تطوّرت أزمة جديدة بين إيران والمنظومة الغربية بعد هجوم بطائرة مسيّرة استهدف ناقلة تديرها شركة إسرائيلية قبالة سواحل عُمان وأسفر عن مقتل شخصين، بريطاني وروماني، وكان ذلك قبيل استلام الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم منصبه، وهو الهجوم الذي اتهمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل ورومانيا وغيرها الجمهورية الإسلامية بتنفيذه.
تراوح الموقف الإيراني، كالعادة، بين الإنكار والنفي الرسميين، والتصريح، عبر قنوات محسوبة على طهران، مثل قناة «العالم» أن الضربة شمال بحر عُمان كانت للرد على هجمة إسرائيلية على مطار الضبعة في منطقة القصير بسوريا التي أدت لمقتل عنصرين من الميليشيات المحسوبة على إيران.
لكنه، وقبل أن تلتقط الدول الغربية – التي وعدت بالرد على الهجوم – أنفاسها، شهد الخليج حدثا آخر تمثل بمحاولة خطف لسفينة قبالة شواطئ الإمارات العربية المتحدة، حيث صعد مسلحون إلى سفينة ترفع علم بنما، وحسب مجلة «لويدز ليست» وصحيفة «التايمز» البريطانيتين، فقد أمر المسلحون طاقم السفينة بالتوجه إلى إيران، ورغم أن أمريكا لم تسارع بتوجيه الاتهام لطهران لكن متحدثا باسم الخارجية قال إن ثمة «نمطا مقلقا للغاية من العدائية من جانب إيران».
تزامن هذان الحدثان مع مواقف مستجدة لنظام بشار الأسد بخصوص الجنوب السوري، حيث أنهى النظام هدنة دامت سنوات، كما خرق اتفاقا مع أهالي مدينة درعا، وبدأ حصارا وهجوما تشارك فيه ميليشيات إيرانية، وتناظر ذلك مع سقوط ثلاثة صواريخ أطلقت من لبنان باتجاه إسرائيل، التي ردّت بقذائف من نيران المدفعية، كما أن مسلسل استهداف أرتال التحالف في العراق مستمر، وكذلك الضغوط التي تقوم بها الفصائل الشيعية على رئيس الوزراء مصطفى كاظمي باتجاه دفع الأمريكيين للانسحاب من البلاد.
لا يمكن فصل ما يحصل في الخليج العربي، أو في الساحات العراقية والسورية واللبنانية واليمنية (وهي الساحات التي تملك فيها إيران نفوذا كبيرا) عن حدث الجمود الذي أصاب المفاوضات بين طهران وأمريكا والمنظومة الدولية.
تبث هذه الوقائع إشارتين رئيسيتين، الأولى هي أن مساحة المناورة التي كانت موجودة بين منصب رئيس الجمهورية الإيرانية والآلة العسكرية ـ الأمنية الإيرانية خلال عهد الرئيس حسن روحاني لم تعد مطلوبة، والثانية، هي أن الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، الخارج من مصنع تلك الآلة العسكرية ـ الأمنية، لم يكن مضطرا لبدء حكمه رسميّا، لمباشرة إرسال رسائله إلى خصوم إيران أو حلفائها.
ما عاد لازما، والحال هذه، أن تخرج الدولة الإيرانية على العالم بوجهين وأن تنطق بلسانين، وما عاد ممكنا، والحال هذه أن يوجّه أعضاء في البرلمان، أو صحف محسوبة على «الحرس الثوري» الاتهامات الحادة، والخطيرة أحيانا، لرئيس الجمهورية، أو لوزير خارجيته، وما عاد ضروريا فرض الجنرالات استراتيجيتهم للسياسة الخارجية، كما أشار محمد جواد ظريف مرة، حين يصبح شخص مثل رئيسي، الذي يتهمه حقوقيون إيرانيون، ومنظمات دولية، بالإشراف لسنوات على الإعدامات الجماعية ضد المعارضين خلال ثمانينيات القرن الماضي.
بهذا المعنى فإن رسائل رئيسي عن نفوذه سبقت تنصيبه، وأن الرسائل ستستمر ضمن هذا الاتجاه الذي يُعلي شأن الهجمات الاستباقية، ولا يحتفل كثيرا بالشكليات الدبلوماسية.
القدس العربي