قررت روسيا إرسال ألف جندي للمشاركة في تدريبات عسكرية في طاجيكستان على الحدود مع أفغانستان ما يعكس قلق موسكو من سيطرة حركة طالبان التامة على أفغانستان بما يهدد المصالح الروسية في آسيا الوسطى.
وذكرت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء أن موسكو قالت الثلاثاء إنها ستشارك بألف من جنودها في تدريبات عسكرية مشتركة في طاجيكستان الأسبوع المقبل قرب الحدود مع أفغانستان.
وتأتي التدريبات التي تجرى في الفترة من الخامس إلى العاشر من أغسطس في وقت يتدهور فيه الوضع الأمني في أفغانستان مع انسحاب قوات تقودها الولايات المتحدة من البلاد.
وستشارك قوات من أوزبكستان وطاجيكستان كذلك في التدريبات، وذكرت وكالة تاس الروسية للأنباء إن القوات المشاركة في التدريبات التي ستجري في منطقة “حرب ميدون” الطاجيكية على الحدود مع أفغانستان قوامها أكثر من 1500 جندي إجمالا.
ويأتي ذلك في وقت تواصل فيه حركة طالبان هجوما من أجل السيطرة على كامل البلاد ما أثار مخاوف من تدهور الوضع الأمني والإنساني في أفغانستان.
ينس ستولتنبرغ: الوضع الأمني في أفغانستان صعب للغاية ويقتضي تسوية
وفي إطار هذه المخاوف شدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ الثلاثاء على ضرورة التفاوض حول تسوية مع طالبان في أفغانستان، وأقر بأن البلد يواجه وضعا أمنيا صعبا للغاية مع انسحاب القوات الأجنبية.
وقال ستولتنبرغ في تغريدة له على تويتر بعدما تحدّث إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني “يبقى الوضع الأمني في أفغانستان صعبا للغاية ويقتضي تسوية يتم التفاوض عليها. سيواصل حلف شمال الأطلسي دعم أفغانستان بما في ذلك عبر التمويل والتواجد المدني والتدريب خارج البلاد”.
وارتفع مستوى العنف منذ مطلع مايو في وقت أطلقت طالبان هجوما واسع النطاق بعد أيام من بدء القوات الأميركية بقيادة حلف شمال الأطلسي انسحابها الذي استُكمل تقريبا. وسيطر المتمرّدون على مناطق واسعة ومعابر حدودية وحاصروا عواصم عدة ولايات.
وتواصل القتال في المناطق الريفية فيما أخفقت المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. وانسحب معظم أفراد قوة حلف شمال الأطلسي والبالغ عددهم 10 آلاف جندي من أفغانستان بعد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن سحب جنود بلاده بعد الغزو بعقدين.
وحذرت الأمم المتحدة الاثنين من أن أفغانستان قد تسجّل أعلى عدد للوفيات في صفوف المدنيين منذ أكثر من عقد في حال لم تتوقف هجمات طالبان في أنحاء البلاد.
وبالرغم من أنها قالت في وقت سابق إنها لا ترى خطرا في استيلاء طالبان على السلطة على لسان مبعوث رئيسها الخاص إلى أفغانستان زامير كابولوف، إلا أن روسيا تبدو متوجسة من هذه الفرضية خاصة في ما يتعلق بنفوذها في المنطقة.
وتعكس التدريبات العسكرية عدم ثقة موسكو في تعهدات حركة طالبان ما يدفعها إلى التحرك من أجل طمأنة حلفائها في مقدمتهم طاجيكستان التي أجرت مؤخرا تدريبات هي الأضخم على الإطلاق على الحدود مع أفغانستان شاركت فيها كل عناصر الجيش الطاجيكي.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعرب في وقت سابق عن قلقه وتخوفه من تحقيق حركة طالبان مكاسب ميدانية متسارعة تعجّل باقتراب سيطرتها على كامل أفغانستان.
ولوح لافروف وقتها بأن روسيا مستعدة لاستخدام قاعدتها العسكرية في طاجيكستان (وهي واحدة من أكبر قواعدها العسكرية في الخارج) لضمان أمن حلفائها الذين كانوا يشكلون جزءا من الاتحاد السوفييتي. وهي منطقة تسعى روسيا للحفاظ على نفوذها فيها.
وأضاف “نراقب عن كثب ما يحدث في أفغانستان حيث يتجه الوضع نحو تدهور سريع في ظل الخروج المتعجل للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي”.
وحاولت روسيا الوقوف على نفس المسافة من الأطراف الأفغانية بعد أن استضافت محادثات بين تلك الأطراف في مسعى للمراهنة على الدبلوماسية قبل الاحتكام إلى لغة السلاح، حيث لا يستبعد مراقبون أن تُرغم التطورات موسكو على التدخل لحماية مصالحها وحلفائها إذا افتكت طالبان السلطة بالقوة.
وقدمت طالبان تطمينات للقوى الإقليمية لكن من غير الواضح إذا ما كانت ستحترم تعهداتها، وهو ما جعل موسكو تتوجس أكثر. ويكاد يجمع محللون وعسكريون روس على أن سيطرة طالبان على أفغانستان باتت تشكل خطرا على موسكو ودول آسيا الوسطى المتاخمة.
ويشير هؤلاء إلى أن نجاحات مقاتلي طالبان على خلفية انسحاب القوات الأميركية والأطلسية في السيطرة على مساحات جديدة في أفغانستان تنعكس على أمن دول رابطة الدول المستقلة المجاورة لها (تكتل لمجموعة من الدول السوفييتية السابقة).
تأتي التدريبات في وقت يتدهور فيه الوضع الأمني في أفغانستان مع انسحاب قوات تقودها الولايات المتحدة من البلاد
وتستمر موجة اللجوء من قبل جنود أفغان إلى الدول المجاورة مصحوبين بأسلحتهم بعد خسارتهم على أرض المعركة. وإذا احتلت طالبان المناطق الشمالية الحدودية من البلاد فهناك خطر من تدفق جديد للاجئين ومعهم الإسلاميون المتطرفون إلى الدول الجنوبية في رابطة الدول المستقلة. وستكون هذه ضربة لا تقتصر على بلدان آسيا الوسطى، وإنما يمتد خطرها إلى روسيا.
وتخشى روسيا أن يصل صدى النجاح العسكري الذي تقوده طالبان في أفغانستان إلى الشيشان التي يقود فيها مزيج من الإسلاميين والمعارضين تمردا ضد موسكو منذ عقود.
وتقلق الاضطرابات روسيا لأنها تنظر إلى المنطقة على أنها الجناح الجنوبي الدفاعي ومجال النفوذ الذي يمكن أن تنطلق منه التهديدات المتطرفة.
صحيفة العرب