“روبوت قاتل” اغتال العالم النووي الإيراني فخري زادة في أقل من دقيقة

“روبوت قاتل” اغتال العالم النووي الإيراني فخري زادة في أقل من دقيقة

واشنطن – كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية السبت تفاصيل جديدة تتعلق بعملية قتل العالم النووي الإيراني الأبرز فخري زاده، وقالت إنها تمت بواسطة سلاح جديد عالي التقنية مزود بذكاء اصطناعي وكاميرات متعددة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية.

وأشارت إلى أن عملية الاغتيال جرت من دون وجود أي عملاء على الأرض، بواسطة “روبوت قاتل” قادر على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة.

وتقول الصحيفة إن معلوماتها المتعلقة بكيفية تنفيذ عملية الاغتيال استندت إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وإيرانيين، بمن فيهم مسؤولان استخباراتيان مطلعان على تفاصيل التخطيط للعملية وتنفيذها.

وقتل العالم الإيراني البارز فخري زاده (59 عاما)، والذي تتهمه إسرائيل بالوقوف خلف برنامج نووي “عسكري” تنفي طهران وجوده، في هجوم استهدف سيارته في مدينة أبسرد بمقاطعة دماوند شرقي طهران في نوفمبر الماضي.

واتهم الرئيس الإيراني في حينها حسن روحاني إسرائيل بتدبير اغتيال العالم. وتوعدت طهران بالرد.

وبدأت الاستعدادات لعميلة الاغتيال، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، في نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020.

وبعد مقتل سليماني زادت إيران من تعزيزات الأمن حول مسؤوليها البارزين، ومنهم فخري زاده، الذي تقوم بحراسته نخبة من عناصر الحرس الثوري المدججين بالسلاح والمدربين تدريبا جيدا ويتواصلون عبر قنوات مشفرة.

وكانت تحركات فخري زاده تتم ضمن قوافل مكونة من أربع إلى سبع مركبات، حيث تتغير باستمرار الطرق التي تسلكها والتوقيتات لإحباط أي هجمات محتملة.

وتقول الصحيفة إن إسرائيل استخدمت أساليب متنوعة في عمليات الاغتيالات السابقة، جرت إحداها بواسطة تسميم أول عالم نووي على قائمة الاغتيال الإسرائيلية في عام 2007، فيما قتل الثاني في عام 2010 عبر تفجير قنبلة عن بعد مثبتة على دراجة نارية.

وفي العملية الأخيرة تم اعتقال مشتبه به إيراني، اعترف بتنفيذ العملية وتم إعدامه في ما بعد، مما أجبر الموساد على تغيير تكتيكاته، حيث نفذت عمليات الاغتيال الأربع التالية بين عامي 2010 و2012 بواسطة رجال يستقلون دراجات نارية، كانوا إما يطلقون النار مباشرة على الأشخاص المستهدفين أو يزرعون عبوات لاصقة في سياراتهم، ومن ثم يهربون.

لكن المستوى الأمني للقوة المسلحة التي تحمي فخري زاده، تحسبت لمثل هذه التحركات، وجعلت من تكتيك استخدام الدراجات النارية مستحيلا، وفقا للصحيفة.

وأضافت أن المخططين لعملية اغتيال زاده بحثوا خيار تفجير عبوة ناسفة على طول طريق العالم النووي الإيراني، كي يجبروا القافلة على التوقف حتى يتمكن القناصة من مهاجمتها.

وتابعت “تم استبعاد هذه الخطة بسبب احتمال وقوع اشتباك مسلح ربما يسقط خلاله الكثير من الضحايا”.

وفي النهاية، تم اقتراح فكرة استخدام مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد، ولكن كانت هناك مجموعة أخرى من التعقيدات اللوجستية، لأن حجمه ووزنه يجعلان من الصعب نقله وإخفاءه من دون أن يتم فضح الخطة.

ووفقا لمسؤول استخباراتي مطلع على الخطة، اختارت إسرائيل نموذجا متطورا من مدفع رشاش بلجيكي الصنع من طراز “FN MAG” مرتبط بروبوت ذكي متطور.

وقال المسؤول إن النظام لم يكن مختلفا عن نظام “Sentinel 20” الذي تقوم شركة “Escribano” الإسبانية بتصنيعه.

وبلغ وزن المدفع الرشاش مع الروبوت وباقي الملحقات مجتمعة نحو طن تقريبا، لذلك تم تفكيك المعدات إلى قطع صغير، ومن ثم جرى تهريبها إلى إيران بطرق وأوقات مختلفة، ثم أعيد تجميعها سرا في إيران.

وتم بناء الروبوت ليتناسب مع حجم حوض سيارة بيك آب من طراز زامياد، شائعة الاستخدام في إيران، وكذلك تم تركيب كاميرات في اتجاهات متعددة على الشاحنة لمنح غرفة القيادة صورة كاملة ليس فقط للهدف وتفاصيله الأمنية، ولكن للبيئة المحيطة أيضا.

وفي النهاية، تم تفخيخ الشاحنة بالمواد المتفجرة، حتى يمكن تفجيرها عن بعد وتحويلها إلى أجزاء صغيرة بعد انتهاء عملية القتل، من أجل إتلاف جميع الأدلة.

بعد ذلك، كان هناك تحد يجب أن تتم معالجته، وهو التأكد من أن فخري زاده هو من يقود السيارة وليس أحد أبنائه أو زوجته أو حارسه الشخصي، حتى لا يتم استهداف الشخص الخطأ.

وبما أن إسرائيل تفتقر إلى قدرات المراقبة في إيران لعدم قدرتها على استخدام الطائرات المسيّرة التي تستخدم لتحديد الهدف قبل الضربة، تم وضع سيارة على جانب الطريق الذي يسلكه زاده والتظاهر بأنها كانت معطلة.

تم وضع السيارة قرب مفترق طرق وتزويدها بكاميرا مرتبطة بأقمار صناعية ترسل الصور مباشرة إلى مقر قيادة العملية.

وبدأت العملية فجر الجمعة السابع والعشرين من نوفمبر 2020، وكانت الشاحنة التي تحمل المدفع الرشاش متوقفة في شارع الإمام الخميني، حيث وجد المحققون الإيرانيون في وقت لاحق أن كاميرات المراقبة على الطريق تم تعطيلها.

وكان رتل زاده يضم أربع سيارات، الأولى في المقدمة تضم عناصر حماية وتبعتها سيارة من طراز نيسان سوداء اللون يقودها فخري زاده وخلفها سيارتان تحملان عناصر من الحماية.

قبل الساعة 3:30 مساء بقليل، وصل الموكب إلى منعطف حيث أبطأت سيارة فخري زاده من سرعتها، ليتم التعرف عليه من قبل السيارة الثانية المعطلة المزودة بالكاميرات ورؤية زوجته جالسة بجانبه.

وانعطفت القافلة يمينا في شارع الإمام الخميني، وأبطأت من سرعتها لوجود مطب، وعندها أطلق المدفع الرشاش رشقة من الرصاص أصابت مقدمة السيارة.

ولم يتضح ما إذا كانت الطلقات قد أصابت فخري زاده، لكن السيارة انحرفت وتوقفت، ليقوم بعدها الشخص الذي يتحكم بالمدفع الرشاش عن بعد، بإطلاق رشقة أخرى أصابت الزجاج الأمامي ثلاث مرات على الأقل وواحدة منها على الأقل أصابت زاده في كتفه.

ونزل زاده من السيارة واحتمى ببابها الأمامي، وأفادت وكالة أنباء فارس الإيرانية في حينه أن ثلاث رصاصات اخترقت عموده الفقري ليفارق الحياة في الحال.

وبعدها انفجرت السيارة التي كانت تحمل المدفع الرشاش وتناثرت إلى أجزاء.

واستغرقت العملية بأكملها أقل من دقيقة، وتم خلالها إطلاق 15 رصاصة فقط، حيث أشار محققون إيرانيون إلى أن الرصاصات لم تصب زوجة زاده التي كانت تجلس على بعد سنتمترات قليلة.

وتعتبر المخابرات الغربية أن فخري زاده كان العقل المدبر للجهود الإيرانية السرية لتطوير أسلحة نووية.

ووفقا للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن فخري زاده من مواليد مدينة قم عام 1958، وشغل منصب نائب وزير الدفاع وعميدا في الحرس الثوري، وهو حاصل على دكتوراه في الهندسة النووية ودرّس في جامعة الإمام الحسين الإيرانية.

وقال مصدر إيراني رفيع المستوى عن فخري زاده لرويترز في عام 2014 بأنه “ثروة وخبير” مكرس للتقدم التكنولوجي لإيران ويتمتع بالدعم الكامل من المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

ووصف التقرير الأممي الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2011 بأن زاده شخصية محورية في العمل الإيراني المشتبه به لتطوير التكنولوجيا والمهارات اللازمة لصنع القنابل الذرية، وأشار إلى أنه ربما لا يزال لديه دور في مثل هذا النشاط.

ويعتقد أيضا أن فخري زاده شارك في تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية، وقال مصدر إيراني لرويترز إنه يعتبر “أبا لهذا البرنامج”.

العرب