افتتح معرض إكسبو دبي 2020، الحدث العالمي الأول من نوعه في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي. وبينما اتجهت أنظار الكثير من الدول إلى متابعة الحدث ومميزاته، وتناولت وسائل إعلام الدول المشاركة تقارير عن أجنحتها الخاصة المتطورة والمثيرة للانتباه، حاولت وسائل إعلام غربية تحريك ملف العمال المهاجرين وتسليط الضوء على الانتهاكات الممارسة ضدهم.
واشنطن – كانت مسألة وقت فقط قبل أن يبدأ الهجوم، فما إن فتح معرض إكسبو 2020 أبوابه في دبي، والذي تأجّل بسبب فايروس كورونا المستجد، حتى امتلأت وسائل الإعلام الغربية بالقصص التي تسلط الضوء على الوفيات والإصابات بين عمال البناء المهاجرين التي وقعت في موقع إكسبو. والمعنى الضمني هو أن القوى العاملة تعرضت لسوء المعاملة وأجبرت على العمل في ظروف غير آمنة، وأن عدد الحوادث والوفيات كان كبيرا جدا، ولا صحة في أي من ذلك.
وعلى مدار ست سنوات من بنائه، أثبت موقع إكسبو 2020 أنه بيئة أكثر أمانا لعمّاله من نظائره من مواقع البناء المعتادة الموجودة في قطاع البناء الأوروبي، لكن نادرا ما تثبت الحقائق فعاليتها أمام التغطية السلبية لدبي، وهي المدينة التي يثير نجاحها ونموها المذهل الحسد والغيرة في نفوس من يقوم بالتغطية الإعلامية الغربية للأحداث في دول الخليج.
حوادث قليلة
حسب وكالة الأنباء رويترز، فقد لقي ثلاثة عمال مصرعهم في حوادث متفرقة خلال السنوات الست التي استغرقها بناء معرض إكسبو 2020، وهذا الرقم أكده المنظمون الذين أضافوا أن أحد الضحايا من بنجلاديش وآخر من باكستان والثالث من ألمانيا.
كما يقول المسؤولون في إكسبو 2020 أيضا إن ثلاثة عمال آخرين ماتوا بعد إصابتهم بفايروس كوفيد – 19، أحدهم كان في موقع العمل، والآخران يعملان في مكتب الموقع.
ومن المؤسف وقوع أي حادث إصابة أو وفاة، لكن ذلك شيء لا مفر منه خاصة في مشروع بهذا الحجم. ولكن حالة وفاة واحدة لكل عامين هي إنجاز في حدّ ذاته، وتعكس مستوى ومعايير الصحة والسلامة التي تم تطبيقها بصرامة في إكسبو 2020.
وأثناء أعمال البناء والتشييد، أصيب 73 شخصا بجروح خطيرة، تطلبت ثلاثة أيام إجازة عن العمل أو أكثر. ومرة أخرى، هذا معدل شبه رائع، كون عدد العمال وصل إلى 200 ألف عامل، وعملوا لأكثر من 247 مليون ساعة عمل.
والأمر الذي يُمثل تحديا أكبر لمصداقية التغطية الإعلامية المناوئة لدبي، هي أن عدد الوفيات والإصابات خلال فترة إنشاء إكسبو 2020 على مدى ست سنوات، كان أقل بكثير من المتوسط في قطاع البناء والإنشاءات في العالم الغربي بشكل عام.
ففي مارس، أصدرت لجنة نيويورك للسلامة والصحة المهنية تقريرها السنوي عن حوادث وفيات البناء، والذي كشف أنه في عام 2019 توفي 24 عامل بناء في مدينة نيويورك، ومثّل العمال المهاجرون من أميركا اللاتينية واحدا من كل خمسة من تلك الوفيات.
وفي الوقت نفسه، في المملكة المتحدة، سجلت إحصاءات من إدارة الصحة والسلامة أنه من بداية عام 2021 حتى شهر مارس، كان هناك 39 حالة وفاة بسبب أعمال البناء.
والفكرة التي تجلت في إكسبو 2020 هي أن “معدل تكرار الحوادث” -وهو حساب يستخدم لقياس الحوادث على مدار فترة زمنية لمشروع ما- كانت 0.03 مقارنة بـ0.07 في قطاع البناء في بريطانيا.
وتلك إحصائيات أخرى تظهر براءة مدينة دبي مما ينالها من تطاول وتجاسر من قبل بعض القنوات الإعلامية.
ويرصد الاتحاد الأوروبي بيانات سلامة الموظفين من خلال تطبيق مقياس يُعرف باسم معدل الحدوث، وهو عدد الحوادث غير المميتة أو المميتة في العمل لكل 100 ألف موظف. وفي عام 2018، بلغ متوسط معدل الإصابة في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة حوالي 1600 حادث خطير لكل 100 ألف عامل. وفي المقابل، 73 حادثا فقط على مدار ست سنوات، وعليه فإن معدل الحوادث السنوي في إكسبو 2020 هو ستة فقط سنويا لكل 100 ألف عامل.
وبالمثل، بلغ معدل وقوع الحوادث المميتة في الاتحاد الأوروبي في عام 2018 نسبة 2.21 في المئة حادثا مميتا لكل 100 ألف شخص، فماذا عن ذلك المعدل في إكسبو 2020؟ فقط 0.25 في المئة لكل 100 ألف.
وبطبيعة الحال، فإن قطاع البناء في أوروبا ليس مسؤولا عن جميع وفيات العمل في أوروبا. لكنه مسؤول عن 20 في المئة منها، مما يعني أن سجل السلامة الخاص بها من حيث الوفيات (0.44 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص) يكاد يكون ضعف سجل إكسبو 2020، مع تباين مماثل في الإصابات غير المميتة.
بمعنى آخر، تُظهر الإحصائيات أن تسليط الضوء على الوفيات والإصابات أثناء تشييد إكسبو 2020 لا مبرر له على الإطلاق.
إذن ماذا عن استغلال كل تلك العمالة القادمة من جنوب آسيا؟ وتلك قصة قديمة تم ترديدها على مسامعنا كثيرا، وتصدت لها دبي والإمارات العربية المتحدة مرارا وتكرارا، من خلال فتح مساكن العمال للتفيش وفرض قانون سلامة صارم، فضلا عن أمور أخرى، مثل حضر العمل في الخارج خلال ساعات الظهيرة أثناء أشهر الصيف.
هل تم انتهاك بعض القواعد في موقع إكسبو؟ نعم صحيح، كان هناك بعض الانتهاكات، فقد كان إكسبو مشروعا ضخما، عمل فيه ما لا يقل عن ألفي مقاول رئيسي وألفي مقاول من الباطن، وكل منهم يوظف عمالة.
ولكن وحدة رعاية العمال في معرض دبي إكسبو أجرت تحقيقات وتعاملت بسرعة كلما ظهرت انتهاكات لحقوق الموظفين، وخسر مقاولان على الأقل عقودهما بعد إخفاقهما في معالجة الانتهاكات المبلّغ عنهما.
واحدة من القضايا التي منيت بها العمالة الوافدة في الإمارات العربية المتحدة هي ممارسات شركات التوظيف عديمي الضمير في بلدانهم الأصلية، حيث طالبوا برسوم توظيف، وقد تم حظر هذه الممارسات من قبل الإمارات، وبعد تحقيق داخلي في إكسبو، تم تعويض 300 عامل، من الذين دفعوا تلك الرسوم غير القانونية.
ولم يتم التطرق إلى نقطتين رئيسيتين في كافة التغطيات الإعلامية اللافتة للنظر لـ”محنة” العمال المهاجرين.
وحدة رعاية العمال في معرض دبي إكسبو أجرت تحقيقات وتعاملت بسرعة كلما ظهرت انتهاكات لحقوق الموظفين
الأولى هي أنه ما كان لهؤلاء العمال القدوم إلى دول الخليج للعمل إذا كانت الظروف والوظائف في بلدانهم الأصلية أفضل مما هي عليه في الخليج.
والثانية هي أن الملايين من البشر في بلدان مثل باكستان وبنغلاديش، مجتمعات بأكملها في الكثير من الحالات، يعتمدون على الأموال التي يكسبها العمال المهاجرون ويرسلونها إلى أوطانهم: وفي العام الواحد، يتدفق أكثر من 4.6 مليار دولار إلى باكستان وحدها من التحويلات المالية من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأخيرا، سيفهم الذين يتابعون كارثة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي نفاق التغطية الإخبارية السلبية المتعلقة بإكسبو 2020. ويمكن تشبيه انسحاب المملكة بحادث سير بطيء نتج عنه الخروج الكارثي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتعصف بالمملكة المتحدة حاليا سلسلة من الأزمات الاقتصادية، ترتبط جميعها بحقيقة أن العديد من صناعاتها، من الزراعة إلى النقل، لم يعد بإمكانها الاعتماد على العمالة الرخيصة التي اعتادت الحصول عليها من الدول الأوروبية الفقيرة، فلم يكن البريطانيون مستعدين للعمل مقابل رواتب منخفضة وظروف سيئة، وما زالوا غير مستعدين.
ومن الجلي الآن بالنسبة للمملكة المتحدة أن “حرية التنقل” قد تغيرت الآن لتعني الحرية في استغلال العمالة من البلدان الفقيرة. وربما من اللازم على الصحافة العربية تغطية تلك الفضيحة.
العرب