ماذا تتوقع من جار مشاكس يعرف أنك لن تحاربه؟
المزيد من المشاكسة طبعا. وهذا ما يتعين توقعه من إيران إبراهيم رئيسي، كما بقينا نتوقعه من أول يوم وطئ فيه المشروع الخميني أرض تلك البلاد. والسبب لا يتوقف على أن طبائع العدوان هي الغالبة دائما، وليس لأن إيران لا تملك غيرها، ولكن لأنها لا تتوقع الكثير مما عداها.
إيران، لو شاءت أن تتخلى عن هيمنتها على العراق فإنها سوف تخسر أكثر من 15 مليار دولار سنويا، من “التبادل التجاري” الجائر. ذلك لأنه “تبادل” من جانب واحد.
في كلمته أمام مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة مع دول الجوار، قال وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبداللهيان إن إيران جنت من العلاقة مع “العراق الجديد” 300 مليار دولار. و”العراق الجديد” ولد قبل 18 عاما. وعندما لاحظ عبداللهيان علامات الصدمة على الوجوه، عاد فطلب أن يقدم تصحيحا، ليقول إن المبلغ هو 13 مليار دولار، فكان كمن أراد أن يُكحلها فعماها. لأن حكومته السابقة قالت في الحادي والعشرين من يوليو الماضي إن “التبادل التجاري” بين العراق وإيران بلغ 15.5 مليار دولار في العام 2020 وحده. والسجلات المعلنة معلنة في نهاية المطاف، ولا حاجة للكذب بشأنها.
والتبادل التجاري هو أن يقدم العراق الأموال، بينما تقدم إيران كل أنواع البضائع، بما فيها الأدوية الفاسدة. دعك عن كل أعمال النهب الأخرى التي تذهب “عائداتها” إلى إيران لتمول ماكينة ميليشياتها الخاصة.
ولو شاءت إيران أن تتخلى عن حربها في اليمن، فإنها ستخسر طموحات الهيمنة على مدخل البحر الأحمر. كما ستخسر ما تعتبره حرب استنزاف ضد السعودية وشركائها الإقليميين.
صحيح أن الملايين من اليمنيين يتضورون جوعا، ويهلكون مرضا وفقرا، بمن فيهم الذين يعيشون تحت سطوة الحوثي. ولكن من قال إن حياة البشر شيء يهم رعاة المشروع التوسعي الإيراني؟
أيديولوجيا، فإن فقر البشر وموتهم يتوافق تماما مع نظرية انتظار عودة المهدي المنتظر. ذلك أن عودة هذا “المنتظر” تتطلب، هي بحد ذاتها، ظلما وجورا. ويشعر كل ميليشياويي إيران، في كل مكان، أن هذا تحديدا هو الهدف. فبينما هم يستمتعون بما يقومون بنهبه، فإنهم يؤدون وظيفة دينية مقدسة أيضا. والجريمة التي ينظر إليها الآخرون على أنها جريمة، لا تحرك شعرة في ذقن فالح الفياض ولا عبدالملك الحوثي، ولا حسن نصرالله، ولا أي أحد ممن لف لفهم.
هذا هو الطموح الأيديولوجي من وراء حروب إيران وأعمال ميليشياتها في المنطقة. فإذا ما شئت أن تضع لذلك حدا، فإن إيران الولي الفقيه سوف تشعر أنها خسرت كل شيء.
انظر إلى الخراب في لبنان، وستراه متوافقا تماما مع هذا التطلع. والخوف من انهيار البلاد، هو مجرد خوف لمن يرون الكارثة الإنسانية التي يواجهها اللبنانيون، ويشعرون بالبأساء أنهم يرون بلدا كان ذات يوم “سويسرا الشرق” يتحول إلى كيان عاجز ولا يملك القدرة على إنتاج الكهرباء ولا يجد شعبه حتى الخبز الكافي.
ولكن الانهيار هو غاية الأرب، فطنة كان أو أمنية، بالنسبة إلى تلك الأيديولوجيا.
وبرغم كل الضغوط التي يعانيها الرئيس السوري بشار الأسد، وبرغم كل العروض التي تُقدم له، من أجل التخلص من النفوذ الميليشياوي الإيراني في بلاده، فإنه يعرف تماما أن بلاده بيعت لإيران، وأنها ستقتله، وتعلق جثته في ساحة المرجة لو أنه تطاول على ما صارت تمتلكه من عقارات وأراض ومصالح.
هذه البلدان ليست سوقا للحرس الثوري فحسب. إنها سوق لـ”التبادل التجاري” أيضا من ذلك النوع الذي سمح لسلطة الولي الفقيه، برغم كل العقوبات ضدها، أن تصمد وتواصل تدخلاتها وتتغطرس.
الآن، كل الذين يريدون أن تتخلى إيران عن هذه “التجارة”، يتعين أن يصحوا من النوم، ويكفوا عن أنفسهم كوابيسه.
فبعد كل ذلك، يعرف هذا الجار المشاكس أنك لن تحاربه. فماذا تتوقع منه أن يفعل؟
الحرب لا تبدو خيارا واقعيا. والسؤال الكبير، هو كيف نخرج من هذه الورطة؟
الجواب موجود في إيران نفسها. بقاء العقوبات مجرد وجه واحد من وجوه المواجهة مع المشروع التخريبي. أما الوجه الآخر فهو دعم حركات المقاومة ضد النظام.
ماذا تريد من شعب ظل ينتفض ضد سلطته منذ العام 2009، بل من قبل ذلك أيضا؟ ماذا تريد من شعب ظل يقدم الآلاف من الشهداء بين المتظاهرين السلميين الذين ظلوا ينددون بسلطة الولي الفقيه ويطالبون برحيله؟
العلاج الوحيد، هو الكي. وأبلغ الكي هو ما يأتي من داخل إيران نفسها، من شعب يتعين أن يحصل على المساعدة لكي يقاوم.
هذا الشعب يجب ألا يبقى وحيدا. وقوى المعارضة فيه، وفي مقدمتها مجاهدي خلق، يجب أن تحظى بكل دعم ممكن، من أجل المساعدة للإطاحة بهذا النظام.
اليوم يقف على رأس البلاد متهم بقتل عشرات الآلاف من المعتقلين. وهو لن يتورع عن قتل غيرهم. ووليه الفقيه إنما جاء به رئيسا لأنه يتوقع منه ألا يتردد في ارتكاب أي مجزرة. إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف. لا يجب أن يكون.
نظام الولي الفقيه معزول بكل ما يمكن للكلمة من معنى. ليس لأنه أفقر شعبه ودمر مقومات حياته، وليس لأنه خاض به حروبا عبثية، وليس لأنه يتشفى بموته بوباء كورونا، بل لأن هذا الشعب يعرف تماما طبيعته كنظام أيديولوجي فاسد، لا يمكنه أن يُورث الذين يقعون تحت سطوته إلا الظلم والجور؛ إلا الفقر والحرمان، إلا الموت بأي ذريعة وسبب.
لا حاجة لمخادعات النفس. لا العقوبات، ولا التخلي عنها، يمكن أن تغير من طبائع العدوان. ولا حتى الإغراءات بأي شيء قد يأتي من الخارج، على شكل استثمارات أو موارد بديلة، تعوض عن الحاجة إلى أعمال التخريب والنهب.
كل هذا لا ينفع.
العلاج الوحيد، هو الكي. وأبلغ الكي هو ما يأتي من داخل إيران نفسها، من شعب يتعين أن يحصل على المساعدة لكي يقاوم.
ووسائل الدعم كثيرة. ولكن الأوهام هي آخر ما نحتاجه. إلا إذا شئت أن تنتظر المهدي المنتظر أنت أيضا كما ينتظره حسن نصرالله وعبدالملك الحوثي وفالح الفياض على جثة بلاده المسجاة أمامه.
العرب