شهدت العاصمة الإيرانية طهران يوم أمس تنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية، وأشرف المرشد الأعلى علي خامنئي على المراسم وألقى كلمة شدد فيها على واجبات الحكومة الجديدة في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وحل المشاكل الاقتصادية وتنفيذ البرامج الموعودة، داعياً إلى سرعة تشكيل الفريق الحكومي. ومن المنتظر أن يؤدي رئيسي اليمين الدستورية غداً أمام مجلس الشورى فيتولى المنصب رسمياً، ويعرض بالتالي أسماء شاغلي الحقائب الوزارية وطلب ثقة البرلمان.
ورغم أن الرئيس الجديد نال نسبة كاسحة في انتخابات حزيران/ يونيو الماضي بلغت 62٪ من أصوات الناخبين، إلا أن رئاسته اقترنت بسلسلة من المؤشرات التي يمكن القول إنها كانت غير مسبوقة بالمقارنة مع رؤساء إيران السابقين. فمن جهة أولى كان معدل الإقبال على التصويت هو الأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية إذْ اقتصر على 29,77٪ من أصوات الناخبين المسجلين، وكان أبو الحسن بني صدر قد فاز بنسبة 67.86٪، وعلي خامنئي بنسبة 74.26٪، وهاشمي رفسنجاني بنسبة 54.59٪، ونجح محمد خاتمي في استقطاب 79.92٪ من الناخبين.
ومن جهة ثانية، كان انفراد رئيسي بمساندة صريحة من المرشد الأعلى قد اقتضى أيضاً استبعاد مرشحين لم يكونوا كلهم من الإصلاحيين وتوفر في صفوفهم عدد من المحافظين، كما اقترن باستعادة جوانب سوداء في تاريخ رئيسي خلال عمله كمدّع عام في طهران ثم إيران، ودوره في مئات أحكام الإعدام التي صدرت بحق معارضين وناشطين سلميين خلال تظاهرات 2009. ومما له دلالة خاصة أن رئيسي يدخل نادي رؤساء إيران بصفته أول خاضع لعقوبات أمريكية، ويواجه انتقادات لاذعة واتهامات جدية من جانب منظمات حقوق الإنسان العالمية المستقلة.
والتحديات التي تواجهه لتوها ليست كثيرة ومتعددة الجوانب ومستعصية الحلول فقط، بل هي أيضاً من النوع الذي لم يفلح في معالجتها رئيس إصلاحي ومعتدل مثل روحاني، فكيف والرئيس الجديد محافظ متشدد سبق له أن انتقد خيارات الحكومة السابقة وخاصة في إدارة ملف الاتفاق مع الغرب بصدد برنامج إيران النووي. ورغم أنه لا يعلن صراحة معارضته لاستئناف مفاوضات فيينا حول تجديد الاتفاق القديم، فإنه لا يخفي عداءه لغالبية رعاة الاتفاق وليس للإدارة الأمريكية وحدها.
ومن نافل القول إن رئيساً محافظاً متشدداً هو آخر ما يحتاج إليه شعب إيران في الظروف الراهنة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وفي ظل المفاعيل القاسية للعقوبات الأمريكية وأشكال الحصار المختلفة وانكماش تصدير النفط وانحطاط العملة الوطنية، وتبذير ثروات البلد على مغامرات خارجية عسكرية وعقائدية لا تجلب إلا المزيد من المشاق والصعوبات. وإذا كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تعربد على هواها في أعالي البحار وتنتهك الأجواء السورية متى شاءت من دون حسيب او رقيب، فإن مجرد اتهام طهران بالمسؤولية عن استهداف الناقلة الإسرائيلية على شواطئ عمان أقام الدنيا في واشنطن والحلف الأطلسي والغرب، وهذا ما يتوجب أن يضعه قادة إيران في حسبانهم كلما فكروا بالرد على الهجمات الإسرائيلية.
وتنصيب رئيسي مناسبة جديدة للتشديد على أن الشعب الإيراني يستحق قيادة إصلاحية أفضل، وتجدر به الحرية والكرامة والرخاء.
القدس العربي