نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا لمايكل هيرش قال فيه إن إيران بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تحاول ملء الفراغ في الشرق الأوسط.
لا يزال لدى إدارة الرئيس بايدن أمل بالعودة إلى الاتفاقية النووية عام 2015 مع طهران، لكن المسؤولين الأمريكيين يخشون من تحرك إيران نحو “خطة ب”.
وأشار إلى أن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين عبروا عن مخاوفهم من استخدام طهران “تأثير أفغانستان” لبناء القنبلة النووية. ففي الأسبوع الماضي ظهر وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين عبد اللهيان ولأول مرة على المسرح الدولي، وأذهلت تصريحاته في الأمم المتحدة المراقبين الذين رأوا فيها ثقة زائدة بالنفس إلى درجة الغرور. ولا يزال لدى إدارة الرئيس بايدن أمل بالعودة إلى الاتفاقية النووية عام 2015 مع طهران، لكن المسؤولين الأمريكيين يخشون من تحرك إيران نحو “خطة ب”، فهي تقوم بالتفاوض في وقت تموضع فيه نفسها نحو خرق سريع في السلاح النووي.
وتأتي هذه النتيجة الخطيرة بعد الخروج المتعجل لجوي بايدن من أفغانستان وما تبع ذلك من سيطرة سريعة لحركة طالبان على السلطة في كابول. وهو ما أوضح لأعداء الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء رغبة بايدن الانسحاب من المنطقة للتركيز على التهديد الصيني. ويطلق البعض على هذا، بـ “تأثير أفغانستان” والذي أضر بمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقال دينس روس، الدبلوماسي الأمريكي السابق في الشرق الأوسط ” الإيرانيون لم يعودوا يخافون منا، هظا بات واضحا “. و “هذا يعني أنه لم يعد لدينا الردع الذي نحتاجه سواء في الموضوع النووي أو بالمنطقة”. ويصف روس وغيره هذا الوضع بأنه مفارقة معكوسة للحملة الدولية ضد إيران والتي سادت قبل خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015. وبناء على تلك الاتفاقية وافقت إيران على مستوى محدود من تخصيب اليورانيوم والسماح بنظام تفتيش لمنشآتها من فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال روس “تبنت إيران الآن نهج “أقصى ضغط” ضد الولايات المتحدة. وتبنت نهجا ترامبيا ضدنا بتوقعات تنازلات منا”.
وفي عام 2018 أعلن ترامب وبدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه بنيامين نتنياهو عن خروجه من الاتفاقية “الرهيبة” أو “الخطة المشتركة الشاملة للعمل”. ثم قام ترامب بفرض ما أسماه المسؤولون الأمريكيون حملة “أقصى ضغط” بما فيها مجموعة من العقوبات بهدف جلب طهران إلى طاولة المفاوضات. وفشل كل هذا وثبت خطأ رهان نتنياهو من أن إيران قد تنهار بشكل كامل تحت وطأة العقوبات أو يجبر ترامب على ضربها عسكريا. واليوم باتت إيران أقرب للقنبلة النووية من أي وقت مضى، حسب تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية والخبراء.
ويعتقد بعض الخبراء أن شهرا يفصل إيران من حصولها على المواد الانشطارية أو اليورانيوم المخصب المستخدم في سلاح الأسلحة لإنتاج قنبلة نووية واحدة. وفي يوم الإثنين سافر مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان إلى السعودية لمعالجة الحرب المستمرة في اليمن بين وكلاء كل من السعودية وإيران. هو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال راغبة بالمشاركة في المنطقة. لكن المسؤولين السعوديين يراقبون تحركات بايدن أكثر مثل سحب منظومة صواريخ باتريوت ومقاتلات حربية من الأراضي السعودية، مما يظهر لهم أن الولايات المتحدة في تراجع، كما يرى روس وغيره من الخبراء.
إدارة بايدن تعبد الطريق أمام سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو ما كانت الخطة المشتركة الشاملة للعمل تهدف لمنع حدوثه.
وأكثر من هذا أظهرت السعودية استعدادا للبحث عن السلاح النووي حالة امتلاك إيران له. وعبر رسائلها المتناقضة وغير الواضحة حول ما يمكن اعتبارها خطوطا حمر فإن إدارة بايدن تعبد الطريق أمام سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو ما كانت الخطة المشتركة الشاملة للعمل تهدف لمنع حدوثه.
وسواء وصلت طهران لنقطة تستطيع من خلالها بناء السلاح النووي أم لا، إلا القلق الحقيقي نابع امتلاكها المعرفة النووية لبنائها بشكل سريع، كما هو حال اليابان. وحتى هذه النتيجة المعروفة بالوصول للعتبة فإنها قد تغير ميزان القوة في المنطقة وبشكل درامي. ورغم إعلانات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، إلا أن الكثير من الخبراء يعتقدون أنه يريد الوصول للعتبة. ويعلق ضابط سي آي إيه السابق والخبير في الشأن الإيراني رويل مارك غيريتش “سيكون هذا جزءا من ميراث خامنئي كتعبير عن هيبة الثورة الإسلامية أو الرهبة التي لا تقهر”. وقال “بعد أفغانستان وحديثه عن إنهاء الحروب التي لا تنتهي، فليس من المتخيل استخدام بايدن القوة العسكرية ضد إيران. وربما فعل الإسرائيليون هذا”.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة يوم الإثنين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت “وصل البرنامج النووي الإيراني لحظة حاسمة وكذا صبرنا. ولا توقف الكلمات أجهزة الطرد المركزي عن العمل”. لكن الإسرائيليين، مثل السعوديين والإمارات العربية المتحدة قلقون من عدم حصولهم على دعم من بايدن سوى التطمينات.
وقال عاموس هرئيل، كاتب العمود في الشؤون الأمنية بصحيفة “هآرتس” “هناك الكثير من القلق حول ما حدث في أفغانستان. وبات من الواضح للإسرائيليين أن أولويات الولايات المتحدة الآن هي الصين وكوفيد-19 والتغيرات المناخية.
ولا تعتبر إيران في قائمة الموضوعات الثلاثة المهمة”. ورغم خطاب نتنياهو المتشدد من إيران إلا أنه لم يحضر الجيش الإسرائيلي لضربها، كما قال هرئيل في مقابلة معه. ونتيجة لذلك يناقش خبراء الأمن الإسرائيلي وبسرعة سلسلة من الخيارات الجديدة تضم عمليات تخريب واغتيالات لعلماء الذرة الإيرانيين. وفي مقال رأي نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” بداية الشهر الحالي كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق إيهود باراك إن إيران وصلت إلى حالة العتبة. وقال بنحام بن تليبلو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية إن “العامل الأكبر الذي يقوي ظهر إيران هو اعتقاد النظام أنه لم ينج فقط من حملة أقصى ضغط واستمر بعد ترامب ولكن لأن العقوبات التي شلته لن تأتي إليه مرة أخرى”.
وعبر أمير عبد اللهيان وزير الخارجية عن والرئيس إبراهيم رئيسي عن رغبة طهران بالعودة وقريبا إلى المحادثات النووية في فيينا. وقال عبد اللهيان “نقوم حاليا بمراجعة ملفات التفاوض في فيينا وسيتم استئناف المفاوضات الإيرانية مع الدول الأربع زائد واحد قريبا”. ويرى دبلوماسيون أن إيران تحاول البحث عن تفاوض والإقتراب في نفس الوقت من النقطة الحاسمة: وهي الحصول على كميات من اليورانيوم المخصب والكافي للقنبلة. وعندما سئل مسؤول أمريكي عن الخطة البديلة حالة فشل محادثات فيينا، قال “الخطة ب التي نشعر بالقلق منها هو تفكير إيران بمواصلة برنامجها النووي”. والأمل الوحيد كما يقول مراقبو الشرق الأوسط هو قيام الولايات المتحدة والدول الغربية قرارا للرقابة على مستوى مجلس مدراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي. لكن الإجماع الغربي آخذ بالتلاشي، ففرنسا غاضبة من الولايات المتحدة بسبب دورها في خرق أستراليا صفقة غواصات مع أستراليا، أما ألمانيا فتواجه معركة على خلافة المستشارة أنغيلا ميركل. ويزيد من ثقة إيران هو أن الدول التي انضمت للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة مرة يضعف. ويصدق هذا على الصين التي أعربت عن استعداد للتعامل مع إيران واستأنفت مشتريات البترول منها. وبدأت طهران بإرسال لحليفها حزب الله في لبنان عبر سوريا. وفي الأيام القليلة الماضية وافقت الصين على انضمام إيران منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تحالف يورو- أسيوي تهيمن عليه الصين وروسيا، ويضم باكستان والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ويقول علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل ” الإيرانيون واثقون من أنفسهم والوقت لصالحهم والنفوذ الأمريكي وصل ذروته”. و “عندما تستأنف العلاقات فسيأتون إليه باعتقاد أن الغرب لم يعد لديه أي خيار بل تقبل مطالبهم المتعلقة برفع العقوبات”.
القدس العربي