كشف عضو بارز في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، لـ”العربي الجديد”، أن مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل سيكون موعداً لبدء عملية الانسحاب الفعلي لأولى دفعات القوات الأميركية القتالية من العراق، وفقاً للاتفاق المبرم بين البلدين في يوليو/تموز الماضي، على أن يتواصل ذلك على شكل دفعات تنتهي آخرها في الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي. يأتي ذلك وسط استمرار الجدل حيال مدى تأثر البلاد بهذا الانسحاب، على الرغم من صدور إشارات أميركية عدة في الفترة الأخيرة، تؤكد أنّ ما سيتم فعلياً على الأراضي العراقية هو تغيير مهمة القوات الأميركية من قتالية إلى مهام تدريب واستشارة ودعم، وليس انسحاباً كاملاً من البلاد.
واجتمع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، في يوليو الماضي، خلال زيارة الأول إلى البيت الأبيض، في أول مباحثات مباشرة بينهما في إطار الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق. وقال بايدن آنذاك إن “دور الولايات المتحدة في العراق سيكون تدريبياً، على أن نعاون ونساعد ونتعامل مع تنظيم داعش، بينما ينهض العراق، لكننا لن نكون، بحلول نهاية العام، في مهمة قتالية”.
الزيادي: هناك اتفاقات أمنية واستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، تقضي بمساعدة العراق في حال الضرورة الأمنية
ويوجد في العراق في الوقت الراهن نحو 2500 جندي أميركي، تتركز مهامهم على التصدي لما تبقى من تنظيم “داعش”، لكن سيتغيّر الدور الأميركي في العراق بالكامل ليقتصر على التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي مع نهاية العام. وتبدو حكومة الكاظمي جادة في هذا الصدد، إذ اجتمع رئيس الوزراء أخيراً، مع وفد عسكري أميركي برئاسة قائد القيادة المركزية الأميركية كينيث ماكنزي، برفقة السفير الأميركي في العراق ماثيو تولر، وناقش المجتمعون الانسحاب ومواصلة التعاون بين الولايات المتحدة والعراق.
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “القوات الأميركية القتالية ستباشر الانسحاب من العراق بداية شهر أكتوبر المقبل، وستستمر عملية الانسحاب حتى نهاية العام الحالي على شكل دفعات، بحسب الاتفاق العراقي الأميركي”. ولفت إلى أنه “في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، لن يكون هناك أي تواجد لأي قوة أميركية قتالية”. وأوضح أن “القوات الأميركية ستنسحب من القواعد العراقية، وسيتم سحب الأسلحة والمعدات العسكرية القتالية والمروحيات الخاصة بهذه القوات، إلى قواعد في دول الخليج العربي”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “هناك اتفاقات أمنية واستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، تقضي بمساعدة العراق في حال الضرورة الأمنية”. ولفت الزيادي إلى أن “طيران التحالف الدولي سيستمر بطلعاته الجوية داخل العراق انطلاقاً من قواعد في دول الجوار، وذلك بناءً على طلب العراق، كما أنّ التنسيق والتعاون في مجالات تدريب وتطوير القوات العراقية سيكون أيضاً مستمراً، وفق الاتفاقات”.
تقارير عربية
30 ألف مسلّح إضافي لـ”الحشد الشعبي” في العراق: توظيف انتخابي
وفي هذا الإطار، حصلت “العربي الجديد” على معلومات أدلى بها جنرال بارز في الجيش العراقي، قال إن “القوات الأميركية القتالية ستنسحب، لكن قد تترك جزءاً من المعدات المهمة التي استعملتها للعراق كهدية ودعم، على أن يذهب جزء منها كذلك لوحدات البشمركة في إقليم كردستان”. ووفقاً للمسؤول العسكري ذاته، فإنّ “خريطة التواجد العسكري الغربي في العراق لن تتغيّر، وستبقى قاعدتا حرير في أربيل وعين الأسد في الأنبار رئيسيتين، إلى جانب معسكر فيكتوريا المجاور لمطار بغداد الدولي، وكل ذلك تحت عنوان التحالف الدولي”. وتحدث الجنرال العراقي عن أن “موعد بدء سحب الدفعة الأولى من القوات الأميركية القتالية يبقى في إطار الترجيحات، كون الموضوع محاطا بسرية واحتياطات أمنية عالية من قبل القوات الأميركية”.
وبشأن المخاوف التي يعبّر عنها سياسيون ونواب عراقيون حول فترة ما بعد الانسحاب، وإمكانية أن يشجع ذلك الجماعات الإرهابية على إعادة ترتيب صفوفها أو أن تتغوّل الفصائل المسلحة الحليفة لطهران على حساب الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، قال محمد الصيهود، عضو ائتلاف “دولة القانون”، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “وضع العراق حالياً ليس مثل وضعه عام 2014، حين اقتحم تنظيم داعش الحدود وسيطر على المحافظات والمدن، بسبب مشاكل سياسية وإخفاقات أمنية. العراق حالياً يمتلك جيشاً أقوى بكثير من السابق، وبالتالي، فإن العوز للقوات الأجنبية لم يعد كما في السابق”.
الصيهود: المهام الجديدة للتحالف الدولي لن تتعدى حدود الحاجة العراقية
وأضاف الصيهود أن “جميع تصريحات القيادات العراقية العسكرية والأمنية، تلفت إلى حاجة قوات الأمن العراقية إلى مزيدٍ من التدريب والتطوير على يد التحالف الدولي، وهذا ما تستوعبه الحكومة الحالية. ولذلك، فإن المهام الجديدة للتحالف الدولي لن تتعدى حدود الحاجة العراقية، بشرط عدم وجود أي جندي أميركي من المشاة على الأرض، وخلال الأسابيع المقبلة ستتم عملية سحب القوات الأميركية من العراق بالكامل”.
وتبدي الفصائل والمليشيات المسلحة الموالية لإيران حماسة لخروج الأميركيين، وقد أطلقت أخيراً حملة إعلامية للتأكيد على رئيس الحكومة على مسألة خروج القوات الأميركية، معتبرةً أن الخطوة تمثّل “هزيمة لواشنطن” في العراق، وذلك بعد سلسلة من الهجمات التي نفذتها تلك الجماعات على القواعد والمعسكرات الأميركية بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة، والتي تعدت حاجز الخمسين هجوماً منذ مطلع العام الماضي.
وفي السياق، قال القيادي في مليشيا “أنصار الله الأوفياء”، عادل الكرعاوي، إن “القوات العراقية استطاعت خلال السنوات الماضية فرض سيطرتها، ولم يعد هناك حاجة لأي قوات أجنبية”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن “القوات الأميركية وطيران التحالف الدولي قصف أكثر من مرة مقرات وثكنات تابعة للحشد الشعبي، بحجة الأخطاء العسكرية، في حين أن ذلك يأتي في إطار تنفيذ مخطط لإضعاف الحشد”.
العسل: على الولايات المتحدة حماية العراق لأنها تسببت بكل أزماته
بدوره، لفت اللواء المتقاعد في الجيش العراقي، طارق العسل، إلى أن “القوات العراقية بجميع صنوفها من الجيش والشرطة والأجهزة الاستخباراتية، لا تمتلك الإمكانات الهائلة التي يمتلكها الأميركيون، والانسحاب إذا لم يكن مدروساً، فإن العراق سيشهد فراغاً أمنياً كبيراً، وهذا لا يعني عودة تنظيم داعش، لكن قد نشهد خروقات أمنية وهجمات إرهابية”. وأوضح في حديث مع “العربي الجديد”، أن “القوات العراقية تنقصها الإمكانات على مستوى الاستخبارات والرصد الجوي وتقنيات الأقمار الصناعية والاستطلاعات والمعلومات الاستخباراتية، وتحديداً في المناطق الحدودية بين العراق وسورية، إذ لا يزال الخطر يهدد العراق من آلاف المعتقلين المنتمين سابقاً لداعش، والمحتجزين لدى الأميركيين وقوات سورية الديمقراطية (قسد)”. وتابع: “كما أنه من الضروري أن يبني الأميركيون للعراق أسس دفاع جوي محترم، لأنهم المسؤولون عن دمار الدفاعات الجوية العراقية، وبالتالي، على الولايات المتحدة حماية العراق، لأنها تسببت بكل أزماته”.
العربي الجديد