باماكو/نيامي – صعّدت حكومة مالي انتقاداتها لفرنسا على خلفية التحذيرات الصادرة عن باريس وبرلين لمنعها من استجلابها مرتزقةً يحلون محل القوات الفرنسية المغادرة.
ويشير هذا التصعيد إلى أن العسكر ينظرون قبل كل شيء إلى الاستقرار على أنه أولوية وليس الديمقراطية، بالإضافة إلى أنهم ما عادوا معنيين بالدعم الفرنسي، لذلك هناك فراغ عسكري قد يتسبب في مشاكل أمنية لا بد من سده بالمرتزقة الروس أو غيرهم ما دام الأوروبيون غير مهتمين بذلك.
وقالت حكومة مالي الأحد إنها وحدها تملك قرار “اختيار الشركاء الذين يمكنها الاستعانة بهم”، على خلفية اتهامها بالسعي لاستجلاب مرتزقة بعد تقارير حول محادثات تجريها مع شركة الأمن الروسية الخاصة “فاغنر”.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن الحكومة الانتقالية التي يقودها عسكريون تستند إلى “حقها السيادي” و”الحرص على حماية وحدة أراضيها” في ما يتعلق بـ”الرغبة المنسوبة إلى السلطات المالية في توظيف مرتزقة”. وأضاف أن الحكومة “لن تسمح لأي دولة باتخاذ خيارات مكانها، ناهيك عن تحديد الشركاء الذين يمكنها الاستعانة بهم”.
وكانت فرنسا وألمانيا قد حذرتا من أن نشر قوات تابعة لشركة “فاغنر” الروسية من شأنه أن يجعلهما تراجعان مشاركتهما العسكرية في مالي.
وكذلك أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس، 15 دولة) الخميس “إرادة السلطات الانتقالية لتوظيف شركات أمنية خاصة في مالي”، محذرة من أن ذلك ستكون له “تداعيات أكيدة على صعيد تدهور الوضع الأمني” في البلد والمنطقة.
واستنكرت الحكومة المالية في بيانها نشر “إشاعات وتقارير صحافية موجهة في إطار حملة لتشويه سمعة بلادنا وقادتها”.
ولم تعلن الحكومة المالية حتى الآن بشكل واضح عن وجود اتصالات مع “فاغنر”، لكن رئيس الوزراء شوغيل مايغا ألمح إليها الخميس خلال كلمة في “منتدى باماكو”.
وقال “هناك شركاء قرروا مغادرة مالي… هناك مناطق صارت مهجورة”، في إشارة إلى إعادة انتشار القوات الفرنسية في منطقة الساحل التي بدأت مغادرة جزء من مواقعها في شمال مالي للتركيز على “المثلث الحدودي” مع النيجر وبوركينا فاسو. وأضاف مايغا متسائلا “ألا يجب أن تكون لدينا خطط بديلة؟”.
وأوضح أنه منذ يونيو “قلت بوضوح شديد إنه يجب أن تكون لدينا إمكانية التطلع نحو آفاق أخرى، وأن نوسع إمكانيات التعاون من أجل السيطرة على دفاعنا الوطني”.
وأفاد مصدر فرنسي مطلع على الملف بأن الحكومة المالية تدرس إمكانية إبرام عقد مع “فاغنر” لنشر ألف عنصر من عناصر القوات شبه العسكرية الروسية لتدريب الجيش والسهر على أمن قادة البلاد.
وأكد مصدر في وزارة الدفاع المالية وجود محادثات مع الشركة الروسية.
وبالتزامن مع هذا التصعيد تواصل فرنسا خطة إعادة الانتشار العسكري في منطقة الساحل، حيث وصلت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي الأحد إلى النيجر للتباحث مع السلطات بشأن التحول الجاري في الانتشار العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، والذي يمكن أن تلعب فيه قاعدة نيامي الجوية دورًا أكبر في المستقبل.
ومن المقرر أن تلتقي الوزيرة نظيرها النيجيري وكذلك الرئيس النيجيري محمد بازوم.
وقالت وزارة الجيوش الفرنسية إن هذه الزيارة “المخطط لها منذ فترة طويلة ستتيح التقدم حول دور النيجر في الانتشار الفرنسي مستقبلا بالتنسيق السياسي الوثيق” مع السلطات المحلية.
وبدأت عملية إعادة تنظيم الانتشار العسكري الفرنسي في منطقة الساحل -والتي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون في يونيو- على الأرض مؤخرًا بهدف التوصل إلى تقليص التواجد إلى 2500 أو 3000 عنصر مقابل 5000 عنصر حاليا. وسيعاد تركيز مهام هذه القوة على عمليات مكافحة الإرهاب والتدريب القتالي للجيوش المحلية بالتعاون مع الأوروبيين.
وفي النيجر قرب الحدود المالية يتوقع أن تزداد قاعدة نيامي الجوية الفرنسية أهمية في الأشهر المقبلة، شرط موافقة البلد المضيف، مع “قدرات قتالية ستسمح لنا بالتدخل في المنطقة بأكملها”، كما ذكرت وزارة الجيوش.
وتضم هذه القاعدة حاليا 700 عنصر فرنسي وستة مطارات وست طائرات مسيرة من طراز ريبير، وستكون مركز قيادة متقدما للعمليات الرئيسية التي تشن بالتنسيق مع القوات المحلية في ما يسمى منطقة المثلث الحدودي عند تخوم مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وتعد هذه المنطقة -إلى جانب وسط مالي- الأكثر عرضة للهجمات الجهادية في منطقة الساحل. ويقدر عدد القتلى من المدنيين والجنود فيها بالآلاف.
وانتشرت فيها الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة أو تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” بسبب التوترات القديمة بين الإثنيات، والتي شكل بعضها مجموعات مسلحة تغذي أعمال العنف.
العرب