يقدّر عدد السوريين المقيمين في تركيا أكثر من أربعة ملايين شخص يتركز العدد الأكبر منهم في ولايات إسطنبول وشانلي أورفة الحدودية، وغازي عنتاب وهاتاي (التي يطلق عليها السوريون لقب «لواء اسكندرون») ومجمل هؤلاء لاجئون هربوا من مجازر النظام في بلدهم، وقصف المدنيين بالمدافع والصواريخ والبراميل المتفجرة، للاحتماء في بلدان أكثر أمانا، وكانوا ضمن موجة سكانية كبيرة لجأت إلى دول الجوار الأخرى: الأردن ولبنان، وبشكل أقل، العراق.
إضافة إلى استقبال تركيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، يمكن اعتبار أن البيئة الرسمية والشعبية التركية كانت الأكثر تعاطفا معهم، مقارنة ببلدان عربية، وهو ما شجّع نسبة وازنة منهم على البقاء في ذلك البلد المجاور لأوروبا، والانخراط في المجالات الاقتصادية كافة، كما نجح من سعى منهم لأخذ الجنسية التركية، فيما بقيت نسبة كبرى من لاجئي لبنان والأردن في المخيّمات.
تعرّض اللاجئون السوريون، وخصوصا في لبنان، لحملات التشكيك والتضييق والشحن السياسي والعنصري والطائفي، فأصبحوا معادلا، بالنسبة لبعض الجهات السياسية، لتنظيمات كـ»القاعدة» و»الدولة الإسلامية» وتمّ تحميلهم أحيانا وزر تدخلات بعض الجهات اللبنانية العسكرية المساندة للنظام السوري، أو مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعاونت على خلقها النخب اللبنانية الفاسدة على مدى عقود، ومن قبل وجود اللاجئين.
مع مرور السنوات، واستمرار النظام السوري باعتماد نهج القمع الوحشيّ، وتفلّته، بمساعدة روسيا وإيران، من أي صيغة تسوية سياسية ممكنة، تراجعت أشكال التعاطف الرسمي والشعبي مع السوريين، ودخلت وسائل التعامل معهم أطرا رثة وبائسة ومسيئة للقيم السياسية والأخلاقية، كما حصل حين قامت الجزائر بمنع لاجئين من دخول حدودها بدعوى أنهم «إرهابيون» في تجاهل لكون سوريا كانت البلد الذي لجأ إليه زعيم الاستقلال الجزائري الأشهر، عبد القادر الجزائري، والذي أصبح أبناؤه وأحفاده سوريين.
لم يكن للاجئين السوريين، ومن قبلهم الفلسطينيون، يد في لجوئهم، وكان لهم في رسول الله، الذي هاجر من مكة إلى المدينة، قدوة، وفي المسلمين الذين التجأوا بأبرهة الحبشي، مثالا، وقد عملت غالبيتهم العظمى على إغناء البلدان التي انتقلوا إليها بخبراتهم وجهودهم وتعليمهم. لقد كانت سوريا ولبنان والأردن وتركيا بلدانا لجأ إليها الملايين قبلهم، فهناك أرمن وشركس وأرناؤوط وجزائريون ومغاربة ويونان وغيرهم، وقد استقبلتهم تلك البلدان وانخرطوا في ثقافاتها وشاركوا في إعلاء شأنها، والدفاع عنها، وإغناء حضاراتها.
ليس ذنب اللاجئين، من أي بلد كانوا، أن تثور الفيضانات وتعم الحرائق أو يهبط الدولار ويعاني هذا البلد، أو ذاك، من أزمة اقتصادية أو طبيعية، غير أن الأحزاب السياسية العنصرية، تستثمر في إثارة النعرات والكراهية، وتفتش عن «كبش محرقة» تلومه وتحرّك الجماهير ضده، وهو ما فعله حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، الذي يقوم، منذ سنوات بشحن الأتراك ضد السوريين، مساهما بذلك بتحويل مشاكل تافهة، كشجار بين شابين، إلى صراع «قومي» بين شعبين.
مما يسرّ، في خضم الأخبار الأخيرة عن هجمات على محال ومنازل السوريين في إحدى مناطق أنقرة، أن بعض الأتراك حموا بيوت السوريين، ومنهم من نقلهم بسياراته الخاصة لحمايتهم، غير أن استمرار الاستثمار السياسي العنصريّ ضد اللاجئين، سيؤدي دائما إلى انفجارات تهدد السلم الأهلي، لا اللاجئين فحسب.
القدس العربي