طهران تتبغدد، لا على عواصم في المنطقة فقط، بل على عواصم عالمية أيضاً، والوقت فات على سياسات الاسترضاء خوفاً من امتلاك جمهورية الملالي السلاح النووي، وما عادت تفيد، سواء كانت حقيقية أم مجرد تهويل، سياسات القوة لمنعها من حيازة السلاح بحسب “الخطة ب” التي يتحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن، فهي وصلت الى مرتبة “دولة – عتبة” تملك كل ما تحتاجه من معرفة وأدوات لصنع قنبلة، والدنيا تغيرت في أميركا أولاً.
خلال حوار مع مثقفين فرنسيين قالت مستشارة الأمن القومي ثم وزيرة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الابن كوندوليزا رايس، “إيران دولة توتاليتارية، والغرب أخطأ حين قبل الاتحاد السوفياتي بشروطه في الحرب الباردة، ويجب ألا يرتكب الغلطة مع إيران” التي وضعها بوش في “محور الشر”.
لكن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وضع كل سياسة أميركا في الشرق الأوسط رهينة التفاوض على اتفاق نووي مع إيران بأي ثمن، بحجة تأخير مشروعها النووي لسنوات، وحين قرر الرئيس السابق دونالد ترمب الخروج من الاتفاق وممارسة “الضغط الأقصى” على الملالي، فإنه ارتكب الوجه الآخر لخطأ أوباما، وهو تحديد الهدف بدفع طهران إلى التفاوض على اتفاق أشد من دون خيار أميركي بديل، وهو أمر لم يحدث.
وفي الحملة الانتخابية كما بعد وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس جو بايدن الرغبة في العودة إلى الاتفاق النووي على أن يكون “أقوى وأطول”، لا بل وضع بين المطالب الأميركية ما أهمله أوباما، وهو التفاوض على ملف الصواريخ الباليستية وملف النفوذ الإيراني في المنطقة، وبدا كأنه مصمم على تجاوز أخطاء سابقيه، لكن مسلسل التنازلات بدأ.
الرفض الإيراني للتفاوض المباشر مع أميركا دفع بايدن إلى التراجع وقبول التفاوض بالواسطة في فيينا بين إيران وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، كما قاد رفض أي بحث في الصواريخ والنفوذ الرئيس الأميركي إلى وضع المسألة على الرف تحت عنوان الدخول في الاتفاق ثم التفاوض على ما ليس فيه، وبدل الإلحاح الدولي والإيراني على أميركا للعودة إلى التفاوض، صار الإلحاح على طهران للعودة إلى فيينا، والمعادلة هي التزام أميركا بالاتفاق كما هو، مقابل التزام إيران بالتراجع عن خرقها لبنود الاتفاق.
ومع أن كل السلطة في يد المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي تنتظر تركيب الوفد الإيراني المفاوض بعد انتخاب الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، وطهران تتبغدد وتناور.
حسين شريعتمداري رئيس تحرير “كيهان” المرتبطة بالمرشد الأعلى يقول ببساطة، “أولويتنا ليست الاتفاق النووي”. ويؤكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في إيران حسين فدا ملكي أن “الاتفاق النووي لم يعد أولوية للنظام”، أما علي باقري كني، النائب الجديد لوزير الخارجية بدل النائب السابق وكبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا عباس عرقجي، فيقول “خسرنا 100 حق في الاتفاق النووي، 20 بصورة دائمة و18 من دون تحديد الزمن، والبقية إلى مدى 25 سنة”.
ويرى أن “أحد أخطاء التيار غير الثوري والمفتون بالغرب، هو التصور أن بإمكانه البناء مع أميركا في المحادثات من خلال القوانين الدولية، في حين أنه يمكن من خلال أدوات القوة ومكوناتها إرغام واشنطن على الانحناء احتراماً وتكريماً”.
ولا يستعجل “الحرس الثوري” رفع العقوبات لأنها عملياً أسهمت في تشديد قبضته على الاقتصاد، وفي اعتماد كل التحويلات على طريقته الخاصة، مع عمولة 20 في المئة، بحسب حاكم البنك المركزي الإيراني السابق عبدالناصر همتي.
وليس أمراً قليل الدلالات أن تتكاثر الضغوط في نيويورك خلال دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان لكي يعد بأن بلاده عائدة للمفاوضات “قريباً”، فما تفعله جمهورية الملالي هو استغلال الوقت في مرحلة خرق الالتزامات لإكمال ما تحتاجه في تخصيب اليورانيوم، وما تمارسه هو اللعب مع العالم بالديبلوماسية المخاتلة واللعب في المنطقة بالصواريخ والمسيّرات والميليشيات، والمفارقة أن المنطقة المعرضة للخطر الإيراني أكثر من أي بلد في العالم ليست إلى طاولة المفاوضات، فلا بايدن نفذ الوعد بإشراك السعودية في التفاوض، ولا أولويات أوروبا والصين وروسيا سوى الاستثمار في إيران بعد رفع العقوبات الأميركية عنها بموجب الاتفاق، وليس سهلاً “التساكن” مع إيران نووية وتوسعية.
رفيق خوري
اندبندت عربي