إيران تسابق الزمن لملء فراغ القوّة في الشرق الأوسط

إيران تسابق الزمن لملء فراغ القوّة في الشرق الأوسط

أثار انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والتطورات المتسارعة التي أعقبته انتقادات حادة من محللين لشؤون الشرق الأوسط، حيث رأى أغلبهم في ذلك فرصة لإيران لتثبيت أقدامها في المنطقة واستغلال انشغال الولايات المتحدة بالمنافسة مع الصين للضغط على القوى الدولية من بوابة المفاوضات حول برنامجها النووي، مستغلة الوقت لاكتساب المعرفة والقدرة الكافية لصنع سلاح نووي.

طهران – ظهر وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبداللهيان، لأول مرة على المسرح الدولي الأسبوع الماضي. وأذهلت تصريحاته في الأمم المتحدة المراقبين، حيث بدا واثقا من نفسه إلى درجة الغرور.

ويقول مايكل هيرش المحلل في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إن كلاّ من المصادر الأميركية والدولية تشير إلى الاعتقاد الناشئ للحكومة الإيرانية بأن لها، لأول مرة منذ سنوات، اليد العليا في الشرق الأوسط، وأنها عازمة على جعل إيران ما يسمى بدولة العتبة النووية تحت غطاء استمرار محادثات مع الغرب.

وقالت إدارة بايدن إنها لا تزال تأمل في العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران. ولكن كبار المسؤولين الأميركيين يخشون في السر من أن إيران تتحرك بالفعل إلى “الخطة ب”: تأجيل المفاوضات بينما تستعد لامتلاك السلاح النووي.

دينيس روس: الإيرانيون لم يعودوا خائفين ونحن لا نمتلك الردع الكافي

وتأتي هذه النتيجة الرهيبة بعد انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن على عجل من أفغانستان واستيلاء طالبان على السلطة بعد ذلك، الأمر الذي أوضح لخصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حدّ سواء حرص بايدن على الانسحاب من المنطقة للتركيز على التهديد الصيني. يسمي البعض التطور “تأثير أفغانستان”، وقد أضر بمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشدة.

قال دينيس روس وهو دبلوماسي أميركي مختص في شؤون الشرق الأوسط “من الواضح أن الإيرانيين لم يعودوا خائفين منا بعد الآن. هذا في حدّ ذاته يعني أننا لا نمتلك حقا مستوى الردع الذي نحتاجه، سواء في القضية النووية أو في المنطقة”. ووصف روس وآخرون ذلك بأنه انعكاس مثير للسخرية لحملة الضغط الدولي على إيران التي سادت قبل انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي لسنة 2015.

وبموجب هذا الاتفاق، وافقت طهران على الحدّ من تخصيب اليورانيوم والخضوع لعمليات التفتيش التابعة للأمم المتحدة مقابل تخفيف العقوبات.

وقال روس إن إيران “تبنت الآن نوعا من نهج الضغط الأقصى على الولايات المتحدة. إنها تتبنى نهجا ترامبيا تجاهنا، مع توقع أننا سوف نتنازل”.

وفي 2018، وبدعم حماسي من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، انسحب ترامب مما أسماه صفقة “مروعة” (خطة العمل الشاملة المشتركة). ثم مارس ترامب ما وصفه المسؤولون الأميركيون بحملة “الضغط الأقصى”، بما في ذلك سلسلة من العقوبات الجديدة، لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات. وفشل هذا الجهد تماما، وأثبت نتنياهو أنه مخطئ في المراهنة على أن طهران إما ستنهار تحت ضغط العقوبات وإما أن ترامب سيضطر لمهاجمة إيران عسكريا.

وأصبحت إيران الآن أقرب إلى امتلاك القنبلة النووية مما كانت عليه في أي وقت مضى، وفقا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء آخرين. ويعتقد بعض الخبراء الآن أن طهران قد تكون على بعد شهر واحد فقط من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية، أو اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، لصنع قنبلة واحدة.

وتوجه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الاثنين إلى المملكة العربية السعودية لمعالجة الحرب المستمرة في اليمن بين وكلاء إيران والسعودية، في إشارة إلى أن واشنطن تعتزم الاستمرار في المشاركة في المنطقة. وقال روس وخبراء آخرون إن المسؤولين السعوديين يولون اهتماما أكبر للإجراءات الأميركية، مثل سحب بايدن صواريخ باتريوت والطائرات المقاتلة من الأراضي السعودية، والتي تشير بالنسبة لهم بشكل أساسي إلى انسحاب أميركي. كما أشارت الرياض منذ فترة طويلة إلى أنه من المرجح أن تبني السعودية قدرتها النووية إذا اقتربت إيران من ذلك.

وهنا يرجح هيرش أن تضع إدارة بايدن الأساس لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، من خلال إرسال إشارات مختلطة وغير واضحة حول ماهية خطوطها النووية الحمراء، وهو بالضبط ما كانت خطة العمل الشاملة المشتركة مصممة لمنعه.

إيران تسعى إلى إرجاء المحادثات بينما تقترب من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة

ويوضح هيرش أنه سواء كانت طهران ستصل إلى النقطة التي تبني فيها سلاحا نوويا بشكل علني أم لا، فإن القلق الأكبر هو أنها، مثل اليابان إلى حدّ ما، ستمتلك المعرفة الفنية واليورانيوم المخصب لصنع قنبلة بسرعة كبيرة. ومن شأن هذه النتيجة، المعروفة باسم حالة العتبة، أن تغير ميزان القوى في المنطقة بشكل كبير. وعلى الرغم من تصريحات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي المنتظمة بأن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، يعتقد العديد من الخبراء أن وضع العتبة هو أقل ما يقبله.

وقال رويل مارك جيريخت، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية وخبير في شؤون إيران “سيكون ذلك جزءا من إرث خامنئي، ومظهرا من مظاهر هيبة الثورة الإسلامية. وليس من المنطقي حقا تخيل بايدن يستخدم القوة العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني بعد أفغانستان. لكن الإسرائيليين قد يفعلون ذلك”.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الاثنين أن “برنامج إيران النووي وصل إلى لحظة فاصلة، وكذلك تسامحنا… لا تمنع الكلمات أجهزة الطرد المركزي من الدوران”.

لكن الإسرائيليين مثل السعوديين والإماراتيين، قلقون بشدة من أنهم لا يتلقون أكثر من مجرد كلمات تطمين من واشنطن. وقال المحلل العسكري بصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل إن “هناك الكثير من القلق بشأن ما حدث في أفغانستان، ومن الواضح تماما للإسرائيليين أن أولويات الولايات المتحدة الآن هي الصين وكوفيد – 19 والمناخ. وليست إيران في واحد من المراكز الثلاثة الأولى”.

وتابع في مقابلة إنه على الرغم من خطاب نتنياهو القاسي، إلا أنه لم يجهز الجيش الإسرائيلي بشكل كامل لشن هجوم على إيران. ونتيجة لذلك، يناقش خبراء الأمن الإسرائيليون بسرعة الخيارات الجديدة، بما في ذلك جهود التخريب الإضافية مثل اغتيال علماء نوويين إيرانيين.

وفي وقت سابق من هذا الشهر قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع إيهود باراك إن على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الواقع الاستراتيجي المتمثل في أن إيران قد تكون بالفعل عتبة نووية.

وقال بهنام بن طالب لو محلل الشأن الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن “إن العامل الأكبر الذي يقوي العمود الفقري لإيران هو أن النظام يعتقد أنه لم ينج فقط من الضغط الأقصى وظل على قيد الحياة بعد إدارة ترامب، ولكن مثل هذه العقوبات والضغوط السياسية المعوقة لن تعود في أي وقت قريب”.

وقال أمير عبداللهيان والرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي إن طهران مستعدة للعودة إلى محادثات خطة العمل المشتركة الشاملة في فيينا، والتي قد تُستأنف خلال الشهر الحالي. وقال عبداللهيان “نراجع ملفات مفاوضات فيينا حاليا وقريبا جدا ستستأنف مفاوضات إيران مع الدول الأربع زائد واحد”. كانت تلك إشارة إلى المفاوضات بين إيران من جهة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا من جهة أخرى. حيث رفضت طهران التفاوض مباشرة مع واشنطن منذ انسحاب ترامب من الاتفاق.

لكن العديد من الدبلوماسيين المرتبطين بالمحادثات قالوا إنهم يعتقدون أن إيران تسعى بشكل أساسي إلى إرجاء المحادثات بينما تقترب من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة. وقال مسؤول أميركي كبير عندما سئل عما إذا كان لدى واشنطن خطة بديلة إذا فشلت محادثات فيينا “إن ‘الخطة ب’ التي نشعر بالقلق حيالها هي تلك التي قد تفكر فيها إيران حيث تريد مواصلة برنامجها النووي”.

مايكل هيرش: سياسة بايدن المتخبطة قد تؤسس لسباق تسلح نووي بالمنطقة

واعتبر مراقبو الشرق الأوسط القدامى أن الأمل الوحيد الآن قد يكون في تبني الولايات المتحدة والدول الغربية قرارا بتوجيه اللوم في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسعي لإحالة تحدي إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن الإجماع الغربي بدأ يتلاشى، مع غضب فرنسا من واشنطن بشأن دورها في خرق اتفاق نووي مع أستراليا وألمانيا في خضم معركة على القيادة على خليفة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وتتعزز ثقة إيران الجديدة أيضا من خلال الشعور بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وانضمت إليه الدول الكبرى الأخرى ذات مرة بدأ يتلاشى. وهذا ينطبق بشكل خاص على الصين، التي أشارت إلى استعدادها للقيام بأعمال تجارية مع طهران مرة أخرى، بعد أن استأنفت مشتريات النفط من إيران. كما استأنفت طهران إرسال الوقود إلى حلفائها في حزب الله في لبنان عبر سوريا التي مزقتها الحرب. وفي الأيام القليلة الماضية فقط، وافقت بكين على طلب طهران الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهو تحالف أوروبي آسيوي تهيمن عليه الصين وروسيا ويضم أيضا الهند وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.

وقال علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية “الإيرانيون واثقون من أن الوقت في صالحهم، وقد بلغ النفوذ الأميركي ذروته. عندما تستأنف المحادثات، سيأتون وهم يعتقدون أن الغرب لن يكون لديه بديل لقبول مطالبهم بشأن رفع العقوبات”.

العرب