في حصيلة لعام 1442 الهجري المنتهي، نشرت صحيفة «النبأ» وهي أحد الأذرع الإعلامية لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في آب (أغسطس) إحصائية لعدد هجمات التنظيم في مختلف مناطق نشاطها في آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ويوضح الانفوغرافيك الذي عنونته بـ»حصاد الأجناد 1442» ان عدد هجمات التنظيم بلغ نحو ثلاثة آلاف هجوم، نتج عنها مقتل وجرح أكثر من ثمانية آلاف شخص، وتدمير أكثر من 1260عربة، وتدمير 137 كاميرا حرارية، يبدو أن أغلبها كان في العراق. إضافة إلى استهداف أبراج الطاقة الكهربائية وإيقاف 153 برجا عن العمل. كما دمر التنظيم وحرق 247 بيتا ومزرعة. فيما هاجم مقاتلوه 93 مقرا وثكنة عسكرية أو تابعة للميليشيات في مختلف المناطق.
وتتوزع الهجمات بين العراق وسوريا وصولا إلى الهند وخراسان والفلبين في شرق آسيا وسواحل غرب أفريقيا وليبيا وتونس وصحراء سيناء المصرية. وتركز أكثر من نصف الهجمات في سوريا والعراق وحدهما. حيث بلغ عدد أعمال التنظيم في العراق وحده 1304عملية، نتج عنها مقتل وجرح 2286 من قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي والميليشيات التابعة له بمختلف تنوعاتها.
أما في سوريا فبلغ عدد أعمال التنظيم الحربية أقل من 500 عملية بقليل. قتل فيها ما يزيد عن ألف عسكري من قوات النظام والميليشيات الإيرانية والدفاع الوطني السوري وعناصر من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ومدنيين عاملين في مجالس الإدارة الذاتية المدنية وقلة من رجال الدين والسحرة ووجهاء العشائر.
ويشير رصد «القدس العربي» لإحصائيات حصاد «نبأ» الذي تنشره كل أسبوعين إلى تزايد واضح في هجمات التنظيم في العراق، خصوصا في كركوك وديالي، حيث بلغ عدد الهجمات في المحافظتين 30 هجوما مسلحا، متنوع الوسائط والأدوات، قتل وجرح فيهما نحو 65 عسكريا ومدنيا. في حين قتل في كامل الهجمات في العراق خلال أسبوعين (بين 24 محرم و 8 صفر) 108مستهدفين. ودمر التنظيم خلاله 30 آلية بين مدرعة ورباعية الدفع وآليات خفيفة ودراجة نارية.
وتشير إحصائيات التنظيم والمتابعة الميدانية في سوريا إلى تطور نشاط التنظيم بشكل كبير، واختلاف نوعيات هجماته، حيث أصبح يركز أكثر على استهداف القوافل العسكرية الكبرى وتدميرها على طريق تدمر- دير الزور. كما نشط التنظيم بشكل ملحوظ في محافظات حمص وحماة والرقة بعد انسحابه من جنوب البوكمال نسبيا.
في مقارنة لأرقام هجمات التنظيم، نشر المشروع البحثي «زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا» في برنامج مسارات الشرق الأوسط، ورقة بحثية في نيسان (ابريل) 2021 بعنوان «سقطت الدولة وبقي التنظيم: الحل العسكري غير كافٍ لهزيمة داعش في سوريا» رصدت الورقة توزع الهجمات التي شنها مقاتلو التنظيم منذ سقوط «الخلافة» في مخيم الباغوز شرق سوريا، في اذار (مارس) 2019 ولغاية اذار (مارس) 2021 والتي بلغت 1500 هجوم فقط خلال عامين.
وعزت الدراسة التي كتبها الباحثون جورج فهمي وراشد العثمان وكاتب هذا التقرير، ونشرت في مركز روبرت شومان بجامعة الاتحاد الأوروبي في فلورنسا نشاط التنظيم إلى عاملين، هما «غياب الحوكمة، كما هو الحال في مناطق البادية التي يندر فيها السكان وتضعف السيطرة العسكرية لقوات النظام، وثانياً التوتر المجتمعي الناتج عن تردي الخدمات وغياب الشرعية السياسية، كما هو الحال في مناطق سيطرة قسد».
وتعتبر البادية السورية مركز التجمع الفعلي والمركزي ل لولاية الشام الأمنية، رغم ان هجمات التنظيم كانت متركزة في مناطق النفوذ الأمريكي وسيطرة قسد على ضفاف الفرات الشرقية. فقد اتخذ المقاتلون الأجانب من البادية السورية معقلا لهم، وتحديدا قيادة التنظيم في سوريا الذي تولاه أبو أيوب العراقي حتى مقتله في 2018 وخلفه السعودي علقمة التميمي والذي قتل في 2020.
كذلك، استفاد التنظيم من خبرته السابقة في «الدولة الإسلامية في العراق» وقتاله الصحوات، فتمرس في التعامل مع الطبيعة الجغرافية للصحراء خلال 15 عاما من القتال. فأعد في البادية السورية والعراقية أيضا، مستودعات ومقار عسكرية متنوعة الشكل والحجم، حفر بعضها في باطن الأرض بأعماق متنوعة، تقيه القصف الروسي خلال الشهور الخمسة الماضية، وتمكن مقاتلوه من التمويه والتخفي مع آلياتهم. وتسهل البادية وطبيعتها من قدرة التنظيم على التنقل باعتبار النظام والميليشيات الرديفة والعراقية لا تسيطر إلا على طريق حمص-دير الزور ومناطق صحراوية قرب آبار النفط والغاز التي استولت عليها روسيا ولم تتمكن من ترميمها وتشغيلها، حتى اليوم، بسبب عدم الاستقرار الأمني في المناطق وتعرض آبار النفط إلى هجمات دورية متفرقة وقطع الطرق إليها واستهداف قوافل العاملين وعسكريي الحماية من فاغنر والشركات الأمنية السورية الأخرى.
يساعد التنظيم على نشاطه في شرق سوريا أيضا، السياسات التمييزية بحق العرب من قبل قسد، فلا تقوم بتعيينات كافية وضرورية للمدنيين في الوظائف رغم الحاجة الماسة لها، إضافة إلى الشعور بعدم التوزيع العادل للثروة، فيشعر أهالي دير الزور انهم يقيمون على بحر من نفط تعود عوائده إلى غيرهم، وهو ما أوجد مناخا ملائما لعودة التنظيم للعمل وخلق مناصرين جدد له، وهو ما يعقد مهمة «التحالف الدولي ضد داعش» مجددا في سوريا، فالقضاء على التنظيم عسكريا لا يكفي دون تنمية اقتصادية وخلق فرص لإعادة الاستقرار، كما ان توجيه المشاريع التشغيلية في شرق الفرات قليل واقتصار العمل على ترميم البنية التحتية فقط لا يحفز الناس على المشاركة السياسية الفاعلة.
ويضاف توقع الانسحاب الأمريكي من العراق أولا، وسوريا لاحقاً إلى العوامل المسهلة لعودة «دولة الخلافة» إلى حيز جغرافي غير صغير، يمتد على عدة محافظات سورية وعراقية. وتشير قراءة توزع هجمات التنظيم إلى أن العراق سيكون قاعدة انطلاقها هذه المرة بعكس ما حصل سابقا من إعلان عمل التنظيم في سوريا والتمدد إلى العراق. ولا شك ان انسحاب القوات الأمريكية من المناطق العربية في العراق وانكفائها إلى إقليم كردستان العراق سيترك الجيش العراقي والحشد الشعبي في مواجهة التنظيم مجدداً، وهو أمر غير مستبعد في ظل التوجه الأمريكي الجديد في مغادرة المناطق عديمة الفائدة. على العكس من ذلك، فاحتفاظ واشنطن بمناطق صغيرة في سوريا والعراق وترك القوى المتصارعة تصفي حساباتها سيستنزف إيران وروسيا بشكل أساسي ويضغط على نظام الأسد ويمنع إعادة تأهيله سياسياً كما تشتهي موسكو.
إلى حين توضح السياسة الأمريكية في سوريا والعراق وبانتظار إعادة انتشارها، يبدو أن الشيء الوحيد المؤكد هو ان شعار «دولة الإسلام باقية وستمدد» سيسمع مجددا في المنطقة وسيخلط الحسابات ويهدد الأمن القومي لعدة دول.
القدس العربي