واشنطن – صادف شهر مارس الجاري مرور عشرين عاما منذ أن غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003، وكلفت إراقة الدماء التي أعقبت ذلك الكثير بالنسبة للعراق و الولايات المتحدة.
ويرى المحلل الأميركي جون ألين جاي أن هذه الفوضى إذا كان فيها منتصر، فهو إيران الدولة المجاورة للعراق والمنافسة له.
وقال جاي، المدير التنفيذي لجمعية جون كوينسي آدامز الأميركية، إن الغزو أطاح بالعراق كقوة كابحة لإيران، حيث لم يعد يتعين على طهران أن تخشى الدولة التي غزتها في عام 1980، ومنذ ذلك الحين تعين على إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أن تتعامل مع تداعيات ظهور إيران كدولة أكثر قوة.
وصرح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بغداد في السابع من الشهر الجاري بأن “القوات الأميركية مستعدة للبقاء في العراق”. وأصبح منع تغلغل إيران هناك وفي مناطق أخرى مهمة أميركية لن تنتهي أبدا. وأضاف جاي، المؤلف المشارك لكتاب “الحرب مع إيران: العواقب السياسية والعسكرية والاقتصادية”، أن الغزو وما أعقبه من تفكيك الدولة العراقية أدى إلى حالة من الفوضى وإلى ضعف العراق، مما ترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام انتشار النفوذ الإيراني.
وشكلت طهران ميليشيات وحركات سياسية في صفوف الأغلبية الشيعية في العراق واستخدمت هذه الجماعات لاستهداف المصالح الأميركية. وطالبت هذه الجماعات بحق الاعتراض في ما يتعلق بالسياسات العراقية، مع استخدام القوة عندما لا تتم تلبية مطالبها.
وأسهمت الميليشيات في إضفاء طابع طائفي على المشهد السياسي والمجتمع الذي شهد قيام بغداد بعزل نفسها وهروب الأقليات الدينية. وأسهمت جهود رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في جعل الجيش العراقي مواليا له فقط في انهياره أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عام 2014.
وعزز صعود نجم داعش وضع إيران بشكل أكثر. وفي الوقت الذي فشل فيه الجيش العراقي في التصدي لداعش، قامت الميليشيات بهذه المهمة. وكانت طهران تدعم الكثير من هذه الميليشيات.
ولا تزال هذه الميليشيات خارج سيطرة الدولة، وأطلقت بشكل روتيني صواريخ على السفارة والقواعد الأميركية، وفي عام 2019، اقتحمت المنطقة الخضراء عندما ردت الولايات المتحدة على قصف قواعدها.
وأصبح تحقيق التوازن في مواجهة نفوذ هذه الميليشيات مبررا رئيسيا لاستمرار وجود الآلاف من القوات الأميركية في العراق. ويعد التصدي للميليشيات مهمة لن تنتهي أبدا.
وتقوم الميليشيات أيضا بتهريب أسلحة إلى سوريا ولبنان. وتسببت هذه الأسلحة في قيام إسرائيل بحملة لمنع تهريبها أصبحت تمثل مشكلة لجهود الولايات المتحدة في المنطقة.
ويؤدي تدفق الأسلحة إلى تحذيرات من الجيش الإسرائيلي من أن حربه القادمة مع حزب الله الحليف اللبناني لإيران سوف تتطلب حملة جوية عنيفة سريعة، قد تكون لها تكاليف باهظة في لبنان.
وسوف يؤدي اختراق قنابل أميركية الصنع للكتل السكنية في بيروت، حتى إذا كانت موجهة إلى الخنادق الحصينة لحزب الله تحت الأرض، إلى إلحاق الضرر بصورة الولايات المتحدة في المنطقة.
وأصبح غلق خطوط الإمدادات الإيرانية إلى المنطقة مبررا للإبقاء على القوات الأميركية في سوريا. ويعد غلق الطرق التي فتحها غزو الولايات المتحدة للعراق مهمة أخرى لن تنتهي مطلقا.
ويمكن القول إن الغزو أدى إلى تحول في إستراتيجية الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط بعيدا عن السعي لتحقيق التوازن، إلى السعي لإحداث تغيير. وكانت الولايات المتحدة تعتقد أن عراقا حرا سوف يكون دافعا لموجة تحول ديمقراطي في المنطقة، ولكن هذا لم يحدث.
إذا كان هناك منتصر فهو طهران الدولة المجاورة والمنافسة لبغداد، فالغزو أطاح بالعراق كقوة كابحة لإيران
وأخيرا وليس آخرا، هناك البرامج النووية والصاروخية الإيرانية. ولا يمكن فصل حالتها الحالية، التي تشمل مستويات عالية من التخصيب ومنشآت متعددة للتخصيب ومجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسط المدى، عن حرب العراق.
ومن دون وجود عراق يُخاف منه، سيكون لدى إيران المزيد من القوة لتوجيهها إلى الولايات المتحدة. ولا يعد ما يثير القلق الأميركي بدرجة كبيرة، مثل الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الأطول مدى، أدوات فعالة بالنسبة لإيران للتصدي لدولة عراقية قوية عند حدودها.
وسوف تكون أي قوة عسكرية تقليدية، مدعومة بصواريخ باليستية قصيرة المدى، مناسبة بشكل أفضل كثيرا لتلك المهمة. وسوف يسحب بناء هذه القدرات التي تركز على العراق موارد من الجهود الإيرانية الرامية إلى تطوير أدوات لقتال الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن المؤكد أن بعض التقدم الإيراني في الصواريخ الباليستية قصيرة المدى الموجهة إلى العراق، سوف يزيد أيضا التهديد الإيراني للقواعد الأميركية في المنطقة. ولكن هذه المخاطر ليست بنفس المستوى مثل التهديد الصاروخي والنووي الإيراني الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم.
ومع قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء قريبة من صنع أسلحة نووية، تتزايد المخاوف من أن إسرائيل ربما تهاجم المواقع النووية لطهران، وهذه خطوة يمكن أن تشعل حربا كبرى.
ولا يمكن معرفة الشكل الذي كان سيبدو عليه الشرق الأوسط اليوم، لو لم تقم الولايات المتحدة بغزو العراق. ولكن من الصعب تصور مسار كان سوف يشهد صعودا مماثلا في النفوذ الإيراني.
وقد تسبب غزو العراق في الكثير من الشرور، ولكن مواجهة الولايات المتحدة الطويلة مع إيران، والتي ربما تؤدي إلى حرب، هي أحد الشرور الأكثر ديمومة.
العرب