واشنطن تتهم الميليشيات بعرقلة حل قضية سنجار

واشنطن تتهم الميليشيات بعرقلة حل قضية سنجار

قضاء سنجار بشمال العراق أصبح يمثّل نموذجا مصغّرا عن تعدّد اللاعبين المتصارعين على النفوذ في البلد، وحتى على السيطرة الميدانية على أجزاء من أراضيه تكتسي أهمية استراتيجية استثنائية كما هي الحال بالنسبة إلى القضاء المذكور الذي يمثّل عقدة مواصلات هامة في الطريق بين الشمال العراقي والشرق السوري، الأمر الذي جعله مدار صراع إيراني – أميركي – تركي معلن.

أربيل (العراق) – سلّطت تصريحات أدلى بها القنصل الأميركي في إقليم كردستان العراق روبرت بالادينو بشأن قضاء سنجار الواقع ضمن محافظة نينوى شمالي البلاد، الضوء على صراع ثلاثي أميركي – إيراني – تركي على القضاء الذي يمثّل محطّة رئيسية على الطريق بين الإقليم ومناطق شرقي سوريا مرورا بالموصل.

وعبّر بالادينو خلال مؤتمر صحافي عقده في أربيل عن أسف حكومة بلاده لوجود ميليشيات موالية لإيران في القضاء الواقع على بعد حوالي ستين كيلومترا إلى الغرب من الموصل، معتبرا أنّ تلك الفصائل “لا تريد معالجة مشكلة القضاء”.

وبينما تسّجل إيران حضورها في سنجار عن طريق الميليشيات الشيعية بهدف تأمين خطّ ثان مفتوح بين العراق وسوريا، نظرا لعدم ضمانها استدامة الخط الطويل الذي يمرّ عبر مناطق سنّية شاسعة في محافظة الأنبار، تعمل تركيا سياسيا وعسكريا على ضمان موطئ قدم في القضاء لإغلاقه في وجه مقاتلي حزب العمّال الكردستاني الذين يتمركزون بين سكّانه، وخصوصا في مناطقه الأكثر وعورة والتي تؤمّن لهم ملاذا من ضربات الطيران التركي.

أمّا الولايات المتّحدة التي لم تتوصّل بعد إلى صيغة نهائية لشكل وحجم وجودها العسكري في كلّ من العراق وسوريا، فإنّ سنجار وكامل المحور الممتد بين أربيل والشرق السوري حيث نقاط تمركز قواتها في الحسكة ودير الزور والرقّة، تعاظمت أهميتهما مع ظهور سيناريو اتخاذها أراضي كردستان العراق موطنا بديلا لقواتها، التي تقول إنّها بصدد سحبها من عدد من المواقع العراقية في نطاق ما أعلنته إدارة بايدن مؤخرا بشأن تغيير مهمة تلك القوات من قتالية إلى تدريبية واستشارية للقوات العراقية.

وكان قضاء سنجار محور اتّفاق أبرم في وقت سابق بين بغداد وأربيل قضى بحصر مهمّة تأمين القضاء بيد القوات النظامية العراقية وقوات البيشمركة الكردية، وإخراج ميليشيات الحشد الشعبي وعناصر حزب العمّال منه، لكنّ الاتفاق الذي تمّ، بحسب مصادر عراقية، بتشجيع من واشنطن ظل منذ ذلك الحين دون تطبيق على الأرض بسبب رفض الميليشيات له.

روبرت بالادينو: نأسف لوجود ميليشيات موالية لإيران في قضاء سنجار
وتخشى الميليشيات الشيعية العراقية ذات الارتباطات الواسعة بالحرس الثوري الإيراني أن يُحدث الاتّفاق المذكور سابقة في مجال بسط سيطرة القوات النظامية على مختلف مناطق العراق، لاسيما تلك الواقعة بشمال وغرب البلاد والتي خضع بعضها لسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي، بعد استعادته من تنظيم داعش في الحرب التي دارت ضدّه بمشاركة الحشد بين سنتي 2014 و2017.

ويُفقد الاتفاق الذي نصّ ضمن بنوده على أنّ يدخل كل ما هو أمني في سنجار ضمن نطاق وصلاحيات الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران ميزة السيطرة على نقطة مهمّة من المحور الواصل بين الأراضي العراقية والسورية، كجزء من طريق أطول يمتد من طهران إلى بيروت عملت إيران طيلة الحرب ضد داعش على فتحه وجعلت من ميليشيات الحشد حارسة له.

وفي حال نجاح تجربة إخلاء سنجار من الجماعات المسلّحة، فإنّ الأصوات المطالبة بإخراج قوات الحشد الشعبي من الأقضية والبلدات والمدن التي دخلتها أثناء الحرب على داعش، سترتفع مجدّدا مدعومة بامتعاض الأهالي من سوء سلوك ميليشيات الحشد والعراقيل التي تضعها الميليشيات في طريق عودة النازحين إلى مواطنهم الأصلية.

وعلى هذه الخلفية اصطدم الاتفاق بشأن سنجار باعتراضات قوية من قبل الميليشيات الشيعية والقوى السياسية المرتبطة بها. وانصبّت الاعتراضات أساسا على دور سلطات إقليم كردستان في الاتّفاق على أساس أنّه يفتح الطريق لإعادة قوات البيشمركة الكردية إلى مناطق بشمال العراق كانت قد طردت منها في إطار الإجراءات العقابية التي اتّخذتها حكومة بغداد ضدّ الإقليم، بعد أن أقدمت قيادته السياسية على تنظيم استفتاء على استقلاله عن الدولة العراقية سنة 2017.

وعبّر القنصل الذي رأى مراقبون أن قيامه بعقد مؤتمر صحافي يظهر مدى أهمية دوره الذي يرتقي إلى دور مبعوث رفيع، عن اعتقاد بلاده بـ”أن اتفاقية سنجار مناسبة لحل مشكلة القضاء”، مؤكدا أن “تفاهما بين الحكومتين في بغداد وأربيل والسكان المحليين سيحل المشكلة”. وقال القنصل الأميركي إنّ عناصر حزب العمال الكردستاني لديهم تنسيق مع الحشد الشعبي، وإنّ الولايات المتحدة تشجع الحزب على الانسحاب من سنجار لمعالجة المشكلة.

وتصنّف الولايات المتّحدة الحزب اليساري المسلّح الذي يخوض تمرّدا ضد القوات التركية منذ حوالي أربعة عقود تنظيما إرهابيا، لكنّ واشنطن تقيم علاقات مع مسلحين أكراد في سوريا تعتبرهم تركيا مرتبطين بالحزب ذاته ويشكّلون تهديدا لأمنها.

وتحتفظ الولايات المتّحدة بتواجد عسكري في عدد من المواقع بإقليم كردستان العراق أبرزها قاعدة حرير في مطار أربيل، وعلى الأراضي السورية تبقي أيضا على نقاط لتواجد قواتها التي توفّر حماية للمسلّحين الأكراد المهمّين بالنسبة إليها في عملية ملء الفراغ وإغلاق جزء من المناطق التي تريدها إيران ممرا حرّا ومفتوحا صوب الأراضي السورية فاللبنانية.

وبشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق قال بالادينو إنّ بلاده “بدأت بسحب قواتها من البلد حسب ما تم الاتفاق عليه، والقوات المتبقية سيتم تنظيمها حسب الاتفاق وهي قوات تدريبية”. واتفق العراق والولايات المتحدة أواخر يوليو الماضي على انسحاب جميع القوات الأميركية المقاتلة من العراق بحلول نهاية العام الجاري 2021.

وشدد القنصل على أنّ “الحرب ضدّ داعش لم تنته بعد، والرئيس بايدن أكد التزام الولايات المتحدة بدعم العراق وإقليم كردستان”، مضيفا “نحن ملتزمون باتفاق طويل الأمد مع العراق والإقليم”. كما حذر من أنه “في حال لم تستمر جهود الدعم والتنسيق فإن داعش سوف يظهر من جديد، ونعلم جيدا أن التنظيم ما زال يشكل خطرا، ولهذا فالتحالف الدولي مستمر في محاربته”.

وعلى الطرف المقابل ترى الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي والممثلة في البرلمان العراقي بتحالف الفتح أنّ الاتفاق الذي توصّلت إليه إدارة بايدن وحكومة الكاظمي بشأن تواجد القوات الأميركية في العراق، مجرّد التفاف على مطلبها بسحب كافة القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، بينما تتوعّد بعض الفصائل بمواصلة استهداف نقاط تواجد تلك القوات لإجبارها على الانسحاب.

العرب