من المقرر أن يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد التقى اليوم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في قمة ثنائية تحتضنها مدينة سوتشي الروسية وتنعقد ضمن سياقات إقليمية ودولية تهم أنقرة وموسكو على حد سواء، ويمكن بالتالي أن تسفر عن تفاهمات متقدمة بصدد ملفات عديدة أو تؤدي إلى تشديد نقاط الخلاف الراهنة بين البلدين، أو تتوصل إلى مناطق وسطى تلبي مصالحهما المشتركة.
ومن الواضح أن الخلفية الأولى التي سوف تهيمن على القمة الروسية التركية هي الوضع الراهن في أفغانستان، سواء تبعات الانسحاب الأمريكي والأطلسي من هذا البلد، أو سيطرة الطالبان على مقاليد الحكم فيه. وليس أقل وضوحاً بالطبع أن أنقرة تتبنى مقاربة تجاه الملف الأفغاني أكثر مرونة وأعلى تأثيراً بسبب الدور التركي الفاعل قبيل هيمنة الطالبان وبعدها، وأن موسكو تطمح إلى لعب أدوار أكثر فاعلية في أفغانستان على أصعدة سياسية واقتصادية وعسكرية واستثمارية. وفي الحالتين سوف تكرس الخيارات التركية والروسية فارقاً نوعياً بالمقارنة مع الولايات المتحدة، بما يعنيه ذلك من تأجيج الخلافات الثلاثية أو على العكس تسهيل التوصل إلى توافقات.
ولم يكن مستغرباً أن يختار الرئيس التركي منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كي يوجه واحدة من أعنف رسائله الانتقادية إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤكداً أن «العلاقات التركية الأمريكية ليست على ما يرام» وأن «أجواء الخصومة» هي التي تسود «بين دولتين أطلسيتين». وأعاد أردوغان التذكير بأن صفقة منظومة إس ـ 400، التي أبرمتها تركيا مع روسيا وأغضبت واشنطن خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، «منتهية بالنسبة إلينا» بل أن تركيا سوف تبحث عن حقوقها القانونية في قرار واشنطن استبعادها من برنامج المقاتلة الأمريكية إف-35. أكثر من هذا، مضى أردوغان أبعد حين صرح بأن «أمريكا لا بد أن تدفع ثمن ما ارتكبته من أخطاء في أفغانستان».
ولا يخفى أن الرئيس التركي غاضب من نظيره الأمريكي لأسباب إضافية أخرى، في طليعتها إصرار واشنطن على تسليح «قوات سوريا الديمقراطية» والفصائل الكردية الأخرى التي تصنفها أنقرة في خانة أعداء تركيا، وكذلك لأن لقاء قمة ثنائياً بين أردوغان وبايدن لم يُعقد خلال اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك. وبهذا المعنى فإن اجتماع سوتشي يبدو بمثابة ردّ من الرئاسة التركية على الرئاسة الأمريكية، لا تغيب عنه رغبة الكرملين أيضاً.
وإذا كانت العلاقات التركية الأمريكية ليست في أفضل أحوالها، فإن العلاقات التركية الروسية قد لا تنطوي في حقيقتها على حال الوئام والتلاقي التي يمكن أن تعكسها قمة سوتشي. الكرملين يظل حامي النظام السوري وعرابه ووسيط إعادة تأهيله في هذا المحفل الدولي أو ذاك، كما أن الطيران الحربي الروسي يتابع تكثيف هجماته على الفصائل السورية المنضوية تحت الحماية التركية في إدلب، أي في المنطقة ذاتها التي شهدت توقيع اتفاقية خفض التصعيد الروسية التركية الإيرانية.
وهذا لا يقود تلقائياً إلى إصدار أحكام بالنجاح أو الفشل على قمة سوتشي، فالعلاقات التركية الروسية خلال السنوات الأخيرة حكمتها قواعد كثيرة متقلبة ومتبدلة، حيث الأمور دائماً رهن بخواتيمها.
القدس العربي