تتفاعل الأحداث في منطقة آسيا الوسطى وتتسارع حدة المواقف بين الإدارة الأمريكية وحلفائها والصين الشعبية وشركائها بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وطبيعة الأوضاع الميدانية التي فرضها غياب القوات الأمريكية ومغادرتها الأراضي الأفغانية بشكل لم يكن يتوقعه العالم ولم تسعفه جميع التحليلات والتوقعات التي لم تأتي منسجمة مع الاحتياطات الميدانية والعسكرية التي كانت في مخيلة الإدارة الأمريكية، وأصبحت هذه المنطقة تشكل انعطافا مهما للعلاقات الدولية والإقليمية وانعكست بصورة جدية على كيفية التعامل مع المستجدات الاقتصادية في منطقة المحيط الهادي والهندي والتي هي من اهتمامات القطب الصيني كونه يسعى إلى تنفيذ خطته المحكمة والمعروفة ب(الطريق والحزام) والتي تتطلب جهدا وتنسيقا سياسيا كبيرا وعمقا استراتيجيا وميدانيا في علاقة الصين بجميع الدول المجاورة لها والممتدة على سواحل المحيطين الهادي والهندي .
من هنا جاءت تصريحات(وليام بيرنز) مدير وكالة المخابرات المركزية بتاريخ السابع من تشرين الاول ٢٠٢١ عن إنشاء مركز خاص للتعامل مع التحدي العالمي الذي تشكله الصين، وأكدت الوكالة الأمريكية(ان مركز المهام الخاصة بالصين CMC سيعمل على التعامل مع التحدي الصيني الذي يطال جميع المجالات التي تنفذ فيها الوكالة مهامها ) وأعطى رئيس الوكالة بيرنز صورة واضحة على الفعل الجماعي وتعزيزه في مواجهة أكبر خطر جيوسياسي تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين بوجود حكومة صينية أكثر عدوانية، مؤكدا أن الاجراءات الأمريكية ستواصل في التركيز على مخاطر أخرى تتعلق بروسيا العدوانية واستفزازات كوريا الشمالية والمواقف العدوانية للنظام الإيراني ، إضافة إلى التحديات الدولية في مواجهة أساليب وادوات الإرهاب العالمي.
منحت التصورات الأمريكية واقعا ميدانيا يعتبر الصين الشعبية انها تشكل الآن أكبر تحدي عميق ومتعدد الاتجاهات السياسية الأمريكية وحلفائها من بعض الدول الاوربية في مجالات عديدة منها التبادلات التجارية والمشاريع التنموية والذكاء الصناعي وتغير المناخ وعلى الاتحاد الأوربي أن يعلم أنه بتعاونه ومشاركته للإدارة الامريكية في سياستها وتوجهاتها نحو الصين انما يواجه شريكا صعبا في المجال الاقتصادي وعليه أن يوازن بين المحافظة على مصالحه التجارية مع بكين والسياسية مع واشنطن، وهنا تبرز الأهمية الإستراتيجية في كيفية التعامل مع الوقائع التي بدأت تأخذ مديات عديدة في منطقة مهمة تعتبر انطلاقة حقيقية للأهداف والتوجهات الصينية لتنفيذ خطته الاقتصادية العالمية الممتدة عبر المحيط الهادي باتجاه آسيا الوسطى عبر تعزيز علاقته مع الحكومة الأفغانية الانتقالية وجعل الحدود المشتركة بينهما فاصل أساسي لوضع الأسس والركائز لمشروعه العالمي الذي يقلق الإدارة الأمريكية وتعتبره أكبر مواجهة وتحدي لها ، ومن هنا جاءت التحركات الأمريكية باتجاه إيجاد تحالف سياسي أمني علمي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واستراليا وأطلق علية تسمية ( اوكوس) الذي جاء بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وليعطي دلالة ميدانية على أن واشنطن لا زالت تمتلك سياسة خارجية جدية في معالجة التطورات الدولية في بؤر النزاعات العالمية وان ابتعدت قليلا ثم لإيجاد دور جديد البريطاني بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي ومنحها أهمية بالغة العزيز التعاون الأستراتيجي بين واشنطن ولندن واستكمالا للتوجهات الغربية عبر شركاء اصليين للادارة الأمريكية واستمالة حلفاء أخريين لها في منطقة المحيط الهادي والهندي كاليابان والهند وكوريا الجنوبية للعمل ضمن هذا التحالف الميداني وتعزيز نتائج اجتماعات اللجنة الأمنية الرباعية(كواد) التي عقدت اجتماعها الاخير برعاية الرئيس الأمريكي جوبايدن على هامش اجتماعات منظمة الأمم المتحدة في ٢٥ أيلول ٢٠٢١.
ثم جاءت عملية إلغاء الصفقة الخاصة بتزويد فرنسا لاستراليا بغواصات (باركودا ) التي وقعت عام ٢٠١٦ واستبدالها بغواصات أمريكية نووية أكثر أهمية وتطورا من الغواصات الفرنسية التي تعمل بالديزل في مواجهة جديدة بين واشنطن وبكين الدعم استراليا باعتبارها حليف استراتيجي وإرسال رسائل عديدة للصين بوجود تطورات سياسية جادة للإدارة الامريكية في منطقة المحيط الهادي.
تباعد الأهداف الصينية مع التوجهات الأمريكية والصراع الخفي بين الطرفين واستمرار المناكفات والتصريحات بينهما يعكس الأهمية الإستراتيجية لمنطقة آسيا الوسطى والمحيط الهادي والهندي والاساليب المتبعة في كيفية التعامل الأحداث القائمة والقادمة.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية