قمة سوتشي اليوم: توقعات متدنية بشأن إدلب

قمة سوتشي اليوم: توقعات متدنية بشأن إدلب

يحضر ملف الشمال الغربي من سورية بنداً أساسياً في قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية، حيث من المتوقع أن تُراجع موسكو وأنقرة مجمل التفاهمات حول هذا الملف الأكثر سخونة في المشهد السوري. وقبيل القمة التي ربما يحضرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وسّع الجانب الروسي دائرة التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها خلال الأيام القليلة الماضية. وحول لقاء سوتشي، ذكرت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، أمس الثلاثاء، أن أردوغان وبوتين سيبحثان خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن المتوقع أن يناقش الزعيمان التطورات الإقليمية الراهنة والقضايا الدولية، وعلى رأسها التطورات في سورية وليبيا وأفغانستان.

اعتبر أكار أن الهجمات الروسية في إدلب تُساهم في تصاعد التطرف

بدوره، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن اللقاء سيركز بشكل أساسي على ملف سورية والعلاقات التجارية بين البلدين. وأوضح في تصريحات صحافية أمس، أن المساعدات الإنسانية إلى سورية والملف الليبي يمكن أن يكونا أيضاً ضمن جدول أعمال الاجتماع. وفي إطار استمرار الغارات الروسية على إدلب، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: “نحن ملتزمون بأسس الاتفاق المبرم مع روسيا، وننتظر من الطرف المقابل تحمل مسؤولياته المتعلقة بالاتفاق”. وأضاف عقب اجتماع الحكومة التركية، مساء أول من أمس الإثنين، أن “الروس يقولون إنهم يستهدفون المجموعات الإرهابية في إدلب، إلا أن ضحايا هذه الهجمات ليس بينهم إرهابيون”. وأوضح أن الهجمات تُعدّ سبباً لتزايد الهجرة وتصاعد التطرف بين سكان المنطقة، مؤكداً على أهمية استمرار وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار. ورداً على سؤال حول التنسيق بين تركيا وروسيا في المنطقة، أكد أكار وجود آلية دقيقة هناك، وقنوات تواصل بين البلدين. وفي ملف شرق الفرات، ذكر الوزير التركي أن لدى بلاده مذكرات تفاهم متوازية مع كل من روسيا والولايات المتحدة. وقال: “اتفقنا على انسحاب الإرهابيين ولكن للأسف لا يزال وجودهم مستمراً هناك”.

من جانبها، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أمس، أن “اتفاقي موسكو (الموقّع في 5 مارس/ آذار 2020، والمتعلق بفتح الطريق الدولي أم 4، الرابط بين حلب واللاذقية)، وسوتشي (الموقع في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، والمتعلق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب)، سيوضعان على طاولة المباحثات للخروج بتفاهمات ملزمة للجانب التركي ووفق جدول زمني جديد قصير الأمد ولا يقبل التأويل”. وأضافت الصحيفة أن “الجدول ينصّ على وضع طريق أم 4 في الخدمة، مع خلق منطقة آمنة على طول ضفتيه ومساره الذي يصل إلى 70 كيلومتراً”. وأشارت إلى أن التفاهمات الجديدة تتضمن فصل مسلحي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) عن فصائل المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي “لا سيما من غرفة العمليات المسماة (الفتح المبين)، الناشطة في جبل الزاوية، جنوبي إدلب وجنوبي طريق أم 4”.

وكان الجانبان التركي والروسي قد اتفقا في موسكو، في مارس 2020، على استعادة الحركة على الطريق المذكور، إلا أن تعقيدات ميدانية حالت دون ذلك. ويبدو أن فتح الطريق وتوفير بيئة آمنة في محيطه باتا هدفاً روسياً مستعجلاً، في ظلّ سعي روسيا إلى تنشيط اقتصاد النظام من خلال استعادة السيطرة على الطرق الدولية.

وحول هذه المعطيات، يصف الباحث بالشأن التركي طه عودة أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، قمة أردوغان وبوتين بـ”المهمة”، لكنه يشير إلى أنها معقدة “في ظل تعقيدات سياسية وتشابكات في الميدان على الساحة السورية بين البلدين”. ويرى أنه “من الصعوبة التنبؤ بنتائج القمة ومخرجاتها على المدى البعيد”، مضيفاً: هناك متغيرات جديدة طرأت بالمنطقة بشكل عام وعلى الساحة السورية بشكل خاص.

Getty-Russia’s President Putin and Syria’s President Assad meet in Moscow
رصد
اهتمام تركي ومحاولة لفهم رسائل موسكو إثر لقاء الأسد وبوتين
وحول التوقعات المرتقبة من القمة، يقول عودة أوغلو: يبدو أنها لن تخرج عن الأطر السابقة التي ضبطت مسار العلاقات بين البلدين خلال السنوات الثلاث الماضية. ويعرب عن اعتقاده بأن القمة “لن تخرج بتسوية كاملة لملف إدلب”، مضيفاً: ستبقى التهدئة مرهونة بمدى قدرة الطرفين على تنفيذ بنود الاتفاقات السابقة، وعلى رأسها الطريق الدولي أم 4، في حين تنتظر أنقرة من موسكو النظر في التفاهمات التركية الروسية المتعلقة بـ”الوحدات الكردية” في شرق الفرات، وتنفيذ الروس وعودهم في هذا الصدد.

من جهته، يعرب الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم عن قناعته بأن قمة سوتشي “ستقرّ توافقاً جديداً في استمرار اتفاق موسكو”، متوقعاً في حديث مع “العربي الجديد”، استمرار الخلافات على الملفات الأساسية، مثل ملف “هيئة تحرير الشام”، والطرقات الدولية. ويرجّح سالم “ترحيل الخلافات مرة أخرى، لتبقى قضية الجماعات المتطرفة ذريعة دائمة ومستمرة، تستخدمها روسيا لخرق التفاهمات متى أرادت الضغط على تركيا وكلما سنحت لها الفرصة”. ويتوقع انبثاق توافق هش جديد، مع ترحيل الخلافات إلى لقاءات جديدة، وقد تكون هناك مرونة تركية في موضوع المعابر أو القضايا الاقتصادية مع الروس.

توقعات باستمرار الخلافات حول ملف “هيئة تحرير الشام”

ميدانياً، جمّدت القوات الروسية قصفها لمواقع فصائل المعارضة السورية في مناطق خاضعة للنفوذ التركي، والتي استمرت أياماً في محاولة لرفع سقف التفاوض والحصول على أعلى مكاسب للنظام السوري، قبل يوم من القمة. وساد الهدوء الحذر الشمال الغربي من سورية قبل قمة سوتشي، تخلله تحليق مكثف من طائرات الاستطلاع. كما أُعلن عن دخول رتل جديد من الجيش التركي إلى الأراضي السورية، مساء أول من أمس الإثنين، من معبر كفرلوسين. وأشارت مصادر محلية إلى أن الرتل ضمّ نحو 30 آلية، من بينها دبابات ومدافع ثقيلة، إضافة لعشرات الجنود، موضحة أنه توجه نحو المسطومة، جنوبي إدلب، والتي تضم قاعدة عسكرية تركية.

وفي استمرار لكيل الاتهامات لفصائل المعارضة السورية، ادّعى “مركز المصالحة الروسي في سورية”، أن أنظمة الدفاع الجوي في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، أسقطت طائرة مسيّرة أطلقها مسلحون من إدلب باتجاهها. وجاء في بيان للمركز نُشر على الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية على “فيسبوك”، مساء الاثنين، أن “وسائل المراقبة بقاعدة حميميم الجوية الروسية رصدت طائرة مسيّرة أُطلقت من الأراضي التي تسيطر عليها الزمر المسلحة في منطقة إدلب لوقف التصعيد”. وأضاف البيان أن نظام “بانتسير إس” للدفاع الجوي في القاعدة الروسية “دمّر الهدف الجوي على مسافة بعيدة عن القاعدة”. ولكن المرصد السوري لحقوق الإنسان نفى الادعاءات الروسية، مؤكداً عدم استهداف طائرة مسيرة لقاعدة حميميم الروسية، الأكبر في سورية والواقعة في ريف اللاذقية، غربي البلاد.

وتأتي قمة سوتشي قبل يوم واحد من الذكرى السنوية السادسة للتدخل الروسي العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر 2015، والذي رجّح كفة النظام على حساب المدنيين السوريين. وقالت منظمة “الدفاع المدني السوري” التابعة للمعارضة، في تقرير حديث لها، إنّ روسيا منذ تدخلها في سورية إلى جانب النظام قتلت وجرحت أكثر من 12 ألف مدني، خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر 2015 وحتى 20 سبتمبر الحالي. وبحسب التقرير، فإنّ “الهجمات الروسية، البالغ عددها 5586 هجوماً، أدت على مدى السنوات الست الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين. ووثّقت فرقنا، خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر 2015 حتى 20 سبتمبر 2021، مقتل 4018 مدنياً، بينهم أطفال ونساء”.

العربي الجديد