يخوض كل من طرفي “الثنائي الشيعي” في العراق مواجهات كلامية حادة، إلا أن الحسابات الإيرانية تقول إنهما سيعودان في النهاية ليتفقا على تحالف يؤدي الى تشكيل كتلة ضخمة، وليست “أكبر” فحسب، تضم الطرفين وتضم إليهما كل الكتل الكبيرة الأخرى.
نوري المالكي الذي يتزعم تنسيقية الكتل والميليشيات الشيعية الموالية لإيران دعا المفوضية العليا للانتخابات الى إصلاح “الخلل” الذي يشوب العملية الانتخابية وعدم الميل لأيّ طرف من الأطراف السياسية المتنافسة.
فرد مقتدى الصدر زعيم كتلة “التيار الصدري” برسالة اعتبر فيها كلام المالكي “ناقصا”. وقال مخاطبا المالكي إن “ما ضاع لا يعوّض بالتمسّك بالسلطة والتسلّط، فقد جرَّبَ ولم ينجح”، وأضاف أن “المُجَرَّب لا يُجَرَّب”.
وأرسلت إيران مراقبين من جانبها للمشاركة في أعمال إعادة الفرز وعدّ الأصوات، وضمنت حتى الآن زيادة عدد مقاعد كتلة “دولة القانون” التي يقودها المالكي إلى 40 مقعدا وكتلة “الفتح” التي تضم الميليشيات الموالية لها إلى 20 مقعدا.
وذكرت صحيفة “تسنيم” الإيرانية النافذة إن عناصر من استخبارات الحرس الثوري يقومون بالتدقيق في نتائج إعادة الفرز لعدد من الدوائر ولباقي إجراءات الفرز اليدوي. وقالت إن “الحل لأزمة نتائج الانتخابات هو أن يتم عدّ الأصوات يدوياً بحضور ممثلي المجموعات السياسية”.
وهناك وفد من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يشارك في المشاورات للجمع بين الكتل المختلفة. إلا أن النتائج ما تزال تضع كلا من طرفي “الثنائي الشيعي” أمام نقص عددي واضح.
عبدالحسين الهنداوي: الأمر متروك للمفوضية لاستكمال الطعون أو إعادة الانتخابات
فكتلة الصدر التي تملك 73 مقعدا، من الناحية المبدئية، تستطيع أن تشكل “كتلة أكبر” مع الكتلة الكردية التي تملك نحو 57 مقعدا، لتجمع 130 مقعدا. كما تستطيع كتلة المالكي أن تجمع نحو 132 مقعدا أخرى بضم كتلتي محمد الحلبوسي وخميس الخنجر التي تملك نحو 59 مقعدا الى جانب بعض المستقلين.
ولكن الحساب الأهم هو أن أيا من طرفي “الثنائي الشيعي” لا يستطيع أن يمضي بتشكيل الحكومة بمعزل عن الطرف الآخر، لأن ذلك سوف يؤدي في النهاية إلى اندلاع نزاع مسلح، لن يخرج أي منهما غالبا فيه.
وضمنت إيران لكتلة المالكي دعما من القائمتين السنيتين اللتين يقودهما الحلبوسي والخنجر لتضغط على الصدر فلا يبالغ بالسعي للانفراد بتشكيل الحكومة.
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس اجتمع بكلّ من الحلبوسي والخنجر يوم الرابع من الشهر الجاري داخل السفارة الإيرانية في أنقرة بعد نهاية لقائهما مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وألزمهما بمواصلة تحالفهما مع القوى الولائية تحت إمرة نوري المالكي وهادي العامري.
ويمكن أن يستمر السجال نفسه حول إعادة الفرز لعدة أسابيع أو حتى أشهر. وعلى الرغم من أن المفوضية العليا للانتخابات قدمت إشارات الى أن نسبة الأصوات التي يجري فحصها لا تزيد عن 6 في المئة من مجموع الأصوات فإن تغيير نسب المقاعد يمكن أن يثير المزيد من الاعتراضات والطعون، وهو ما لا يمكن أن ينتهي إلا بأحد سبيلين: الأول، أن يكف طرفا النزاع الشيعي عن التنازع فيما بينهما، بحيث تتضاءل أمام اتفاقهما التفاصيل الصغيرة، أو أن تتم إعادة الانتخابات برمّتها. وهذا خطر يمكن أن يوقظ كل أشباح المخاوف من جديد، بما ذلك عودة الأطراف التي قررت المقاطعة إلى دخول حبلة المنافسة، فتنحسر من جديد فرص الأطراف الموالية لإيران ومعها فرص كتلة الصدر أيضا، لتبرز قوة من المستقلين و”التشرينيين” وغيرهم، فتزداد الأمور تعقيدا على الجميع.
وقال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات عبدالحسين الهنداوي إن “الأمر متروك للمفوضية في اتخاذ القرار بين استكمال النظر في الطعون وبين الدعوة الى إعادة الانتخابات. وإن الحكومة لا تتدخل في عمل المفوضية مطلقا”.
وأكد أن دور الحكومة يقتصر على واجبين هما توفير الدعم اللوجستي للمفوضية وتوفير الظروف الأمنية المناسبة للانتخابات.
Thumbnail
ويرى مراقبون أن الصدر أضعف من أن يمضي بخيار تشكيل كتلة بمعزل عن كتلة المالكي. وفي حين نُقل عن رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري نصّار الربيعي قوله إن رئيس الوزراء المقبل سيكون من التيار الصدري، وإن تياره سيكون مسؤولا عن الحكومة المقبلة، ولكن لم تمض ساعات حتى تم نفي التصريح.
وفي التمهيد لأجواء تسمح بإنقاذ النظام السياسي القائم على تكاتف الشيعة الموالين لإيران والمترددين قال المالكي إن “المسار الديمقراطي هو السبيل الوحيد لتجسيد إرادة الشعب وإنتاج السلطة التي تعبّر عن قراره الحر المستقل، لقد ضحى شعبنا بالغالي والنفيس من أجل ولادة هذا النظام السياسي الديمقراطي واستقراره وديمومته، وسيبقى حريصا عليه ومدافعا عنه مهما كلفه الثمن”.
والمقصود بـ”النظام السياسي الديمقراطي واستقراره وديمومته” هو نظام المحاصصة الطائفية الذي يتعين أن يستمر بآلياته السابقة نفسها.
وتقوم هذه الآليات على تقاسم الجماعات والميليشيات المختلفة لمراكز النفوذ داخل الدولة، وهو ذاته الواقع الذي سمح لكل هذه الجماعات بأن تكون قوى مهيمنة. وهو أمر يخدم مصالح هذه الأطراف كما يخدم مصالح إيران، ويبقي البلاد خاضعة للدوامة نفسها.
صحيفة العرب