في واحدة من الظواهر السلبية التي تواكب عصر العولمة والتقدم التكنولوجي، أصبح الإنسان سلعة لدى بعض العصابات، يتم الاتجار به، ويتراوح سعره -حسب موقع الأمم المتحدة- لدى عصابات الاتجار بالبشر ما بين 10 دولارات و10 آلاف دولار.
الجريمة تتم عبر عصابات دولية منظمة، وتستحوذ هذه العصابات على نسبة 65% من الجرائم الخاصة بالاتجار بالبشر، بينما 35% من هذه الجرائم تتم عبر عصابات صغرى، وداخل الإقليم الواحد، وأغلبها تتم في شكل زواج القاصرات، والعمالة القسرية في المنازل، في العديد من الدول العربية وآسيا والهند.
وتشهد مناطق النزاع على مستوى العالم، العديد من التجاوزات في حق البشر، وبخاصة بعد أن تتقلص سبل العيش الكريم للأفراد المعرضين للنزوح والهجرة، بسبب الحروب، أو الممارسات الدكتاتورية، فنجد الأخبار التي تحملها وسائل الإعلام المختلفة، عن الهجرة غير النظامية، وتعرض هؤلاء المهاجرين للغرق، أو جرائم محاولات البعض لبيع أطفال، أو استغلال الفتيات والنساء في جرائم تجارة الرقيق.
ويعد نشاط الاتجار بالبشر، ضمن مجالات الاقتصاد الأسود، الذي تجرمه الاتفاقيات الدولية، وكذلك التشريعات المحلية، وتعتبر الأموال الناتجة عن هذا النشاط الإجرامي، أحد الروافد المهمة في عمليات غسل الأموال.
ومنذ فترة تُعد بعض البلدان العربية، منافذ لممارسة أنشطة الهجرة غير الشرعية، حيث تستقبل هذه البلدان، الراغبين في الهجرة غير الشرعية من آسيا وأفريقيا إلى الدول الأوروبية، وقد بذلت جهود عدة لمواجهة الظاهرة، دون جدوى، وثمة اتفاقيات وجهود مبذولة بين بعض الدول العربية والاتحاد الأوروبي لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ومنذ أن شهدت المنطقة العربية، حالة إجهاض لثورات الربيع العربي، وثمة حالة من التدفق للهجرة غير النظامية، من قبل مهاجرين من دول عربية تشهد نزاعات مسلحة.
كما انتشرت في مخيمات اللاجئين بالدول العربية وتركيا، ظاهرة زواج القاصرات، لأزواج من كبار السن، أو العمالة القسرية، أو العمل في ظل ظروف غير مواتية، من حيث زيادة ساعات العمل، دون الحصول على الأجر المناسب، فضلا عن غياب كافة صور الحماية الاجتماعية للعاملين.
وقد اتخذت الأمم المتحدة الـ30 من يوليو/تموز في كل عام، مناسبة لمكافحة الإتجار بالبشر، وذلك بعد إصدار اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود في عام 2000، وثمة بروتوكول مكمل لهذه الاتفاقية يحمل اسم “منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص”.
وقد عرّف هذا البروتوكول جريمة الاتجار بالبشر بأنها “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحدّ أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.
وفي عام 2014، ذهب تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى أن أرباح الاتجار بالبشر على مستوى العالم، تقدر بنحو 150 مليار دولار سنويا، تمثل النسبة الأكبر منها من نشاط الاستغلال الجنسي لأغراض تجارية بنحو 99 مليار دولار، ونحو 51 مليارا تأتي من نشاط الاستغلال الاقتصادي الجبري في مجالات العمل المنزلي وقطاع الزراعة وأنشطة اقتصادية أخرى.
وبلا شك أنه في ظل تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العديد من مناطق العالم، سواء بسبب النزاعات، أو بسبب جائحة فيروس كورنا، ستكون الأرباح التي يجنيها المجرمون القائمون بنشاط الاتجار بالبشر أكبر بكثير مما أعلنت عنه منظمة العمل الدولية في 2014، ولا ينبغي أن ننسى أثر التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات في إنعاش جرائم الاتجار بالبشر، فحسب تقديرات للأمم المتحدة، فإن شبكة الإنترنت كانت مصدرا للاستقطاب والاتجار في البشر بنسبة تزيد على 50%.
واقع الظاهرة في المنطقة العربية
تقرير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والاتجار بالبشر، لعام 2018 -والذي يصدر كل عامين- يبين أن ظاهر الاتجار بالبشر في المنطقة العربية ازدادت رقعتها بسبب تدهور الحالة السياسية والأمنية التي تمر بها بعض البلدان العربية، وأن 86% من الذين يتعرضون لجريمة الإتجار بالبشر في هذه المنطقة، هم من البالغين.
وأوضح التقرير أن أكثر من 50% ممن يتعرضون للاتجار بالبشر في المنطقة العربية، يستخدمون في مجال العمل القسري، وأن 36% آخرين يتم استخدامهم في مجال الاستغلال الجنسي.
أما فيما يتعلق بدول الضحايا الذين تمارس ضدهم جريمة الاتجار بالبشر في المنطقة العربية، فنسبة منهم من دول آسيا، كما أن السوريين تعرضوا بنسبة كبيرة أيضا لجرائم الاتجار بالبشر في المنطقة العربية، نظرا للظروف السياسية والأمنية التي تعيشها بلادهم، مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة القسرية.
أسباب الظاهرة عربيا
ووفق تقرير الأمم المتحدة، فإن الأوضاع التي تمر بها المنطقة، من تعرض دول عربية لنزاعات مسلحة، ومعايشة دول أخرى حالة من عدم الاستقرار السياسي، ساعد في تدهور الأوضاع المعيشية، ودفع الأفراد إلى البحث عن مكان أفضل للحياة، أو مصدر أفضل للرزق.
وتحت هذا الدافع تستغل عصابات الاتجار بالبشر، ظروف هؤلاء لتغريهم بفرص السفر أو العمل، ثم يكتشفون الحقيقة بعد وقوعهم في براثن تلك العصابات، ليكونوا وقودا لأنشطتها ومصدرا للثراء.
كما أن الفساد داخل أروقة بعض الأجهزة الحكومية المعنية بمكافحة أنشطة الاتجار بالبشر، يساعد في تفاقم هذه الجريمة، بل قد يكون هؤلاء الفاسدون جزءا من عمل هذه العصابات، إما بالحصول على الرشاوى، أو تشجيعهم من خلال التعهد بعدم وقوع مجرمي الاتجار بالبشر تحت طائلة القانون أو المحاسبة، وبخاصة في تلك الدول التي تعاني انفلاتا أمنيا وسياسيا.
غياب دولة الإنسان
تختلف النظم الحاكمة في المنطقة العربية، من خلال توجهاتها الأيديولوجية، ونظمها الدستورية، ولكنها تبقى في النهاية مطالبة بتوفير حياة كريمة للأفراد، وتحقيق قدر من المساواة والعدالة الاجتماعية، التي تشعر الإنسان بكرامته وحريته.
ولكن الواقع العربي بخلاف ذلك، فغابت دولة الإنسان، وبقيت الدولة البوليسية، التي لا تعبأ بالإنسان، فتزايدت جريمة الاتجار بالبشر، وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية الأخرى، لتصاب الدول العربية في أهم مواردها الاقتصادية، وهو المورد البشري.
فلو أن هناك دولة للانسان في المنطقة العربية، لما تجذرت ظاهرة العقول المهاجرة، ولما ترعرعت ظاهرة العنف، ولما شهدت المنطقة ظاهرة الهجرة غير النظامية. وحينما يجد الإنسان في مجتمعه ما يشجعه على العطاء والعمل والإنتاج لا يبخل، والعكس صحيح، حينما يجد الإنسان نفسه محاطًا بالدولة البوليسية، أو أجواء الحروب، فلا شك أنه سيبحث عن الأفضل، ولكن قد تسوقه الأسباب ليكون ضحية لضعاف النفوس، محاربي الإنسانية.
المصدر : الجزيرة