بكين- في 21 سبتمبر/أيلول الجاري، تلقى عشرات آلاف الموظفين الصينيين -في مجموعة “إيفرغراند” (evergrande) العقارية- رسالة من رئيس مجلس إدارة المجموعة شو جياين، يعبر فيها عن اقتناعه بأن الشركة “ستخرج من أحلك الظروف في أقرب وقت ممكن، وسوف تُسرّع الاستئناف الكامل للعمل والإنتاج لتحقيق هدف ضمان البناء”.
وتأتي رسالة شو جياين في الوقت الذي تزداد فيه التوقعات حول إعلان إفلاس إيفرغراند التي تعتبر ثاني أكبر مطور عقاري في الصين، بعد أن أعلنت المجموعة عجزها عن سداد دفعات مستحقة عليها، لعدم امتلاكها السيولة.
وتشير بيانات صادرة عن المجموعة العقارية إلى أن عدد الموظفين بشكل مباشر في إيفرغراند وصل لنحو 200 ألف شخص، فيما تعتبر واحدة من أكبر الشركات في العالم من حيث الإيرادات، فكيف عبرت الطريق نحو الإفلاس؟
كيف بدأ سقوط إيفرغراند؟
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ -خلال المؤتمر الوطني الـ19- “إن الإسكان مخصص للعيش فيه وليس للمضاربة”، حيث فتحت هذه الجملة جبهة ساخنة في وجه الشركات العقارية.
ومنذ 2019، فرضت السلطات الصينية مجموعة من اللوائح التي تهدف إلى كبح ديون الصناعة المفرطة ودرء فقاعة الإسكان، وهو ما أعاق وصول هذه الشركات إلى التمويل.
ووفقا للبيانات المالية لعام 2020 لإيفرغراند، اقترضت المجموعة نحو 716.5 مليار يوان (نحو 110.7 مليارات دولار)، مع 335.5 مليار يوان مستحقة في غضون عام واحد، وهو ما يمثل 46.8%، وقد ترتب على ذلك التزام المجموعة العقارية بتسديد 502.1 مليار يوان من 2021 إلى 2022، منها 48 مليار يوان كفائدة.
ورغم امتلاك إيفرغراند 778 مشروعا بقيمة إجمالية تزيد على 456.8 مليار يوان و28.31 مليون متر مربع من الأراضي؛ إلا أنها فشلت في توفير سيولة كافية تمكنها من الالتزام بدفع مبالغ مستحقة عليها.
وفقا للبيانات المالية لعام 2020 لإيفرغراند، اقترضت المجموعة نحو 716.5 مليار يوان (نحو 110.7 مليارات دولار) (الفرنسية)
ماذا سيحصل إذا أعلنت إيفرغراند الإفلاس؟
يعتقد خبراء السوق أن قضية إيفرغراند لن تسبب الأزمة المالية القادمة، لكنها قد تسبب المزيد من التقلبات في كثير من الاقتصادات العالمية إذا ما تأثر الاقتصاد الصيني المتباطئ بشكل أكبر. ويأمل الخبراء أن تتحرك الحكومة الصينية للسيطرة على المشكلة قبل أن تتسبب في ضرر للنظام المصرفي.
ويشعر مستثمرون بالقلق من أن الحكومة الصينية قد تسمح للشركة بالإفلاس، مما يضر بمصالح المساهمين وحملة السندات المحليين.
ويرى خبراء السوق أن اللجوء لإعادة هيكلة الديون سيعطي الأولوية لمستثمري التجزئة لمنتجات إدارة الثروات تحقيقا للاستقرار الاجتماعي، فيما سيجد المستثمرون الأجانب -الذين يمتلكون أوراقا صادرة عن كيانات إيفرغراند الخارجية- صعوبة في الحصول على أموال، لأن لديهم “قدرة تفاوضية أقل مقارنة بالمقرضين الآخرين الأقرب إلى الأصول”.
هل ستتدخل الحكومة الصينية؟
يرى خبراء أن تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين تعكس أن بكين تراقب الأزمة عن كثب، بينما تحاول إبداء الهدوء.
ودون تسمية إيفرغراند مباشرة، قال فو لين جوي -المتحدث باسم المكتب الوطني الصيني للإحصاء مطلع سبتمبر/أيلول الجاري- إن سوق العقارات الصيني ظل مستقرا هذا العام، لكن يجب ملاحظة تأثير الأحداث الأخيرة “على تطوير الصناعة بأكملها”.
وحسب مارك ويليامز -كبير الاقتصاديين الآسيويين في “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics)- فإن السلطات الصينية ستتدخل في النهاية لضمان عدم وقوع النظام المالي الأوسع في أزمة، موضحا أن صانعي السياسة سيسمحون لمطوري العقارات بتحمل الألم الشديد، لكنهم سيتدخلون لضمان صحة النظام المصرفي.
وقد تتدخل الحكومة الصينية من خلال استحواذ شركات مملوكة للدولة على إيفرغراند، وإدارة المشاريع وإعادة هيكلة الديون، دون إغفال ردود الفعل المجتمعية.
هل يمكن تجنب الإفلاس؟
لقد صنعت إيفرغراند اسمها في العقارات السكنية، فهي تفتخر بأنها “نفذت أكثر من 1300 مشروع في نحو 280 مدينة صينية”، لكن اهتماماتها تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.
وخارج الإسكان، استثمرت المجموعة في السيارات الكهربائية والألعاب الرياضية والمتنزهات. حتى إنها تمتلك نشاطا تجاريا للأطعمة والمشروبات، ومحلات البقالة، ومنتجات الألبان وغيرها من السلع في جميع أنحاء الصين.
في عام 2010، اشترت الشركة فريق كرة قدم يعرف باسم “غوانغجو إيفرغراند”، إذ قام هذا الفريق منذ ذلك الحين ببناء ما يُعتقد أنه أكبر مدرسة لكرة القدم في العالم، بتكلفة 185 مليون دولار. ويعمل حاليا على إنشاء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، بتكلفة 1.7 مليار دولار، ليكون في النهاية قادرا على استيعاب 100 ألف متفرج.
ومع تضخم ديون المجموعة العقارية، فإن “بيع الأصول” هو بالتأكيد أحد الخيارات الحتمية للخروج من المتاعب. لكن الأصول الحالية لإيفرغراند تتركز بشكل أساسي في المنازل واحتياطيات الأراضي، وسيولة هذين الأصلين ضعيفة نسبيا بطبيعتها. وإذا كان سوق العقارات في هدوء، فلن تتمكن من بيعه حتى ولو كان رخيصا.
كيف يراقب الصينيون تطورات الأحداث؟
على مدى سنوات مضت، اقتنص العديد من أبناء الطبقة الوسطى منازل إيفرغراند في العمارات الشاهقة، كاستثمارات في البلاد. لكن التزام المطور العقاري الصمت بشأن مصير الدفعات المستحقة عليه ومدى قدرته على السداد من عدمه؛ عجّل من نفاد صبر صغار المستثمرين الذين اجتاحوا مقر الشركة الأسبوع الماضي في مدينة شنجن جنوب البلاد.
وتتفاعل القضية بشكل محموم عبر وسائل الواصل الاجتماعي الصينية، ما بين مراقب لمجرياتها وآخر ينتظر مصير استثماره وعدد يتمنون سقوطها. إذ يعتبرون أن انهيار إيفرغراند يعني “نهاية تاريخ ملك العقارات”، وأن الناس لن يكونوا مضطرين بعد إيفرغراند على “شراء كومة من الخرسانة مقابل 6 حقائب يد مليئة بالأموال”.
المصدر : الجزيرة