إذا لم ترد الولايات المتحدة على ضربة الطائرات بدون طيار على ناقلة المنتجات النفطية “ميرسر ستريت” في المياه الدولية قبالة سواحل عُمان، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف التقدم في محادثات «خطة العمل الشاملة المشتركة» بدلاً من تسهيله.
كيف يجب على الولايات المتحدة الرد على الهجوم الإيراني بـ طائرة مسيرة في 31 تموز/يوليو على ناقلة المنتجات النفطية “ميرسر ستريت”، التي تعود ملكيتها لليابان وترفع العلم الليبيري وتديرها إسرائيل، في المياه الدولية قبالة سواحل عُمان، الأمر الذي أسفر عن مقتل القبطان الروماني وشخص بريطاني من طاقم السفينة؟ من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن هدفاً مباشراً للهجوم الإيراني، لكن واشنطن، إلى جانب القوى البحرية الأخرى، هي الضامن النهائي لحرية الملاحة في محيطات العالم – وهذه مصلحة أمريكية حيوية. فالولايات المتحدة تتحمل مع الدول الأخرى مسؤولية حماية هذا المبدأ الأساسي وردع الاعتداءات عليه ومعاقبة الانتهاكات السافرة.
وبطبيعة الحال يشكل هذا الهجوم في الوقت نفسه جزءاً من حملات “رمادية” أكبر تشنها إيران في ميادين متعددة مع الولايات المتحدة، ومع إسرائيل أيضاً – تارةً منفردة وطوراً مجتمعة. وقد يكون من غير المنطقي فصل حادثة الهجوم على السفينة أو الحملة “الرمادية” عن المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة وقوى أخرى حول إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015، المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة».
ليس هناك شك في أن النقاش دائر في واشنطن حول هذه الصلات وحول تأثير أي ردٍّ على الهجوم على السفينة على محادثات «خطة العمل الشاملة المشتركة». فقرار الولايات المتحدة بإعلان مسؤولية إيران في الأول من آب/أغسطس، ووعدها “بردٍّ مناسب” وفقاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، يظهران أن النقاش حول كيفية تصرّف واشنطن بلغ مرحلة مهمة.
ومن المرجح أن بعض المسؤولين الرئيسيين في إدارة بايدن يعتقدون أن تحديد هوية إيران علناً هو خطوة كبيرة بحد ذاتها من الجانب الأمريكي. وبناءً على هذا المنطق في التفكير، فإن أي دور أمريكي في الرد على الهجوم الإيراني عبر استهداف الأصول الإيرانية – علناً أو في الخفاء، ومن خلال العمل العسكري أو الحرب الإلكترونية أو غيرها من الوسائل – قد يشكّل عودةً إلى المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تجلى آخر مظاهرها مع قتل الولايات المتحدة اللواء الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020 رداً على هجمات على أهداف أمريكية في العراق.
ووفقاً لهذا المنطق، من شأن أي تصعيد من هذا القبيل أن يؤكد للقيادة الإيرانية أن واشنطن لم تكن مهتمة بالدبلوماسية الجدية وليست أهلاً للثقة. وتجنباً لهذه المخاطرة، يُفترض أن يكون مناصرو هذا النهج يفضّلون التصفيق من المقاعد الجانبية لبعض الرد الإسرائيلي المناسب على الهجوم وحصر جهود الولايات المتحدة بالتصريحات الدبلوماسية بدلاً من توريط واشنطن في أي عمل.
ومع ذلك، من المؤكد أن بعض كبار المسؤولين سيفهمون أن توجيه أصابع الاتهام علناً إلى إيران باعتبارها المسؤولة عن هجوم السفينة لن يؤدي إلا إلى رفع التوقعات بردٍّ أمريكي أكبر. وسوف يدركون أن الولايات المتحدة ستخسر قوة الردع إذا لم يقابَل الهجوم المميت على السفن المدنية بردٍّ قوي.
وما يغيب عن هذا التفكير المتقلب هو إدراك الوقع الذي سيتركه أي رد قوي وفعال على المفاوضات النووية الإيرانية. فالرد الأمريكي لن يعرقل إلى حد كبير الاتفاق المحتمل كما يخشاه البعض حتماً في البيت الأبيض، بل من شأنه أن يلغي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى توقف المحادثات. وفي الوقت الحالي، هناك أربعة أسباب على الأقل حالت دون التوصل إلى اتفاق مع إيران، على الرغم من الالتزام العلني للرئيس الأمريكي جو بايدن بالتوصل إلى اتفاق. يجب أن يؤدي الرد الأمريكي على هجوم “ميرسر ستريت” إلى تقليص هذا العدد إلى ثلاثة.
لماذا لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق؟ أولاً، إن مشاكل إيران المالية أصبحت أخفّ حدةً. فاعتباراً من عام 2020، وخلال فترة حملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، واستمرارها في عهد إدارة بايدن، أدى الارتفاع الحاد والمستمر في أسعار النفط وحجم صادرات الخام الإيراني إلى منح طهران مليارات الدولارات من الإيرادات غير المتوقعة، مما قلل من الضرورة الاقتصادية الملحّة لاتفاق نووي من شأنه أن يلغي العديد من العقوبات الحالية.
ثانياً، تدرك إيران أن الفوائد الاقتصادية للعودة إلى اتفاق 2015 ليست كبيرة كما تم الإعلان عنها في الأصل. وحتى مع إبرام اتفاق جديد، من المرجح أن تخاف العديد من المصارف والشركات العالمية من ممارسة الأعمال التجارية في إيران. لذلك فإن الحافز للعودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» – وإن كان حقيقياً – ليس كبيراً كما يُعتقد عموماً.
ثالثاً، بينما تتأرجح المساعي الدبلوماسية، تحرز إيران تقدماً هائلاً في برنامجها النووي، حيث أصبحت على بُعد أسابيع مما يسمّيه الخبراء “تجاوز العتبة النووية” – الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه القدرة على صنع قنبلة. وفي حين أن تلك العتبة والحالة الفعلية الدقيقة للبرنامج الإيراني هما موضع نقاش، إلا أنه ليس هناك جدل في أن إيران قد أحرزت تقدماً كبيراً نحو امتلاك أسلحة نووية خلال الأشهر العديدة الماضية.
رابعاً، كانت إيران ووكلاؤها يختبرون بشراسة [رد] البيت الأبيض – سواء من خلال الهجمات على السفن في الخليج أو عبر الهجمات بالوكالة التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران على أهداف أمريكية في العراق – دون أن يفهموا بالضبط متى توقفهم واشنطن عند حدّهم. وحتى الآن، تَمثّل الرد الأمريكي الأكثر شيوعاً في ضرب مواقع الميليشيات الموالية لإيران في شمال شرق سوريا، وهو ما يبعث برسالة إلى طهران مفادها أن الولايات المتحدة تتجنب النزاع وليس ردعه. وإلى حين توضيح هذه الرسالة، من المرجح أن تواصل إيران تكثيف هجماتها.
وقد يؤثّر الرد الأمريكي الفعال على هجوم “ميرسر ستريت”، على حسابات إيران بشأن هذه المسألة الرابعة. ومن أوجه هذا الرد العمل المنسّق مع الشركاء الذين يستهدفون القواعد البحرية لـ «الحرس الثوري الإسلامي» أو المصانع التي تجمع أو تنتج القطع للطائرات العسكرية بدون طيار، أو المنشآت التي تدعم تصدير الأسلحة إلى وكلاء إيران في العراق أو اليمن أو سوريا أو لبنان. وقد ترغب واشنطن بدلاً من ذلك، وبدعمٍ من الشركاء وبمشاركتهم، في استهداف مجموعة أكبر من الأصول الإيرانية لإظهار قدراتها وجعل طهران غير متأكدة من الخطوات الأمريكية المستقبلية. وبذلك قد يكون هذا الرد بعيداً كل البعد عن الأعمال المزعجة ضد الجماعات التي تعمل بالوكالة وعن التصريحات العلنية، وكلتاهما لا تحث إيران إلا على اختبار الولايات المتحدة بصورة أكثر.
على الولايات المتحدة وشركائها – من بريطانيا، التي تضررت مباشرةً من هجوم “ميرسر ستريت”، إلى إسرائيل ودول الخليج العربية – عدم التبجّح بشأن الرد بفعالية. ولن تضطر هذه الدول حتى إلى تبنّي الفضل أو المسؤولية بشكل علني، فالرسالة ستكون واضحة. ومن شأن مثل هذا الرد أن يعزز الردع في هذا المجال، فقد يشير إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى أن تقليص البصمة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط لا يعني أن واشنطن تتملص من دورها كضامنٍ للمعايير الدولية، والتي تشمل حرية الملاحة البحرية البالغة الأهمية. إن ما يهمّ إدارة بايدن بشكل خاص هو أن الرد الفعال سيكون له فائدة في معالجة أحد الأسباب الأربعة وراء وصول مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى طريق مسدود.
ومع ذلك، سيجادل البعض في إدارة بايدن عكس ذلك – أي أن الرد الفعال على الهجوم الإيراني القاتل على السفينة سيخيف نظام طهران، ويؤكد للمرشد الأعلى ورئيسه الجديد أن الولايات المتحدة هي قوة معادية غير جديرة بالثقة، وحتى سيؤدي إلى تأجيج التصعيد في أعمال العنف والمواجهة. ولا يخفى أن هذا القلق محقٌ ومشروع، لكن من المرجح جداً أن ترى إيران في التقاعس الأمريكي دعوةً لمزيد من الاختبارات، مما يزيد من احتمالية وقوع هجمات أكثر فتكاً من تلك التي تعرضت لها سفينة “ميرسر ستريت”، ويُفسد إمكانات الدبلوماسية.
من الممكن أن يختلف العقلاء حول حكمة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولكن إذا كانت واشنطن ملتزمة بهذا الطريق، فإن المسار التكتيكي يمرّ عبر ردٍّ فعال على هجوم “ميرسر ستريت”. وصحيحٌ أنه لن يضمن نجاح الدبلوماسية في المجال النووي، ولكنه سيزيل عقبة رئيسية واحدة أمام التوصل إلى اتفاق.
روبرت ساتلوف
معهد واشنطن