“ما زال نائماً”، كان رد إيلون ماسك على سؤال أحد متابعيه على حسابه الشخصي في “تويتر”، البالغ عددهم 60 مليون متابع، حول سبب عدم تهنئة الرئيس الأميركي جو بايدن بنجاح شركة “سبيس إكس” في إطلاق رحلة إلى الفضاء حملت أربعة سائحين في مهمة استمرت ثلاثة أيام.
يأتي رد ماسك على طريقة الرئيس السابق دونالد ترمب الذي لطالما كان يصف بايدن بـ”جو النائم”، بعدما استبعده البيت الأبيض من لقاء جمع الرئيس مع الشركات الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية، الشهر الماضي، على الرغم من رئاسته لشركة “تيسلا” الأكبر عالمياً، ما تزامن مع المقترح الديمقراطي بتقديم الدعم لشركات صناعة السيارات الكهربائية التي لديها عمال نقابيون فقط، وهو ما يستبعد “تيسلا” من برنامج الدعم.
وتُعدّ تلك المشاحنات استمراراً للتصادم الذي بدأ بين ماسك والديمقراطيين بشأن اقتراح فرض ضريبة تصاعدية على الأثرياء، وصل الأمر فيها إلى حد اتهام السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز ماسك بالجشع. وكان بايدن تعهد بزيادة الضرائب على أغنى الأميركيين كجزء من هدفه لتحقيق المساواة وجمع الأموال لبرنامجه الضخم للاستثمار في البنية التحتية.
وكان ماسك هدد بنقل مصنع سيارات الشركة الوحيد في الولايات المتحدة من ولاية كاليفورنيا الديمقراطية إلى تكساس أو نيفادا بسبب استمرار الإغلاق خلال أزمة كورونا، الأمر الذي أنزل غضب الديمقراطيين عليه في عقر دارهم بالولاية، حيث اعتبر البعض أن مسعاه مجرد حيلة لتفادي دفع ضرائب شخصية والتمتع بالإعفاءات الضريبية كالتي حصل عليها من أجل بناء مصنع الشركة في أوستن.
أزمة ضرائب على الأغنياء
وقصة ماسك تختصر وضع المليارديرية وأصحاب الثروات الذين وجدوا أنفسهم في ظل إدارة تطالبهم بدفع ضرائب مرتفعة بعد العز الذي عاشوه في أعوام ترمب، عندما خُفّضت الضرائب من 35 في المئة الى 21 في المئة. والمفارقة أن كثيرين من هؤلاء الأثرياء صنعوا ثرواتهم في الأعوام العشرة الأخيرة في قطاع التكنولوجيا في منطقة “وادي السيليكون” في ولاية كاليفورنيا، وكثيرون منهم ديمقراطيون، بل حتى أسهموا في إخراج ترمب من اللعبة بطريقة أو بأخرى، مثل الرؤساء التنفيذيين في شركة “فيسبوك” مارك زوكربيرغ، وشركة “تويتر” جاك دورسي وشركة “أمازون” جيف بيزوس وشركة “أبل” تيم كوك وغيرهم.
لكن الأصوات المعترضة على سياسة بايدن الضريبية تخرج عادة من الجمهوريين أو البراغماتيين من الرأسماليين أعداء الضريبة على طريقة ماسك، الذين يعتبرون أن الضرائب تحدّ من الإبداع والمخاطرة وتهرّب المستثمرين، بالتالي لا تدفع الاقتصاد إلى الأمام بأفكار جديدة وخلاقة تغيّر قواعد اللعبة.
أزمات خارجية
غير أن الضرائب ليست إلا معضلة من المعضلات التي باتت تواجه إدارة بايدن بعد تسعة أشهر من تسلّمه السلطة في البيت الأبيض. فآخر الكوارث كانت أزمة الانسحاب الأميركي من أفغانستان التي تسببت في مقتل جنود أميركيين ومدنيين أفغان وتركت عشرات الضحايا من المتعاونين الأفغان مع أميركا، ما لطّخ سمعة الإدارة الديمقراطية التي بنت مجدها بادعاء أنها الأكثر إنسانية وتسامحاً وعقلانية وانفتاحاً على العالم، مقابل صورة إدارة ترمب التي صبغتها بصفات المتهورة والأنانية والشعبوية والمنغلقة على العالم. وكادت الأمور أن تفلت من إدارة بايدن في أول امتحان خارجي لها، إذ تظهر استطلاعات الرأي تقدم حظوظ الجمهوريين بقيادة ترمب على الديمقراطيين، وهو أمر ستظهر انعكاساته في الانتخابات البرلمانية النصفية العام المقبل في حال استمرت أخطاء الإدارة الديمقراطية.
ضرب الحلفاء
ولكي تغلق إدارة بايدن الفجوة التي تركتها أزمة أفغانستان، ذهبت سريعاً نحو صفقة غواصات نووية مع أستراليا وبريطانيا، لكن الصفقة ظهرت وكأنها طعنة لحلفاء أميركا، حيث تخلت كانبيرا عن اتفاقية غواصات تقليدية مع فرنسا سبق أن أبرمتها بمبلغ 90 مليار دولار، واعتبرت باريس أن ذلك بمثابة “طعنة في الظهر”، كما صرح وزير خارجيتها جان إيف لودريان، وأن ما تفعله إدارة بايدن لا يختلف عما فعلته إدارة ترمب من ضرب للحلفاء التقليديين.
اقرأ المزيد
خسائر عنيفة لجيف بيزوس تضع إيلون ماسك على قمة أغنياء العالم
“سبيس إكس” تصنع التاريخ وتطلق أول رحلة فضائية بطاقم كامل من المدنيين
أرباح “تيسلا” تضمن لإيلون ماسك لقب ثاني أثرياء العالم
كيف حاول بايدن ألا يكون ترمب في خطابه أمام الأمم المتحدة؟
ومع أن الهدف من اتفاقية الغواصات النووية كان توجيه رسالة إلى الصين بأن أميركا بدأت العمل على تحجيم دورها عبر اتفاقات إقليمية، إلا أن ذلك حصل بضرب أحد الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن والعضو في منظمة “ناتو”، التي يُفترض أن أميركا تقودها كحلف لمواجهة المخاطر الأمنية الدولية، خصوصاً من الدول المعادية للغرب.
وما زاد الطين بلة الفضيحة التي كشف عنها كتاب جديد للكاتبين بوب ودورد وروبرت كوستا، إذ يؤكدان فيه إجراء رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي، اتصالين بنظيره الصيني أرسل فيهما تطمينات إلى بكين بألا سلطة لترمب وإدارته المدنية على الجيش الأميركي، وهو ما يمثل انشقاقاً من الجيش على السلطة المدنية، وما يضعف من موقف أميركا في مسعاها لمواجهة نفوذ التنين الصيني المتصاعد.
أزمات داخلية
وعلى الصعيد الداخلي، تتفاقم المشكلات أمام إدارة بايدن، وعلى رأسها أزمة كورونا التي أعلنت الإدارة أنها انتهت في يوليو (تموز) الماضي، لكن عدد الإصابات عاد إلى الارتفاع بنسبة 300 في المئة على أساس سنوي.
من ناحية أخرى، حاولت إدارة بايدن أن تبدو أكثر انفتاحاً على المهاجرين كسياسة مضادة لسياسة ترمب الانعزالية والمعادية لهم، ما دفع إلى تفاقم أزمة مهاجرين غير شرعيين على الحدود البرية مع المكسيك، آخرها وصول آلاف منهم من هايتي، ما أربك الأجهزة الأمنية ودفع الإدارة إلى ترحيلهم. ومنذ وصول إدارة بايدن، اعتُقل نحو 1.3 مليون مهاجر غير شرعي على الحدود المكسيكية، بما يزيد على عدد المعتقلين خلال الأعوام الـ 20 الأخيرة.
التعافي يتعثر
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته إدارة بايدن في تسريع النمو الاقتصادي ومن خلال إعطائها زخماً معنوياً للمستثمرين بسياسة أكثر انفتاحاً على العالم وعلى المستثمرين، وضخها حزمة إنقاذ بـ 1.9 تريليون دولار، إلا أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تبدو سلبية، فقد شهد معدل نمو الوظائف الأميركية خلال أغسطس (آب) تباطؤاً حاداً، بعدما تمت إضافة 235 ألف وظيفة، بفارق كبير عن التوقعات التي بلغت في المتوسط 733 ألف وظيفة، وبتراجع شهري كبير أيضاً مقارنة بعدد وظائف بلغ 943 ألف وظيفة في يوليو، وهو ما وصفه الخبير الاقتصادي محمد العريان بفوضى بيانات الوظائف، وأكد استمرار حالة الضبابية بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي بعد الوباء.
وعلى الرغم أيضاً من تأكيدات الاحتياطي الفيدرالي أن موجة التضخم التي يشهدها الاقتصاد الأميركي مؤقتة، إلا أن التضخم ما زال يسجل مستويات قياسية، بعدما بلغ مؤشر أسعار المستهلكين 5.3 في المئة في أغسطس، وتتزايد المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى وقف الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) برنامج شراء السندات لدعم الشركات وأسواق المال والتبكير برفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، ما قد يؤثر في وتيرة نمو الاقتصاد ويحدّ من مكاسب “وول ستريت”.
لكن على الرغم من ذلك، ما زال الاقتصاد الورقة الرابحة في يد بايدن حالياً، وهي الأهم من بين كل أوراق اللعب في السياسة الأميركية، لأنها في نهاية المطاف الهم الأول للمواطن.
اختبار قدرات
لكن هناك أزمة بدأت تلوح في الأفق حول القدرات الجسدية والذهنية لبايدن البالغ من العمر 78 سنة، إذ تترك المؤتمرات الصحافية والمواقف التي يطلقها سيلاً هائلاً من ردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي، تعبّر عن السخط تجاه سياسته والتهكم منه شخصياً ومن عدم قدرته على التركيز في الكلام ونطق الكلمات بشكل صحيح، كما حصل في الفيديو الشهير الذي انتشر عقب إلقائه كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وبدأت سقطات وأخطاء بايدن تظهر بشكل أكبر بعد فوزه بالرئاسة، خصوصاً أثناء الخطابات واللقاءات الرسمية التي كان أبرزها خطأه في نطق الاسم المختصر لسلاح الجو الملكي البريطاني، وقوله بدلاً من ذلك اختصاراً لإذاعة “آسيا الحرة”، وذلك خلال خطاب ألقاه أمام الجيش الأميركي في ميلدنهال في المملكة المتحدة.
وظهر بايدن في حالة نعاس أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وخلط خلال خطابه حول مكافحة فيروس كورونا بين كلمتي “تصعيد” و”تطعيم”، كما خلط أثناء خطابه في قمة “مجموعة السبع” بين ليبيا وسوريا ثلاث مرات في أقل من دقيقة ونصف الدقيقة، كما نسي بايدن اسم رئيس الوزراء الأسترالي في اجتماع معه، وقال بدلاً من ذلك “هذا الرجل من أستراليا”.
وما يسعف بايدن أمام كل هذه الزلات والأخطاء أن هناك آلة إعلامية مؤيدة للديمقراطيين وكارهة لترمب الذي يقود حالياً غالبية الحزب الجمهوري. وهذه الآلة التي تجمع شبكات التلفزيون الرئيسة والصحافة ووسائل الإعلام وحتى مفاتيح القرار في وسائل التواصل الاجتماعي تتغاضى عما يقوم به بايدن وإدارته، بل حتى تعمل على تغيير وجهة الأحداث لمصلحة الإدارة الحالية، كما فعلت عندما أنهت سريعاً التغطية الإعلامية حول أفغانستان وركزت على الصفقة مع أستراليا، وهي بذلك تعيد إنتاج صورة براقة لإدارة بايدن في كل مرة وتغيّر بوصلة الأمور لصالحها.