تعثرت المفاوضات الغربية-الإيرانية الرامية لإحياء الاتفاق النووي، مع أن إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد الذي تم تنصيبه في حزيران/يونيو الماضي أعلن نواياه في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية. ولكن التغييرات في حكومة رئيسي وخاصة في وزارة الخارجية أثارت تساؤلات وغموضا حول استئناف المفاوضات.
وبعد تولَي حسين أميرعبد اللهيان مهام وزارة الخارجية، وهو المعروف بتابعيته لقوى حرس الثورة، قرر تنصيب علي باقري كني مساعدا له كي يتولى شؤون المفاوضات النووية، حالا محل المفاوض السابق عباس عراقجي. ويعرف عن كني تشدده وإصراره على ترك المفاوضات وتطوير المشروع النووي على المستوى التقني، الأمر الذي يثير مخاوف الدوائر الغربية كثيرا.
وفي حال محاولة حرس الثورة والقوى المتشددة في وزارة الخارجية فرض رؤيتهما فيما يتعلق بعدم استئناف المفوضات، الأمر الذي كشفت عنه عدة جهات أمنية ومراكز بحوث غربية، فلدى إيران شخصيات أخرى تستخدمها في المفاوضات بديلا عن وزارة الخارجية. وهذا الأمر وارد جدا، فقد تقرر طهران إحالة إدارة شؤون الملف النووي من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كي يتولى شؤون المفاوضات.
وقال رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي زار إيران يوم 12أيلول/سبتمبر بعد مغادرته، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية توصلت إلى اتفاق مع إيران بهدف خلق فضاء دبلوماسي للتوصل إلى حلول أوسع. ورحبت روسيا والاتحاد الأوروبي بالاتفاق للتعرف على وضع البرنامج النووي الإيراني.
وإقليميا، لم تعارض إسرائيل، وهي من أشد المعارضين للاتفاق النووي، في عهد نتنياهو، عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق في رد فعلها الأخير، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس في مقابلة مع «فورين بوليسي»: «يمكن لإسرائيل قبول اتفاق نووي جديد مع إيران».
وفي وقت سابق، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت: «بالنسبة للولايات المتحدة، الدبلوماسية بشأن إيران أولوية، لكن إذا فشلت الدبلوماسية، فإن الولايات المتحدة لديها خيارات أخرى».
وعلى الرغم من أن احتمال استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية في الأسابيع المقبلة مرتفع للغاية، إلا أن احتمالات وعواقب تواجد عنصر أو أكثر من حرس الثورة في في الوفد الإيراني، وبطبيعة الحال سيكونون من أشد المعارضين لتقدم المحادثات النووية، لا يزال غير واضح، حيث معركة تقسيم العمل والوظائف الحساسة ما بين أعضاء حكومة رئيسي ومنتسبي المرشد وحرس الثورة لم تحسم بعد.
وعلى المستوى الاجتماعي نرى انه منذ عام 2003 لم تتنازل النخبة الإيرانية المؤيدة لنظام الحكم وكذلك جزء كبير من قوى المعارضة، عن هدفها المتمثل في الاقتراب من عتبة القنبلة النووية، مع أنها تتحدث غير ذلك، بين السعي الحازم لدوافعها النووية والتدابير التكتيكية، التي تمثلت بفتوى دينية تحظر حيازة إيران سلاح الدمار الشامل وخاصة القنبلة النووية.
وبالرغم من تحذير الخبراء من سياسة إيران إلا أن إدارة أوباما في عام 2015 توصلت إلى اتفاق مع إيران ساعدها في تحقيق توازن بين حوافزها النووية والقيود العرضية المتبادلة. وهكذا تمكنت إيران أيضا من تجنب العواقب الاقتصادية الأشد للعقوبات الدولية قبل عام 2015 ومرة أخرى بعد عام 2018 بدون التخلي عن دوافعها الأساسية في التقدم نحو صنع القنبلة النووية.
وبالنظر إلى اتساع هذه الاستراتيجية الإيرانية المكلفة للغاية، أي المماطلة بغية الوصول إلى الهدف، والتي ساعدت قوى غربية وخاصة إدارة أوباما، في خلق تلك الاستراتيجية وتطبيقها على أرض الواقع خلال المفاوضات السابقة، أصبح اليوم من الصعب جدا تغيير مسار إيران بدون إعاقة أو منع نمو هذه التصورات التي حفزت برنامجها النووي وعززتها.
كما أن الوضع الإقليمي والعالمي اليوم خلق قيودا كبيرة أمام القوى الغربية في تعاملها مع إيران وأدت هذه القيود حتما إلى الحد من مشاطرة الولايات المتحدة وتعاملها في القنوات الدبلوماسية العالمية.
وبشكل عام، إن عدم تحرك الولايات المتحدة في مواجهة تحديات الشرق الأوسط ومعالجة قضايا مثل برنامج إيران النووي، سيزيد من اقتناع القادة الإيرانيين بأن الغرب ليست لديه خطط لتكثيف جهوده لاحتواء الدوافع النووية لنظام طهران.
ومع ان بريطانيا وفرنسا وألمانيا أصدرت بيانا مشتركا يوم الأربعاء الماضي، أعربت فيه عن «القلق العميق» إزاء «الانتهاك المتكرر لالتزامات إيران النووية» فقد حثت طهران على اغتنام «الفرصة الدبلوماسية» التي أتاحتها اتفاقية هذا الأسبوع مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشادت الدول الأوروبية الثلاث المتبقية في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذي صدر في «الوقت المناسب، والتقرير المستقل والدقيق» وأشادت بالخطوات السريعة التي اتخذها المدير العام للوكالة رافائيل غروسي خلال زيارته إلى طهران يوم الأحد الماضي لتعزيز معدات المراقبة في المواقع النووية الإيرانية.
وعبرت تلك الدول في البيان إن أنشطة إيران «غير المقبولة» أدت إلى اكتساب المعرفة بالأسلحة النووية.
وقالت «يجب على إيران التوقف فورا عن إنتاج اليورانيوم المعدني واليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة» و «التوقف عن تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما في مواقع التخصيب بما في ذلك في موقع فوردو» و «المشاركة في المفاوضات بدون مزيد من التأخير».
وذكرت الوكالة في تقريرها ربع السنوي الأخير في اجتماع مجلس المحافظين هذا الأسبوع، أن إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة وصل إلى أكثر من 10 كيلوغرامات وأن 20 في المئة من اليورانيوم في إيران قد وصل إلى أكثر من 84 كيلوغراما، وهذا يمثل قفزة كبيرة مقارنة بالوضع قبل ثلاثة أشهر.
ويقدر خبراء نوويون أن إيران لديها شهر حتى تمتلك ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية.
في غضون ذلك، أعربت الترويكا الأوروبية عن أملها في أن يتمكن مجلس المحافظين أخيرا، في خطوة «منسقة» من دعوة إيران إلى «التوقف فورا عن إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب».
إلا إن مجمل الجهود التي ذكرت آنفا لم تساعد في إقناع طهران كي تعلن عن حقيقة مشروعها ومدى تقدمه وهذا ما يزيد الطين بلة. ويرى خبراء أن ذلك ساعد في اقتراب العالم إلى لحظة الحقيقة، أي إنتاج القنبلة النووية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وهنا قد يتبلور دور إسرائيل وربما بمساعدة بعض الدول العربية وغير العربية وقد تفعل شيئا ما لكبح جماح طهران.
نوري آل حمزه
القدس العربي