في ظل استمرار تفشي فيروس كوفيد-19، تنشغل جميع بلدان العالم بمشكلة التضخم التي تلوح في الأفق ولا مفر منها، بسبب العولمة وما تلاها من ترابط اقتصادي ووضع البلدان على المسار نفسه مهما اختلفت السياسات، وينطبق ذلك بشكل خاصة على السياسة النقدية، وفي هذا الإطار تبرز السياسة التركية التي تتحدى جميع القوانين الاقتصادية المتفق عليها.
في تقرير نشره موقع “مودرن دبلوماسي” (modern diplomacy) الأميركي، قال الكاتب سيد زين عباس رضوي إن مقارنة الاقتصاد التركي باقتصادات دول أوروبا تكشف عن تحدي تركيا للديناميكيات الإقليمية واستمرارها في فعل ذلك حتى في الوضع الراهن، وفي الربع الأول من عام 2021، حقق الاقتصاد التركي نموا بنسبة 7% مقارنة بالربع نفسه من العام السابق.تركيا تستثمر 100 ألف هكتار زراعي بالسودان.. البرهان: واثقون برفع حجم تجارة البلدين لملياري دولار
وتمكنت البلاد إلى جانب عدد قليل من الاقتصادات الأوروبية من التصدي لتداعيات الجائحة الاقتصادية من خلال تسجيل نمو بنسبة 1.8% في 2020 مقارنة بعام 2019.
وفي الآونة الأخيرة، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تفاؤله بأداء الاقتصاد التركي، قائلا إن النمو السنوي سيتجاوز الأرقام المسجلة في الربع الأول، لكنه قد تغاضى إلى حد كبير عن التهديد المتزايد للتضخم، وفق التقرير.
وبحسب التقرير فإن الحد الذي وضعه الاقتصاد التركي لمعدل التضخم السنوي هو 5%، لكنه بعيد كل البعد عن احتواء ارتفاع الأسعار الآن.
ويقول التقرير إن تركيا على وشك أن تشهد تضخما جامحا على خلفية ارتفاع أسعار السلع الأساسية مع انفتاح الاقتصاد، مع العلم أن البنك المركزي التركي أفاد بأن معدل التضخم قارب 18.5% في شهر يوليو/تموز الماضي.مع أن قيود العرض قد تكون السبب الواضح وراء ضغوط التضخم عالميا، فإنه يمكن أن يُعزى ارتفاع أسعار السلع إلى عامل آخر أيضا – تحديدا في حالة تركيا- وهو الانخفاض الهائل في قيمة الليرة التركية الذي ساهم في ارتفاع تكاليف الاستيراد وعدم القدرة على تحمل التكاليف، وفق الكاتب.
وبحسب التقرير يعد انخفاض قيمة الليرة التركية أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع الأسعار، وقد كشفت البيانات الأخيرة الصادرة عن معهد الإحصاء التركي أن الصادرات ارتفعت بنسبة 10.2%، بينما قفزت الواردات بنسبة 16.8 مقارنة بشهر يوليو/تموز 2020، ومع ذلك، أدى انخفاض قيمة الليرة إلى توسيع العجز التجاري التركي بنسبة 51.3% في يوليو/تموز، بما يعادل 4.278 مليارات دولار.
ويقول الكاتب “من الواضح أن السياسة النقدية المتشددة والصادرات المتزايدة عاجزة على التصدي لتأثير الواردات التي تدفع معدلات التضخم بشكل هائل، وبدوره يؤدي تراجع قيمة الليرة إلى تفاقم العجز”.
وتعهد البنك المركزي التركي بالحفاظ على سعر الفائدة عند أعلى مستوياته التي بلغت 19% -فوق معدل التضخم- لكبح الأسعار المتزايدة والاحتفاظ بالقوة الشرائية للمدخرين والمستثمرين الوطنيين، مع ذلك، يبدو أن أردوغان مصر على تخفيض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا الشهر، ومن شأن ذلك أن يدفع معدلات التضخم إلى ما يتجاوز نسبة 20% المشؤومة، في ظل ارتفاع الطلب الاستهلاكي حاليا، وفق تعبير الكاتب.
تخفيض أسعار الفائدة
يرى الكاتب أن أهم التساؤلات التي ستطرح عند انعقاد اجتماع البنك المركزي التركي في 23 سبتمبر/أيلول ستكون قدرة تركيا على تحمل تخفيضات أسعار الفائدة.
ويقول الكاتب إن الاقتصاد حاليا يسير على وتيرة نمو كبيرة، ويضيف أنه رغم أن التضخم فوق المعدل التقليدي بكثير، فقد تقلص معدل البطالة بنسبة 2.5% لتصل إلى 10.6% فقط، وعلى هذا النحو، يمكن تفهم الرغبة في زيادة النمو بشكل أكبر.
ويرى الكاتب أن الاقتصاد التركي يعاني بالفعل من تسارع مفرط في النمو، فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يتوسع الاقتصاد التركي بنسبة 10% بحلول نهاية عام 2021، ما لم تقيّده عمليات الإغلاق المتقطعة.
ويتوقع البنك المركزي التركي-حسب الكاتب- أن ينخفض معدل التضخم إلى 14% مع نهاية العام الحالي، لكن الخبراء الاقتصاديين يظنون أنه سيستقر عند نسبة 18% بحلول الربع الرابع.
ويعتقد الكاتب أنه إذا قرر صانعو القرار في البنك المركزي الاستمرار في التقليل من أهمية التضخم واستجابوا لضغوط الرئيس أردوغان لخفض سعر الفائدة، عندها سيجد الاقتصاد التركي نفسه على حافة أزمة عملة أخرى ستوقع البلاد في دوامة غير مسبوقة من عدم الاستقرار الاقتصادي لفترة طويلة.
المصدر : مودرن دبلوماسي