إن التحالف الرباعي (كواد) “عصابة شريرة” أعضاؤها “أربعة زملاء في مستشفى مصابون بأربعة أمراض مختلفة” سوف “يصبحون وقوداً للمدافع” إن تجرأوا على مهاجمة الصين، بحسب تحذير صحيفة “غلوبال تايمز”، بوق الحزب الشيوعي في بكين.
تركز الغضب الذي طغى على الافتتاحية على أول اجتماع قمة مباشر يُعقد بين قادة “العصابة” المزعومة: الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، في البيت الأبيض. وتابعت الصحيفة بقولها إن الرئيس الأميركي جو بايدن يولي الأولوية لـ”أميركا أولاً” أكثر حتى من الرئيس السابق، دونالد ترمب.
أعلن آخر اجتماع عقده التحالف الرباعي (الحوار الأمني الرباعي أو الكواد)، والذي عُقد عن بعد في مارس (آذار)، إيصال مليار جرعة من لقاح “كوفيد-19” لدولٍ في آسيا بحلول نهاية عام 2022. لكن هذه المرة، الصين وسياساتها العدوانية هي الموضوع الأساسي على جدول الأعمال. ومجموعة الكواد تشكل معضلة أكبر بالنسبة لبكين، سواء على الصعيد الاستراتيجي أو العسكري، من اتفاقية شراكة أوكوس التي حظيت بدعاية كبيرة في أعقاب إبرامها بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من أجل بناء أسطول غواصات نووية أسترالي.
كل دولة من الدول الأعضاء الأربعة لديها وجود عسكري لا يُستهان به في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وجميع الدول تضاعف من هذه القوة لمجابهة التوسع الصيني، كما تشعر جميعها بأن الصين تهددها، مع أن اللغة المستخدمة لوصف ذلك الخطر مخففةً في التصريحات العلنية.
وقد دخل عضوان من المجموعة في مواجهة مع الصين: أولهما الهند على تخوم جبال الهيمالايا وثانيهما اليابان بشأن المياه المُتنازع عليها وجزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي.
الشهر الماضي، نفذت دول التحالف الرباعي مناورات مالابار البحرية مقابل ساحل غوام. بدأت هذه المناورات كمناورة تدريب بحرية سنوية ثنائية بين الولايات والهند في تسعينيات القرن الماضي ثم توقفت قبل أن يُعاد إحياؤها على نطاق أوسع لتشمل اليابان ثم أستراليا. وفي أبريل (نيسان)، شاركت القوات البحرية لهذه البلدان في مناورة لا بيروز في خليج البنغال مع فرنسا، تماشياً مع قرار حكومة ماكرون بتكثيف حضورها العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعلى الرغم من الشجار بشأن اتفاقية “أوكوس” بين أستراليا وفرنسا بسبب إلغاء عقد لشراء غواصات، من المتوقع أن تجري المزيد من هذه المناورات بمشاركة فرنسية في المستقبل.
يبعث إجراء هذا الاجتماع مباشرة للمرة الأولى منذ تأسيس التحالف الرباعي من 14 عاماً إشارة إلى أن المجموعة تسعى للاضطلاع بدورِ أكثر فعالية بكثير. وهذا من النتائج المباشرة لمقاربة الصين المتعنتة لمسائل تتراوح بين ملكية المياه الغنية بالمعادن إلى عمليات القمع في هونغ كونغ وشنجيانغ، والتهديدات بغزو تايوان وجائحة فيروس كورونا.
حتى وقت قريب، اتسم موقف الهند تجاه الرباعي بالفتور، لكن يبدو أن الاشتباكات على حدودها الشمالية مع الصين وضحت الصورة بالنسبة لحكومة ناريندرا مودي- وأصبحت الآن عضواً متحمساً.
تحدث رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا وهو في طريقه إلى واشنطن عن تعاظم “نفوذ (بكين) العسكري وتغيير الوضع السائد [ستاتوس كو] من جهة واحدة” مما يشكل خطراً على اليابان. سجل توغل المراكب الصينية قرب جزر سينكاكو رقماً قياسياً إذ حصل 157 يوماً على التوالي في وقت سابق من العام الحالي- وهذا جزء من الارتفاع المتواصل في وتيرة الأحداث من هذا القبيل. وأضاف وزير الدفاع نوبوو كيشي أن تصرفات الصين أثارت “قلقاً كبيراً في ما يعني السلامة والأمن، ليس في بلدنا ومنطقتنا فحسب، بل في المجتمع العالمي”.
وانضمت أستراليا، التي فُرضت عليها رسوم جمركية جزائية من قبل الصين، إضافة إلى هجمات سيبرانية، بعد مطالبتها بإجراء تحقيق مستقل في أصل كوفيد، إلى مناورات مالابار العام الماضي. وهي الآن جزء من اتفاقية أوكوس، على الرغم من أن الصين ما زالت شريكها التجاري الأساسي وأن أي عقوبات إضافية تفرضها عليها بكين سوف تضر باقتصادها لا محالة.
من المتوقع أن يلي المحادثات بين السادة بايدن ومودي وسوغا ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، إعلان بشأن كوفيد وتحرك [خطوات] في موضوع تغير المناخ. من المزمع كذلك أن يناقشوا قضايا الأمن السيبراني وسلاسل الإمداد لأشباه الموصلات والتعاون في تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات. اتُهمت بكين باستخدامها للهجمات السيبرانية على نطاق موسع، وهي تسيطر فعلياً في الوقت الحالي على سوق أشباه الموصلات. وقد أثار وجود الشركات الصينية في البنية التحتية للاتصالات بما فيها هواوي في المملكة المتحدة حتى وقت قريب، مخاوف أمنية.
حاولت الصين في الماضي الاستخفاف بأهمية التحالف الرباعي باعتباره غير ذات أهمية. ومنذ ثلاث سنوات، قال وزير الخارجية ومستشار الدولة وانغ يي إن هذه المجموعة أشبه “بزبد البحر في المحيط الهادئ أو الهندي؛ قد تسترعي بعض الانتباه لكنها سرعان ما ستتبدد”. إنما مع قدوم العام الماضي، بدأ يحذر من أنها “خطر أمني” و”الناتو الجديد” في المنطقة.
ولدى سؤاله عن اجتماع البيت الأبيض، أجاب المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان بأنه “يجب ألا يستهدف أي طرف ثالث أو يضر بمصالحه… فتشكيل زمرة خاصة تستهدف دولاً أخرى تصرف لن يحظى بشعبية ولا مستقبل له”.
“على الدول المعنية التخلي عن عقلية تساوي المكاسب والخسائر [لعبة صفرية] البائتة وعن المفاهيم الجيوسياسية الضيقة، والنظر إلى تنمية الصين كما يجب، واحترام قلوب شعوب المنطقة، والقيام بمزيد من الأمور التي تساعد على تعزيز الوحدة والتعاون بين دول المنطقة”.
لكن ديفيد شولمان، المحلل المختص بالشأن الصيني في مؤسسة المجلس الأطلسي أكد أنه يجب إعطاء بكين “فعلياً الجزء الأكبر من الفضل” في إحياء التحالف الرباعي. فتصرفاتها العدوانية ضد الهند واليابان وأستراليا وقمعها لهونغ كونغ وتهديداتها لتايوان “بثت في زعماء المنطقة حساً جديداً بحال الطوارئ والهدف المشترك”.
وأضاف المحلل الأمني البريطاني روبرت إيمرسون أن “الكثير مما يحدث صُنع في الصين. كان من المنتظر أن تؤدي الطريقة العدائية التي فرضت فيها الصين سياساتها إلى تبعات، وهذا ما يحدث الآن. يجب ألا يفاجئهم”.
اندبندت عربي