فرنسا تبيع سفنا حربية لليونان.. رسالة مزدوجة إلى واشنطن وأنقرة

فرنسا تبيع سفنا حربية لليونان.. رسالة مزدوجة إلى واشنطن وأنقرة

باريس – ردت فرنسا سريعا على صفقة الغواصات التي خسرتها مع أستراليا ببيع سفن حربية لليونان، في خطوة قال مراقبون إنها توجّه رسالة مزدوجة إلى كل من الولايات المتحدة بشأن الغواصات، وإلى تركيا بشأن جدية باريس في مزاحمة نفوذ أنقرة وعدم ترك اليونان وحيدة في مواجهة سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

يأتي هذا بالتزامن مع دخول السعودية كطرف في الترتيبات الأمنية شرق المتوسط بعد المناورات المشتركة مع اليونان.

وبعد عشرة أيام على أزمة الغواصات مع أستراليا، وقعت فرنسا الثلاثاء اتفاقية لبيع اليونان ثلاث فرقاطات في إطار “شراكة استراتيجية” بين باريس وأثينا في المتوسط تعطي دفعا للرئيس إيمانويل ماكرون في معركته للترويج للدفاع الأوروبي.

فلورانس بارلي: المتوسط يجب ألا يكون ملعبا لطموحات البعض، إنه ملكية مشتركة

ويقول متابعون للجدل الذي رافق فشل صفقة غواصات فرنسية لأستراليا إن الرئيس الفرنسي يريد أن يطور هذه الحادثة ويجعل منها مدخلا لقلق أوروبي جدي من الحليف الأميركي والتفكير في سياسة دفاع أوروبية جديدة تعتمد على الذات بدل تحالف غير متكافئ مع الولايات المتحدة، معتبرا أن الصفقة مع اليونان “خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية”.

وأعلن الرئيس الفرنسي أن الاتفاق “يسهم في الأمن الأوروبي وتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا وسيادتها، وبالتالي في السلم والأمن الدوليين”.

وقال ماكرون بعد لقائه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في قصر الإليزيه إن اليونان ستشتري الفرقاطات الثلاث من فرنسا، في إطار “شراكة استراتيجية” أكثر عمقا بين البلدين للدفاع عن مصالحهما المشتركة في البحر المتوسط.

واعتبر قرار أثينا شراء السفن الحربية “مؤشر ثقة” في صناعة الدفاع الفرنسية في وجه المنافسة وخصوصا من مجموعة لوكهيد مارتن الأميركية، وفق تقارير صحافية.

ويؤكد الرئيس الفرنسي باستمرار أن أوروبا تحتاج إلى تطوير قدراتها الدفاعية الخاصة، والتقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة، ووصل إلى حدّ التحذير بأن حلف شمال الأطلسي يعاني من “موت دماغي”.

ويشير المراقبون إلى أن الشراكة العسكرية مع اليونان ليست وليدة الغضب من سطو واشنطن على صفقة الغواصات مع أستراليا، لافتين إلى أن الأمر بدا أكثر إلحاحا مع التوترات في شرق المتوسط بسبب تحركات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز وفرضها واقعا جديدا في قبرص.

وفضلا عن التحركات الدبلوماسية أبدت فرنسا بوضوح دعمها لليونان ونشرت سفنا حربية وطائرات مقاتلة في المنطقة.

وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في تغريدة إن “المتوسط يجب ألا يكون ملعبا لطموحات البعض، إنه ملكية مشتركة” حيث “احترام القانون الدولي يجب أن يكون القاعدة وليس الاستثناء”.

وفي ظل حياد ألماني وبريطاني تجاه التحركات التركية، ظهرت فرنسا في صورة الدولة الأوروبية المحورية التي تتزعم مهمة التصدي للنفوذ التركي في مرحلة أولى ثم التشجع في مرحلة ثانية على كسر الوصاية الأميركية على أوروبا، التي ستكون في حاجة إلى البحث عن حماية أمنها القومي بمجهوداتها الذاتية.

وتوسعت دائرة التوتر بين تركيا وفرنسا إلى خارج منطقة شرق المتوسط، حيث عارضت باريس التدخل العسكري التركي في إقليم قرة باغ إلى جانب أذربيجان. كما وقفت في وجه التدخل التركي في ليبيا وعارضت اتفاقية ترسيم الحدود بين أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا التي ترأسها فايز السراج.

وقال ماكرون إنه لا ينبغي النظر إلى صفقة الفرقاطات على أنها تهديد لأنقرة، بل وسيلة مشتركة لضمان الأمن في المتوسط وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان.

وأثارت اليونان وفرنسا غضب أنقرة في يناير عندما وقعتا على صفقة بقيمة 2.5 مليار يورو (3 مليارات دولار) لشراء 18 طائرة رافال، 12 مستعملة وست جديدة، في إطار برنامج تسلح في مواجهة تصاعد التوتر مع تركيا المجاورة.

ولم يعد أمن المتوسط حكرا على الدول المحيطة، ففي قمة التوتر بين اليونان وتركيا نشأ منتدى غاز شرق المتوسط، وضمّ كلاّ من مصر واليونان وإيطاليا وقبرص والأردن وإسرائيل. وإن بدا في ظاهره تكتلا اقتصاديا، لكنه كان يهدف إلى تكوين جبهة ضد التمدد التركي قبل أن تتغير المعطيات بعد التقارب التركي – المصري.

ولن تكون السعودية بعيدة عن التنسيقات الأمنية في البحر المتوسط بعد ترتيبات ومناورات مشتركة مع اليونان وعقد لتأجير منظومة صواريخ باتريوت يونانية تساعد في سد بعض الثغرات التي خلفها سحب المنظومات الأميركية.

ومنذ أن أعلنت تركيا عن مساعيها للتواجد في منطقة البحر الأحمر كامتداد طبيعي لنفوذها، تحركت السعودية ليكون لها حضور ملموس في البحر المتوسط.

ومنذ أسبوع شاركت قوة من وحدات المظليين وقوات الأمن الخاصة بالقوات البرية السعودية في مناورة مع قوات العمليات الخاصة اليونانية.

وهدف التمرين وفق وكالة الأنباء السعودية “واس” إلى تعزيز التعاون المشترك بين الدول المشاركة وتبادل الخبرات ورفع مستوى الجاهزية القتالية لمواجهة التحديات الإقليمية بالمنطقة.

وليس هذا التمرين هو الأول فقد سبق وأن أرسلت الرياض منتصف مارس الماضي مقاتلات سعودية من طراز “أف – 15 سي” إلى جزيرة كريت مع أطقمها الكاملة للمشاركة في مناورة تدريب مع اليونان في منطقة شرق المتوسط.

وسعت السعودية للحصول على بديل لمنظومتي صواريخ ثاد وباتريوت التي سحبتها الولايات المتحدة من مواقع سعودية حيوية في سبتمبر الجاري.

العرب