حسب تقرير لـ«القدس العربي» نشر في عدد الأمس من الصحيفة فإن وزير الثقافة اللبناني، محمد مرتضى، قال في جلسة قبل يومين حضرها رئيسا الجمهورية والحكومة، «رح تشوفوا شيء غريب عجيب بالبلد مش شايفينه بحياتكم» والحال أن اللبنانيين شهدوا، أمس الخميس، أحداثا عجيبة، مع دخول معركة ما يسمى «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل») اللبناني مع طارق البيطار، المحقق العدلي في خصوص التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، إلى مرحلة تأزم كبرى تشبه تمرينا على إعادة «الحرب الأهلية» اللبنانية.
يمكن تتبع بدايات تصعيد الأزمة مع التصريحات المتوعدة للسيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله» اللبناني ضد البيطار. تبعت ذلك أنباء عن تهديد رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» للأخير بـ«قبعه» (أي قلعه كما يقلع الضرس) وكذلك إنذار حكومة نجيب ميقاتي بوجوب عزله، وصولا إلى إنزال جماهير التنظيمين إلى الشارع، وهي تجربة كابدها اللبنانيون عدة مرات، وخصوصا في أيار/مايو 2008، حين بسط «حزب الله» سيطرته العسكرية على بيروت للإمساك بتداعيات مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وبعد انتفاضة تشرين أول/أكتوبر 2019، حين هجم محازبوه على المتظاهرين وكسروا خيمهم وسط بيروت.
الأداة الأخيرة التي استخدمها التنظيمان شديدة الخطورة، فكثير من أنصار التنظيمين يتنقلون على الدراجات الناريّة، ويحمل الكثيرون منهم أسلحة خفيفة، مرددين شعارات طائفية، ومخترقين مناطق يسكنها لبنانيون من طوائف أخرى، وهي صيغة لتصعيد الاحتقان السياسي والعسكري، والواضح أن المطلوب منه هو التحشيد الطائفيّ بحيث ينقلب معنى استدعاء شخص، كما فعل القاضي المكلف، بطلب التحقيق مع الوزير علي حسن خليل، المحسوب على «حركة أمل» إلى هجوم على طائفة بأكملها، تتراصّ للدفاع عن المطلوب وقفه، على طريقة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» ولو أدى ذلك إلى انتهاك معنى الدولة والمواطنة والقانون.
الصحافيون والمراسلون المتواجدون في الموقع الذي جرت فيه الحادثة يوم أمس، أشاروا إلى أن المكان في ساحة الطيونة، في المنطقة الفاصلة بين منطقة بدارو، ذات السكان المسيحيين، وقصر العدل الذي اتجه إليه محازبو التنظيمين، تحوّل إلى ساحة حرب، ولم يعد معروفا من يصوّب على من، فالاحتقان كان سيد الموقف، وصارت طلقات الرصاص (وكذلك قذائف آر بي جي) تأتي من كل الأنحاء، رغم أن الجيش كان متواجدا في المنطقة.
توحي الأحداث التي حصلت بأنها معركة مخططة أكثر مما تشير إلى حدث خرج عن مساره، بدءا من اختيار المنطقة التي بدأت فيها الحرب الأهلية اللبنانية «عين الرمانة». تبادل «الثنائي الشيعي» و«القوات اللبنانية» الاتهامات حول الحدث، فاعتبر «الثنائي» أن القوات قامت بقنص متظاهرين سلميين، فيما ذكرت «القوات» أن أنصار الثنائي دخلوا المنطقة وبدأوا بتكسير السيارات والمحال وحرق البيوت.
أظهر الاشتباك الآخر، داخل الحكومة اللبنانية، نفوذ ما يسمى بـ«الثلث المعطل» الذي أنكر ميقاتي وجوده، ورغم محاولته «النأي بالنفس» عن الحدث الجلل، فالواضح أن حكومته صارت مهددة هي أيضا بـ«القبع» أما الائتلاف الدولي الهشّ الذي حصل بين إيران وفرنسا والذي سمح للحكومة بالتشكّل، فهو أيضا تحت التهديد، وإن كان من غير المعلوم، رغم كل ذلك، لو كان إقصاء المحقّق بعد التهديد بإشعال البلاد، سيكون الخطوة الأسهل، أو الأصعب، على المعنيين، أم أنه القشّة التي ستعيد مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية من جديد؟
القدس العربي