أقرّ مسؤولون عراقيون في العاصمة بغداد بتسلل عدد من المرشحين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بعد أقل من 9 أسابيع من الآن (في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، عبر الدائرة الانتخابية الثالثة في محافظة نينوى، المتضمنة مدينة سنجار وضواحيها، وذلك من خلال أحزاب وحركات عن المكوّن الأيزيدي في المدينة. ويرى مراقبون في الخطوة أنها محاولة لخلق غطاء سياسي لأذرع حزب العمال الكردستاني داخل المدينة، ومنافسة الأحزاب التقليدية الكردية، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، إضافة إلى القوى العربية السنيّة التي تمتلك ضمانات بحصولها على مقعد واحد من أصل ثلاثة مقاعد برلمانية مخصصة لسنجار.
ولا تزال مدينة سنجار (110 كيلومترات غربي الموصل)، خاضعة لسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى فصائل عراقية مسلحة تابعة لـ”الحشد الشعبي”، والتي تمنع الحكومة العراقية من تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في المدينة التي وقّعتها مع حكومة إقليم كردستان العراق، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والقاضية بسحب جميع الفصائل المسلحة من المدينة، وإعادة سكانها إليها، والبدء بعملية إعمار واسعة.
وقال مسؤول عراقي في بغداد، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “مفوضية الانتخابات تتحمل مسؤولية تمرير عدد من المرشحين المرتبطين سياسياً وعقائدياً بحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً من قبل عدد من الدول”، مشيراً إلى أنّ أحد هؤلاء المرشحين “شارك في التحريض على قوات الجيش العراقي، في إبريل/نيسان الماضي، لعرقلة انتشاره في سنجار”.
7 مرشحين عن دائرة سنجار الانتخابية هم من الشخصيات المرتبطة بحزب العمال
وبحسب المصدر نفسه، فإن “7 مرشحين عن دائرة سنجار الانتخابية هم من الشخصيات المرتبطة بحزب العمال، ورُشحت عبر كتل وكيانات أيزيدية جديدة، وأخرى قديمة مثل حزب الحرية والديمقراطية الأيزيدية، وحزب التقدم الأيزيدي، والديمقراطي الأيزيدي، والحركة الأيزيدية من أجل الإصلاح، لنيل أحد المقاعد البرلمانية المخصصة للمدينة”. ولفت إلى أنّ “بين هؤلاء نساء، في سياق المساعي للحصول على مقعد في إطار الكوتا النسائية” (وفقاً للدستور العراقي، فإن عدد كوتا مقاعد النساء في البرلمان يجب ألا يقل عن 25 في المائة من العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب البالغ 329 مقعداً. ويضمن قانون الانتخابات الذي ستجرى بموجبه الانتخابات المقبلة وجود امرأة في كل دائرة انتخابية).
في الأثناء، أكدت مصادر محلية في مدينة سنجار لـ”العربي الجديد”، أنّ “حزب العمال الكردستاني ومليشيا أيزيدي خان، باشرا عملياً حملتهما الإعلامية في سبيل دعم المرشحين الجدد، ومعظمهم من كوادر متقدمة في حزب العمال، لكنهم قرروا بغطاء منه، تأسيس كيانات جديدة لغرض المنافسة على مقعد الكوتا للأقلية الأيزيدية، وبعض المناصب المحلية في سنجار”.
تقارير عربية
تحركات وإعادة انتشار “مقلقة” لمسلّحي “الكردستاني” شمالي العراق
وبرأي مراقبين، فإنّ هذه الكيانات السياسية التي يديرها حزب العمال الكردستاني في الظلّ، تسعى إلى إبعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني عن سنجار، والسيطرة على قرارات المدينة، والاستمرار في تهديد الأراضي العراقية، عبر تمكين المسلحين من مواصلة تهديد أنقرة التي تدرج “العمال الكردستاني” ضمن الجماعات الإرهابية التي تُهدد أمن تركيا. ووفقاً لمسؤولين، بينهم قائمقام سنجار محما خليل، الذي تحدّث مع “العربي الجديد”، فإن “تقرير المصير والانتخابات والمنافسة السياسية، هي ضمن حقوق المكونات والشرائح المنصوص عليها في الدستور العراقي، لكن بشرط أن تكون الانتخابات نزيهة، وألا تقبل مفوضية الانتخابات بالكيانات السياسية المدعومة بالمال السياسي الفاسد أولاً، والدعم من خارج العراق ثانياً”. وأوضح خليل أنّ “مدينة سنجار لا تحتمل أي صراعات سياسية ممولة من الخارج وتحمل أهدافاً تخريبية وتمنع تنفيذ قرارات بغداد”، معتبراً أنّ “دخول جهات متهمة بمشاكل أمنية وعنف وتشريد وسلب أموال الأهالي، هو أمر لن يساعد على بناء سنجار التي دمرتها الأيادي العابثة في المدينة بدعم إقليمي”، في إشارة إلى إيران.
وأكد خليل أنّ “سنجار تأثرت قبل عام 2014 بالصراعات الإقليمية والسياسية، وبعد تحرير المدينة من تنظيم داعش، دخلت المليشيات المسلحة والعمال الكردستاني لتعزيز وإبقاء هذا الصراع، في سبيل منع أي تطور للحياة في المدينة. لكن مع ذلك، فإنّ أي جهود سياسية تستغل السلاح لن تنجح، لأن أهالي سنجار باتوا يعرفون من الذين يدمرون مدينتهم، بعد أن حولوها إلى ثكنة عسكرية مليئة بالمعسكرات والأسلحة”.
الكيانات السياسية التي يديرها حزب العمال الكردستاني في الظلّ، تسعى إلى إبعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني عن سنجار
من جهته، أقرّ عضو المكتب السياسي لحزب “الحرية والديمقراطية الأيزيدي” في سنجار، فارس حربو، ضمنياً، بارتباط مرشحين بحزب العمال الكردستاني، قائلاً، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، إنّ “الأفكار المحظورة في العراق تتلخص في التنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش وحزب البعث، وليس هناك ما يمنع حزب العمال الكردستاني من تأسيس كيانات سياسية تساهم في وضع حلول للشريحة الأيزيدية المضطهدة”. وأوضح أن “التنافس السياسي هو الذي سيُحدد شكل وطبيعة الحياة السياسية المستقبلية في سنجار، بعد سنوات طويلة من الاستيلاء على حقوق أهالي المدينة، من خلال سيطرة أحزاب من خارج سنجار على مقاعدها البرلمانية وبقية مناصب التمثيل الحكومي والتشريعي”.
من جهته، أشار جمال بايك، وهو قيادي في حزب العمال الكردستاني وموجود حالياً في سنجار، إلى أنّ “الفصائل الأيزيدية والحشود المسلحة من أهالي مدينة سنجار، هم الذين بادروا بتأسيس كيانات سياسية من أجل المشاركة في السباق الانتخابي، ومنع الاستيلاء على المقاعد التي من المفترض أن تكون للأيزيديين قبل أن تكون لأحزاب من خارج المدينة”. وقال بايك، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “هناك قبولا شعبيا أيزيديا بالكيانات السياسية الجديدة، كونها تحتوي على شخصيات معروفة ساهمت في تحرير سنجار من تنظيم داعش، وفي حمايتها طيلة السنوات الماضية”. واعتبر بايك أنّ “العمال الكردستاني غير موجود كقوة عسكرية في مدينة سنجار، وبالتالي فإنّ المساهمة السياسية ليست محرّمة على الحزب، طالما أنه لا يمتلك نشاطات عسكرية في داخل المناطق الآمنة”.
في السياق، قال المستشار السابق في رئاسة إقليم كردستان العراق، كفاح محمود، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “سنجار باتت مركزاً لصراع إقليمي ودولي، وأصبح حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا حليفاً أساسياً للمليشيات التابعة للحشد الشعبي هناك، والتي تستغل موارد العراق لتحقيق غايات وأهداف تخدم أجندات غير عراقية. كما أنّ العمال الكردستاني يعطّل تنفيذ اتفاقية سنجار الذي توصلت إليها بغداد وأربيل، والتي تنص على إخراج كافة القوى الخارجة عن القانون، وبينها الحشد الشعبي، من المدينة”.
محمود: الحزب سيستخدم السلاح من أجل الاستحواذ على أصوات أهالي سنجار
وأوضح محمود أنّ “العمال الكردستاني، عبر كيانات سياسية، جمع عدداً من المرشحين للانتخابات، وهم عبارة عن بيادق تحركهم وتدعمهم جهات خارج الحدود العراقية، من أجل إكمال الاحتلال لمدينة سنجار والسيطرة على مكوناتها”، معتبراً أنّ “الحزب سيستخدم السلاح من أجل الاستحواذ على أصوات أهالي سنجار، وهي الطريقة نفسها التي تتعامل بها الفصائل المسلحة مع الناخبين في بغداد ومناطق جنوب العراق”.
زيد سالم
العربي الجديد