أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته مراسلتها في بغداد جين عراف إلى أن الانتخابات العراقية لم تتغير، فالعامل الحاسم فيها هو المال والسلاح. وقالت إن الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة من المتوقع فوزها في الانتخابات الخامسة يوم الأحد. وتحدثت في البداية عن حملة لعصائب الحق المتهمة باستهداف السفارة الأمريكية بالمقذوفات الصاروخية والمدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، حيث وضعت لافتة ضخمة أمام مقرها تظهر مبنى الكابيتول الأمريكي وقد ابتلعته الخيام الحمراء، وهي رموز لمعركة كربلاء في القرن السابع وفيها تلميح بالانتقام والدفاع عن الشيعة.
من المرجح أن تعيد الانتخابات نفس الوجوه ونفس اللاعبين الرئيسيين إلى السلطة، بما فيها الحزب المؤيد لمقتدى الصدر، وتحالف مرتبط بالميليشيات المدعومة من إيران، والحزب الكردي المهيمن في إقليم الحكم الذاتي في كردستان.
وقالت إن الانتخابات العراقية وبعد 18 عاما من الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بصدام حسين لا تزال تعبر عن نظام تسيطر عليه الأموال والأسلحة، ولا يزال منقسما على أسس طائفية وعرقية. وأضافت أنه من المرجح أن تعيد الانتخابات نفس الوجوه ونفس اللاعبين الرئيسيين إلى السلطة، بما فيها الحزب المؤيد لمقتدى الصدر، وتحالف مرتبط بالمليشيات المدعومة من إيران، والحزب الكردي المهيمن في إقليم الحكم الذاتي في كردستان.
ويأمل البعض أن يؤدي التعديل الذي أجري على قانون الانتخابات وحركة الاحتجاج التي كانت مبرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التبكير في هذه الانتخابات قبل عام من موعدها، أن تدفع بمرشحين خارج المنظومة الحزبية التقليدية إلى البرلمان العراقي المختل وظيفيا.
وأشارت عراف إلى مشكلة تتعلق في إقناع الناخبين المحبطين وأن التصويت يستحق المعاناة والخروج إلى صناديق الاقتراع، وهم يرون الفساد المتفشي لدرجة أن العديد من الوزارات الحكومية تركز على الرشاوى أكثر من تقديم الخدمات العامة. وفي بلد ينظر فيه إلى الميليشيات وأجنحتها السياسية أنها في خدمة المصالح الإيرانية أكثر من مصالح العراق.
وأضافت أن أيا من الأحزاب لم يقدم برامج سياسية مقنعة، وبدلا من ذلك يتم اجتذاب الناخبين على أساس الولاء الديني أو العرقي أو القبلي. ونقلت عن وسام علي الذي كان يسير في أحد شوارع وسط المدينة: ” “لقد قمت بالتصويت في الانتخابات الأولى ولم تحقق أهدافنا ثم قمت بالتصويت في الانتخابات الثانية وبقيت نفس الوجوه فقررت عدم التصويت في المرة الثالثة”.
وقال علي، من محافظة بابل جنوب بغداد، إنه درس على مدى السنوات الـ 14 الماضية في المدارس الحكومية كمدرس مؤقت ولم يتمكن من الحصول على وظيفة تدريسية حكومية لأنه لا ينتمي إلى حزب سياسي.
وشهدت بغداد والمحافظات الجنوبية موجة من الإحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر، للمطالبة بالوظائف والخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة. وطالب المحتجون ومعظمهم من الشباب الشيعة بتغيير النظام السياسي حيث يتم منح الوزارات الحكومية كجوائز لأكبر الكتل السياسية. وكان موضوع إنهاء النفوذ الإيراني في العراق واحدا من المطالب التي رفعها المحتجون. وركزوا على الدور الذي تلعبه الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن طهران. ومع أنها أصبحت رسميا جزءا من قوات الأمن العراقية، ولكنها تخضع اسميا لسيطرة الحكومة.
وردت قوات الأمن وقتلت ما يقرب من 600 متظاهرا سلميا، وفقا للمفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان.
وتشير تقديرات أخرى إلى أن عدد القتلى هو 800 شخصا. ويحمل الناشطون مسلحي الميليشيات المسؤولية في الكثير من حالات القتل.
وفي العام الماضي تم انتخاب مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء بعدما أجبرت الاحتجاجات الحكومة السابقة على التنحي. وبينما كانت الانتخابات المبكرة وعدا رئيسيا في حملته الانتخابية، لم يتمكن الكاظمي من الوفاء بمعظم ما تبقى من تعهداته مثل تقديم الذين يقفون وراء قتل الناشطين إلى العدالة، وكبح جماح الفساد والحد من سطوة الميليشيات المدعومة من إيران.
وأشارت الصحيفة إلى إمكانية فوز مرشحي الأحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين بمقاعد في البرلمان، مما يوسع من دائرة التمثيل البرلماني. وقالت إن النظام الانتخابي العراقي بأخطائه وحالات التزوير فيه لا يزال من أفضل الأنظمة في العالم العربي. ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي العراقي، مهند عدنان قوله: “إنه ليس نظاما مثاليا لكنه أفضل بكثير من النظام القديم”. مضيفا أن حركة الإحتجاج والقمع الدموي لها ربما أدت إلى خسارة بعض الأحزاب الراسخة جزء من دعمها. ويأمل بعض المرشحين في الاستفادة من رد الفعل القوي ضد الكتل السياسية التقليدية.
وقالت فاتن محيي، أستاذة التاريخ في الجامعة المستنصرية في بغداد، إن طلابها شجعوها على الترشح للمنصب. وقالت محيي، المرشحة عن حزب مرتبط بالاحتجاجات المناهضة للحكومة، إن العديد من الناس في دائرتها الانتخابية من الطبقة الوسطى خططوا لمقاطعة الانتخابات لكنهم غيروا رأيهم. وقالت محيي: “عندما اكتشفوا أننا مرشحون لحركة الاحتجاج قالوا ‘سنعطيك أصواتنا’. سنكون كتلة معارضة لأي قرار يصدر عن الأحزاب السياسية الفاسدة”. وتظل المخاوف من التزوير كما في الإنتخابات السابقة سببا في تردد الناخبين المشاركة فيها، فهناك عدم ثقة.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في البلاد 21 مليون شخص من بينهم ما يقرب عن مليون ناخب يحق لهم التصويت لأول مرة. وعلى الرغم من حملة إعلانات على تيك توك والأساليب الأخرى التي تهدف إلى الوصول إلى الناخبين الشباب، يقاطع الكثير منهم الانتخابات.
وقال أحمد عدنان، 19 عاما: “في كل انتخابات يأتي مرشح إلى مسجد بالقرب من منزلنا ويعد ببناء مدارس وتعبيد الشوارع”، وقال إن المرشح وينتخب كل مرة، لكن لم يتم تنفيذ أي من هذه الوعود. وقال صديقه، سجاد فضل، 18 عاما، إن مرشحا جاء إلى باب منزله وعرض عليه شراء صوته مقابل 300 دولار. وقال فضل، الذي يدرس في معهد تقني ويقاطع التصويت: “لقد رفض (المرشح) الكشف عن الحزب الذي كان يرشح نفسه له”. وفي بعض المناطق التي يوجد فيها المزيد من الأموال ويشتد التنافس، يصل السعر الجاري لشراء تصويت إلى 1000 دولار، وفقا للعديد من المسؤولين القبليين.
القدس العربي