بينما ينشغل العالم بالأحداث السياسية التي تجري في أفغانستان الآن، يبرز عامل جانبي آخر يتسلل ببطء إلى الوعي العام، وهو المعادن الثمينة التي تزخر بها البلاد وكيفية استغلال حكومة طالبان لهذه الثروة.
وقال موقع “أويل برايس” (oilprice) الأميركي إن قيمة الموارد المعدنية غير المستغلة في أفغانستان قُدرت بنحو تريليون دولار أميركي منذ سنوات، وذلك حسب إحصاءات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. وقال بعض المسؤولين الأفغان إن الرقم الفعلي قد يكون 3 أضعاف ذلك، حيث تحتوي جبال أفغانستان على مجموعة واسعة من الثروات الباطنية، بما في ذلك النحاس والذهب والنفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والبوكسيت والفحم وخام الحديد، والمعادن النادرة والليثيوم والكروم والرصاص والزنك والأحجار الكريمة، والتالك والكبريت والحجر الجيري والجبس والرخام.
وقد وجدت أفغانستان صعوبة في الاستفادة من تلك الاحتياطيات حتى قبل الغزو الأميركي منذ 20 عاما، وما زال الوضع على حاله حتى بعد الانسحاب، وذلك لأن الولايات المتحدة لم تنخرط في جهود التنقيب عن الثروات المعدنية خلال فترة وجودها في البلاد، بسبب المخاطر الكبيرة لذلك.
وأشار الموقع إلى أن آلية استغلال حكومة طالبان لموارد البلاد ما زالت غير واضحة، لكن المعادن قد تبدو جذابة بشكل خاص لدول مثل الصين وروسيا، لأنه من شأن بعضها أن يعزز جهود الانتقال إلى الطاقة المتجددة في المستقبل.
المعادن النادرة
يعد الليثيوم عنصرا جوهريا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف الطلب العالمي على الليثيوم أكثر من 40 مرة بحلول عام 2040.
وفي مذكرة خاصة تعود لعام 2010، وصفت وزارة الدفاع الأميركية أفغانستان بأنها “سعودية الليثيوم”، مما يعني أن هذه الدولة تكتسي أهمية للإمداد العالمي لليثيوم بقدر أهمية السعودية في إمدادات النفط الخام، وكان من الشائع في ذلك الوقت استخدام بطاريات الليثيوم في مختلف الأجهزة الإلكترونية، لكن لم يكن قد اتضح بعد مقدار الليثيوم المطلوب لتشغيل السيارات الكهربائية التي تندرج ضمن أهداف خفض انبعاثات الكربون.
وفي عام 2018، أشار تقرير لمعهد الدراسات الجيولوجية الأميركي إلى أن أفغانستان غنية بمعدن الإسبودومين، وهو معدن يتألف جزئيًا من الليثيوم، لكنه فشل في تقديم تقديرات لاحتياطات البلاد منه. في المقابل، أظهرت السجلات أن أفغانستان تمتلك 1.4 مليون طن من المعادن النادرة، التي تشتمل على 17 عنصرا تستخدم في صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية والمعدات العسكرية على نطاق واسع.
النحاس
في مطلع هذا العام، ارتفعت أسعار النحاس إلى ما يزيد على 10 آلاف دولار للطن المتري، وهو ما شكّل بشرى سارة لحكام أفغانستان الجدد. ومنذ حوالي 10 أعوام، وقعت الشركات الصينية عقودا لتعدين أحد أكبر رواسب النحاس غير المستغلة عالميا المتواجدة في أفغانستان، ويقع بالتحديد في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة في مقاطعة لوغار جنوب شرق كابل.
وفي عام 2007، فازت شركة مجموعة الصين للمعادن “إم سي سي” (MCC) بصفقة استغلال رواسب خام النحاس العملاقة في منجم آيناك لمدة 30 عاما، واستخرجت منه 11.5 مليون طن من النحاس، وتقدر قيمة احتياطات المنجم بحوالي 50 مليار دولار، بناء على تقديرات سابقة، ومع ذلك، لم تأت جهود الصين بأي نتيجة تذكر.
طالبان والصين
قد تمثل سيطرة طالبان عائقا أمام معظم المستثمرين الأجانب، إلا أن الصين وروسيا قد تكونان على استعداد للخوض في أعمال تجارية مع الحركة. من جهتها، سارعت الصين إلى الإعلان عن كونها مستعدة لإقامة علاقات ودية وتعاونية مع أفغانستان، في أعقاب سيطرة طالبان على كابل.
وكجزء من جهودها للهيمنة على قطاع الطاقة النظيفة، أصبحت الصين أهم مشتر للمعادن، وهي تعد بالفعل الأولى على مستوى العالم في معالجة المعادن للاستفادة منها في صنع البطاريات والتقنيات الأخرى، وقد استثمرت في مشاريع تعدين من حول العالم مثل الكونغو.
ويرى فرانك فانون، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون موارد الطاقة في إدارة ترامب، أنها مسألة وقت فحسب قبل أن تبدأ طالبان التعاون مع الصين التي تهيمن بالفعل على سلسلة توريد المعادن الحيوية.
ونقل الموقع عن جين ناكانو الباحثة في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في واشنطن، أن أفغانستان غنية بالموارد المعدنية التي من المرجح أن يتم تطويرها في ظل سياق تعاوني بين الصين وطالبان، أكثر مما كان عليه الأمر خلال التدخل الغربي في البلاد.
المصدر : أويل برايس