منذ أكثر من أسبوع، يرقد النجار السوري فرحان عباس في مستشفى بولاية ماردين جنوب شرقي تركيا، بعدما أصيب بكسور شديدة أثر سقوطه من الطابق الثالث في مبنى كان يعمل به.
ولا يتوقع الأطباء في المستشفى أن يتمكن فرحان من العودة إلى مهنته من جديد، خصوصا أنه يحتاج لأكثر من 10 عمليات جراحية خلال الشهور المقبلة.
ومما يزيد الطين بلة في قصة فرحان، أن المستشفيات الحكومية التركية لا تتكفل بهذه العلميات، ولا يملك العامل السوري حتى عُشر التكلفة التي تقدر بنحو نصف مليون ليرة تركية (60 ألف دولار).
ويقول النازح السوري لموقع “سكاي نيوز عربية” إنه يعمل نجارا محترفا في تركيا منذ 10 سنوات، تنقل خلالها مع عائلته على أكثر من 7 مناطق تركية.
ويضيف أنه صادف الظروف نفسها في جميع المناطق، فأصحاب العقارات الأتراك يرفضون التعامل مع النجارين السوريين باعتبارهم محترفين، بل فقط كعمال بالأجرة اليومية.
ظلم في الأجر
وبحسب فرحان، يتقاضى النجار التركي أتعابه حسب الأمتار أو المساحة التي ينجزها، بحيث يكون متوسط مداخيلهم قرابة 7 آلاف ليرة تركية في الشهر (قرابة ألف دولار)، بينما لا يحصل النجارون السوريون إلا على مقابل يومي يتراوح بين 50 و70 ليرة.
وهذا يعني أن السوري يتقاضى ربع ما يتقاضاه التركي إذا عملا شهرا كاملا، ومن دون أي ضمانات بالالتزام بالدفع.
ويقول فرحان إن 3 متعهدين على الأقل “هضموا” أتعابه مدعين أن مشاريعهم فشلت، و”حينما أصبت أثناء العمل قيل أيام، لم يعوضني المتعهد إلا بألف ليرة فقط”.
قصة فرحان تتشابه مع أحوال قرابة مليون عامل سوري في تركيا، يشتغلون في شتى القطاعات التي تحتاج جهدا بدنيا، خاصة في البناء والزراعة.
وتقول منظمات حقوقية إن أحوال العمال السوريين في تركيا بالغة السوء، إذ يتقاضون رواتب أقل كثيرا من الحد الأدنى للأجور في تركيا، ولا يُسمح لهم بتشكيل تجمعات نقابية أو مهنية، ولا يتمتعون بعقود شرعية ونظامية تسمح لهم بمقاضاة الجهات المعتدية على حقوقهم.
وعاد ملف العمال السوريين في تركيا إلى الواجهة، بعدما هدد قادة في حزب الشعب الجمهوري المعارض بطرد اللاجئين السوريين حال وصولهم إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2023.
وما كان من ممثلي حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، إلا أن وصفوا هذه التصريحات بـ”الفاشية”، مؤكدين حاجات تركيا الاقتصادية لهذا المستوى من العمالة الرخيصة الفاقدة للحقوق، وهو ما اعتبر دليلا على سياسة استغلال العمالة السورية أبشع استغلال.
وقال النائب عن حزب العدالة والتنمية في ولاية عنتاب الجنوبية محمد أوزهسكي: “من أين سنحصل على مثل هذا الفرصة الذهبية؟ إنهم مستعدون للعمل لمدة 16 ساعة في اليوم”.
وأضاف أوزهسكي الذي يمثل محافطة تستقطب كثيرا من العمالة السورية: “ليس لهم حقوق، حتى لو تأخر كل شيء عنهم، بما في ذلك حوادث المهنة التي قد تعترضهم. إنهم يخدمون اقتصاد بلادنا”.
تحالف ضد العمال السوريين
ومن جهة أخرى، قالت الناشطة الحقوقية التركية آيسل توغجان لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن هناك ما يشبه “التحالف” بين مختلف الجهات التركية لهضم حقوق العمال السوريين.
وأوضحت: “المنظمات الحقوقية المرتبطة بالحزب الحاكم أو المعارضة تتفق على إسكات أي شيء يتعلق حتى بالحقوق الإنسانية للعاملين السوريين، لذلك تصمت تماما عن كل ما ينتهك هؤلاء العمال”.
وقالت الناشطة إن العمال السوريين يعانون بسبب “البنية القانونية في البلاد شديدة القومية، بمعنى أنها معادية للاجئين والعمال الأجانب، كذلك يستفيد رجال الأعمال والمتعهدون وحتى صغار المزارعين من هذا الظرف الملبي لمصالحهم الضيقة”.
وتتابع: “المسألة سياسية بالدرجة الأولى، فمن المفترض أن تؤمّن حكومة العدالة والتنمية حقوق معقولة لهؤلاء العمال الذين تبتز الدول الغربية بشأن رعايتهم لها، لكنها فعليا تستغلهم لصالح الطبقات الصناعية والزراعية الموالية لها”.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز