نصف مليون جرعة لقاح غيرت تونس

نصف مليون جرعة لقاح غيرت تونس

تونس – نجحت تونس خلال يوم واحد فقط في تطعيم أكثر من نصف مليون مواطن، في خطوة سلطت الضوء على الفوضى التي كانت سائدة في البلاد لأسابيع كثيرة وهو ما ترجعه مصادر إلى “تحالف التعجيز” الذي أنشأه رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، ما عطل عمل المؤسسات وأعاق مساعي البلاد لتنفيذ حملة لقاح واسعة ضد الوباء.

وأظهر التفاعل الشعبي الكبير في اليوم المفتوح الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد، لأجل تطعيم أكثر ما يمكن من الناس، أن التونسيين استعادوا الثقة بالدولة وبمؤسساتها الخدمية، وهي الثقة التي اهتزت خلال السنوات العشر الأخيرة من ثورة 2011.

ودعا قيس سعيّد التونسيّين إلى الإقبال على التطعيم بكثافة، قائلاً “لا تتردّدوا لحظة واحدة وأقبِلوا على التلقيح”، وهي الدعوة التي رفعت من أعداد المقبلين على التطعيم، بسبب الدعم الكبير في الشارع التونسي للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس سعيد ويعتقد كثيرون أنها خلصت البلاد من الفوضى السياسية.

وتساءل الكثير من المواطنين: أين كانت الدولة التونسية قبل قرارات قيس سعيد؟ ولِمَ عجزت حكومة المشيشي والحزام السياسي والبرلماني الذي كان يدعمها عن تمكين الناس من اللقاحات في الوقت الضروري ما قاد إلى وفاة أكثر من عشرين ألف شخص بسبب تراخي الحكومة وتركيزها على قضايا سياسية وقانونية وصراعات تحسين مواقع لا تهم الناس في شيء؟

وقالت أوساط سياسية تونسية إنه كلما تحرك موضوع اللقاح تأكدت للتونسيين خطورة اللعبة التي كان الغنوشي والمشيشي يمارسانها في البلاد، وأن اللقاحات التي سعى الرئيس سعيد لجلبها وأتى بها كانت أسيرة الحسابات السياسية والرغبة في التعطيل حتى لا يفهم منها أن رئيس الجمهورية لديه علاقات متينة فيما الحكومة المقالة وأحزاب البرلمان المجمد كانتا معزولتين داخليا وخارجيا.

وأضافت هذه الأوساط أن المشاركة الواسعة للمواطنين في اليوم المفتوح للتلقيح والتنظيم المحكم الذي تولاه عدد كبير من المتطوعين يؤكدان أن التأخير في التلقيح لا ينبئ بصعوبة معركة الوباء بقدر ما يشير إلى وجود لعبة سياسية على حساب الشعب.

وتحدث مصدر تونسي مطلع على الوضع السياسي التونسي لـ”العرب” عن وجود “تحالف تعجيز سياسي” قبل يوم الخامس والعشرين من يوليو كان هدفه الرئيسي منع الرئيس سعيد من تحقيق أي نجاح في المسائل الخدمية المقدمة للناس، وخاصة في موضوع اللقاح.

وكشف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن العراقيل التي وضعت أمام مساعي الرئيس للإمساك بتلابيب ملف اللقاحات كانت كثيرة، وأن أبرز هذه العراقيل هي إقالة وزير الصحة فوزي مهدي المحسوب على الرئيس سعيد والسعي لإدانته بالتآمر والتسبب في موجة جديدة من العدوى خلال عيد الأضحى، وأن تلك الحادثة كانت من الأسباب التي سرّعت بالإجراءات الاستثنائية ليوم الخامس والعشرين من يوليو.

ونظّمت وزارة الصحّة في العشرين من يوليو الفائت أيّامًا مفتوحة للتطعيم، وشهدت مراكز التلقيح تدافعا واكتظاظا من الراغبين في تلقي التطعيم، والذين قدموا بأعداد فاقت التوقعات، ما أدى إلى غلق المراكز وتعليق عملية التلقيح.

ووصف الرئيس سعيّد سوء التنظيم بأنه “جريمة في حق تونس”، وأضاف أن “تجميع المواطنين بتلك الصفة عملية مدبرة من الأشخاص النافذين داخل المنظومة السياسية والهدف منها ليس التلقيح، بل هو نشر العدوى”.

لكن ما جرى الأحد كان مختلفا تماما، حيث نجحت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمئات من المواطنين المتطوعين في تطعيم أكثر من نصف مليون من المواطنين دون أي مشاكل أو احتجاجات.

وقالت وزارة الصحّة في بيان “تُعلم خليّة المتابعة بوزارة الصحّة أنّ حوصلة النتائج النهائيّة لعمليّات التلقيح المكثّف بكامل ولايات (محافظات) الجمهوريّة بلغت 551.008 عمليّات تلقيح”.

وأشاد حسين جنيح، النائب عن حزب تحيا تونس في البرلمان المجمد، بحسن تنظيم اليوم المفتوح. وقال في تدوينة له على حسابه في فيسبوك إنه في وجود ثلاثة رؤساء كانت لدينا أزمة وتعطيل، فيما بـ”رئيس واحد: دنيا منظمة (الأمور مرتبة)، أكثر من نصف مليون تونسي ملقح في نهار واحد من غير أدنى مشكل”.

من جانبه أبدى زكرياء بوقيرة، الطبيب الذي عرف بتوقعاته الأكثر تشاؤما في السابق، تفاؤله بالنتائج المحققة والحصيلة المعلنة من وزارة الصحة حول عدد الملقحين.

وكتب بوقيرة على فيسبوك قائلا “رقم قياسي في التلاقيح اليوم… هذا ممكن أحسن خبر سار لتونس”، موجها الشكر “للدولة التي كانت هذه المرة جدية ونظمت العملية بكل حرفية.. وبالأخص شكرا للشعب الذي هب من جميع أنحاء البلاد وأقبل على التلاقيح”.

ونقلت وسائل إعلام محلية صور طوابير طويلة لمواطنين ينتظرون دورهم أمام مراكز تطعيم في عدد من مناطق البلاد.

وتعمل السلطات على تطعيم 50 في المئة من التونسيّين (مجموع سكّان تونس حوالي 12 مليون نسمة) بحلول منتصف أكتوبر المقبل، مع المجهودات الكبيرة التي تبذلها مؤسسة الرئاسة في توفير اللقاحات.

وقال مقطع فيديو نشرته الرئاسة على فيسبوك الخميس “خلال 15 يومًا تمّ توفير أكثر من 6 ملايين جرعة. وفي الأيّام القادمة سيتمّ توفير أكثر من مليوني جرعة، وبعد ذلك 4 ملايين جرعة إضافية”.

وكان الرئيس سعيّد، الذي أعلن منذ أسبوعين تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، قد أطلق حملة التطعيم وأوكل إلى الجيش مهمة الإشراف عليها في أكثر من 300 مركز، وخصّصت لمَن سنّهم فوق الأربعين عامًا فقط.

العرب