
في الأثناء، عقدت فعاليات سياسية عن العرب السنّة مؤتمراً في أربيل السبت، اعتبرت فيه أنّ انسحاب القوات الأميركية من العراق سوف “يدخله في فوضى كبيرة”. ونقلت وسائل إعلام عراقية تبث من مدينة أربيل بياناً في ختام المؤتمر الذي شاركت فيه شخصيات سياسية وعشائرية أغلبها محلية على مستوى محافظات شمال وغرب البلاد وعدد منها غير معروفة تقيم جميعاً في إقليم كردستان منذ سنوات، قالت فيه إنها “ترفض جدولة انسحاب القوات الأميركية، لأن ذلك في هذا الوقت يعني تسليم العراق لإيران”.
وحول ذلك، قال الأستاذ في وحدة الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند سلوم، إنّ “جميع المؤشرات تؤكد إعلاناً مرتقباً بتغيير طبيعة مهام القوات الأميركية في العراق من قتالية إلى استشارية”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّه “على المستوى الاستراتيجي، تحتاج الحكومة العراقية إلى استمرار دعم الولايات المتحدة وكذلك إيران لبقاء العملية السياسية التي تأسست بعد الاحتلال. لهذا يحرص الكاظمي، ومن سبقه من رؤساء الوزراء، على موازنة نفوذ الدولتين في العراق ومستويات توتر العلاقة في ما بينهما”. ولفت إلى أنّ “إعلان تغيير مهام القوات الأميركية في العراق من قتالية إلى تدريبية استشارية سيمنح المليشيات الموالية لإيران نصراً تكتيكياً ومعنوياً مؤقتاً، على الرغم من أنّ المعطيات تشير إلى أنّ هجمات المليشيات ضد القوات والمصالح الأميركية لن تتوقف، لأنّها مرتبطة بمصالح إيران الاستراتيجية وصراعها الإقليمي على النفوذ مع الولايات المتحدة”.
عثمان المختار
العربي الجديد