في انتخابات تشهد أكبر نسبة مقاطعة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لم يكن مشهد التنافس في المحافظات ذات الغالبية السنية مختلفاً بشكل كبير عما جرى في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، إذ شهدت المدن السنية هي الأخرى عزوفاً كبيراً عن الاشتراك، فيما بلغت الاستقطابات السياسية قمتها بين المتنافسين الرئيسيين.
وبدا مشهد التنافس الانتخابي في المحافظات ذات الغالبية السنية محصوراً بين تحالفي “تقدم” الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، وتحالف “عزم” الذي يرأسه خميس الخنجر، إذ لم تشهد الخريطة السنية أي متغيرات كبيرة في تلك الانتخابات، ويكاد المشهد يخلو من أي قوى جديدة منافسة.
وعلى الرغم من انحسار المنافسة بين هاتين القائمتين فإن التفاوت كان واضحاً، إذ حصد تحالف رئيس البرلمان نحو ثلثي مقاعد المحافظات السنية. ويعزو مراقبون ذلك إلى عوامل عدة من بينها أن منصب رئاسية البرلمان يمثل منصة رئيسة للسيطرة على الأجواء السياسية السنية.
انحسار المنافسة بين “تقدم” و”عزم”
ووفقاً للنتائج الأولية، انقسمت نتائج الانتخابات على أبرز كتلتين في المحافظات السنية “تقدم” و”عزم”، إذ حصل تحالف “تقدم” بقيادة الحلبوسي على نحو 40 مقعداً، وحل تحالف “عزم” بقيادة الخنجر في المرتبة الثانية بنحو 17 مقعداً.
ويشير الكاتب والصحافي، محمود النجار، إلى أن السبب في استحواذ هذين التحالفين على أصوات المكون السني يتمثل في اعتبارات عدة أهمها “القدرة المالية، والماكينة الإعلامية والتأييد العشائري لهذين التحالفين”.
وتنافست خمس كتل رئيسة في الشارع السني، فبالإضافة إلى تحالفي “تقدم” و”عزم”، تشير التقارير الأولية إلى حصول حزب “الجماهير” بقيادة أحمد الجبوري على نحو خمسة مقاعد، أما “المشروع الوطني” بقيادة جمال الضاري فحصل حتى الآن على مقعدين، فيما لم تحصل قائمة “متحدون” التي يتزعمها رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي على أي مقاعد.
ويرى النجار أن “عدم دخول الكتل الثلاث الأخرى في تحالف واحد لمنافسة الخنجر والحلبوسي أسهم بشكل كبير في تشتيت أصواتها”.
ولطالما شهدت الأجواء السنية في العراق أزمات كبيرة مع اقتراب تشكيل الحكومة. ويشير النجار إلى أن تشعب العلاقات الداخلية والخارجية للكتل السنية الرئيسة سيسهم في “خلق أزمة عند تشكيل الحكومة، وربما ستضيع مكاسب كثيرة للمكون السني لحساب التحالفات الكردية التي ستملأ الفراغ”.
وبالإضافة إلى “استغلال الحلبوسي مشاريع إعادة الإعمار من أجل الدعاية الانتخابية”، حسب النجار، فإن تحالف “تقدم” حصل على تأييد كبير داخل المجتمع السني في العراق، بسبب تركيزه على “مخاطبة الجماهير السنية باسم المكون وضرورة حصوله على تمثيل كبير والإبقاء على حالة التوازن في تشكيل الحكومة المقبلة”.
ويتابع النجار أن “قرب تحالف عزم من الفصائل المسلحة الموالية لإيران وعلاقاته بدولة قطر، فضلاً عن وعوده التي لم تنفذ في ما يتعلق بإعادة النازحين وعدم تمكنه من إقناع الميليشيات بذلك، أمور تسببت بشكل واضح في خسارته كثيراً من أصوات المكون لمصلحة الحلبوسي”.
وعلى الرغم من احتمالية أن يبلغ عدد مقاعد المكون السني في البرلمان العراقي نحو 70 مقعداً، وهي النسبة الكبرى التي تحصل عليها الكتل السنية في الانتخابات العراقية منذ 2003، فإنها تبدو “مخيبة” كما يعبر النجار، الذي يلفت إلى أن كتلاً شيعية وكردية تمكنت من “تحقيق العديد من المقاعد في المحافظات السنية”.
وحسب النجار، فإن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” حصد أكثر من 14 مقعداً في المحافظات السنية، يليه “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي بثمانية مقاعد، ثم تحالف “الفتح” بمقعدين، و”العقد الوطني” بمقعد واحد، بالإضافة إلى مقاعد الأقليات والمستقلين.
المال السياسي واستغلال السلطة
ويؤكد مراقبون أن السبب الرئيس في نجاح الحلبوسي في حصد هذا العدد من المقاعد يعود إلى منصبه (رئيس البرلمان) الذي يصنع زعامة المكون السني، والذي مكنه من السيطرة على تلك المدن خلال السنوات الماضية.
ولم تشهد المدن السنية ظهوراً لافتاً لتيارات سياسية جديدة أو مستقلين، على غرار ما جرى في الأجواء الشيعية، تحديداً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وعلى الرغم من فوز عدد من المستقلين في المدن السنية، فإن مراقبين يرجحون أن يتحالفوا مع الأقطاب الرئيسة في الأجواء السنية.
اقرأ المزيد
تقييم أولي لنتائج الانتخابات التشريعية في العراق
ما قصة “الصدريين” الذين حصدوا مقاعد البرلمان؟
خمس دورات انتخابية سعت إلى نظام ديمقراطي عراقي… فهل نجحت؟
الأقليات العراقية تشكي من استحواذ الأحزاب على مقاعدها البرلمانية
ويرى المتخصص في الشأن الأمني والسياسي، غانم العيفان، أن “المقاعد التي حصدتها القوى السنية في الانتخابات لا تعبر بشكل حقيقي عن إرادة المجتمع السني في البلاد، إذ كانت نسب المقاطعة واسعة وكان للمال السياسي واستغلال السلطة الدور الأكبر في حسم نتائجها”.
ويضيف العيفان أن تحالف “تقدم” نجح في “توظيف مقومات السلطة لصالحه، وهو الأمر الذي مكنه من السيطرة على الأصوات في تلك المدن، بالإضافة إلى المال السياسي والإعلام”.
ويشير إلى أن التفاوت الكبير بين القائمتين الرئيستين، “تقدم” و”عزم”، “كان مفاجئاً”، مضيفاً أن “هذا التفاوت يضع علامات استفهام كبيرة على الانتخابات”.
ويتابع أن “المجتمع السني في العراق شهد نسب اشتراك ضئيلة جداً، نتيجة شعوره بعدم جدوى الاشتراك في الانتخابات كوسيلة لتغيير المعادلة السياسية نتيجة انحسار الصراع بين الحلبوسي الذي تعارضه فئات اجتماعية واسعة في المدن السنية، والخنجر الذي دخل متأخراً”.
ويختم أن السبب الرئيس في عدم دخول كتل منافسة للتيارات التقليدية يتلخص في “ضعف تمويلها وغياب أدوات العمل السياسي لها، فضلاً عن عدم وجود داعمين”، لافتاً إلى أن نسبة المشاركة الحقيقية في المحافظات السنية “لا تتجاوز حدود 22 في المئة”.
“تجربة الإعمار”
في المقابل، يرى سعدون شيحان، الباحث في الشأن السياسي من محافظة الأنبار، أن نتائج المحافظات السنية في الانتخابات “كانت متوقعة بشكل كبير”.
ويضيف أن تحالف “تقدم” ضم شخصيات فاعلة منها محافظ الأنبار وبرلمانيون يمتلكون جمهوراً واسعاً، فضلاً عن عدد من شيوخ العشائر، وهو الأمر الذي أسهم في “حسم الانتخابات لصالحهم”.
وبالإضافة إلى “تنظيم آليات العمل الحزبي لتحالف تقدم”، كما يعبر شيحان، فإن الاعتماد على “نجاح تجربة الحلبوسي في الأنبار من خلال إعادة الإعمار ودعم الاستقرار فيها، فضلاً عن استنفاره الجهود الحكومية لإعادة محافظتي نينوى وديالى كانت الأسباب الرئيسة في حصده هذا العدد من المقاعد”، مضيفاً أن تحالف “عزم” “أخفق خلال السنوات الماضية في تحقيق وعوده بعودة النازحين”.
ولعل المفارقة اللافتة، حسب شيحان، تتمثل في “إعلان العديد من المستقلين بعد يوم واحد فقط من إعلان فوزهم الالتحاق بتحالف (تقدم)، ما يعطي مؤشراً على بناء قوة مكوناتية تستطيع أن تقدم شيئاً للجمهور السني في البلاد”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي