بغداد – يمهد ابن المرجع الشيعي الأعلى في العراق محمد رضا السيستاني للقاء في مدينة النجف يجمع قادة الكتل الشيعية المشاركة في الانتخابات التشريعية، وذلك لإبرام اتفاق على تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء والحيلولة دون تحول الخلاف بشأن نتائج الانتخابات إلى احتراب بين الميليشيات والتيار الصدري.
وذكر مصدر سياسي عراقي مطلع لـ”العرب” أن “المداولات والاتصالات مستمرة بين المخولين للتفاوض باسم الكتل الانتخابية، بغية الوصول إلى صيغة مقبولة تمهد لاجتماع النجف المؤمل أن يعقد خلال أيام”.
وقال “إذا عُقِد الاجتماع الذي من المؤمل أن يحضره قادة الكتل الشيعية فسيكون الأول الذي يجمع وجها لوجه زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وخصمه اللدود زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، منذ سنوات”.
رشا العزاوي: اجتماع النجف يسعى لتجنب الاقتتال وليس لإعلان تحالف مشترك
وأضاف أن “قادة الكتل تلقّوا من ابن المرجع الشيعي -الذي عادة ما يدير التوازنات السياسية بين الأحزاب الشيعية- خلال الأيام الماضية رسائل واضحة تطالبهم بالاتفاق على منع دخول البلاد في المجهول”.
وتضمنت رسائل محمد رضا ما يمكن أن يوصف بـ”التنبيه” إلى أن الصراع الشيعي – الشيعي، وإن كان لا يزال سياسيا إلى حد الآن، يعطي صورة عن فشل الشيعة في إدارة الدولة.
وتحاول المرجعية الحيلولة دون منح الميليشيات الشيعية الخاسرة في الانتخابات فرصةَ تأزيم الوضع بأعمال تهدد السلم الأهلي، كما أنها تسد الطريق أمام الدور الإيراني في التدخل لتشكيل الحكومة.
وينقل مقربون من ابن السيستاني أن والده لا يخفي تخوّفه من أن يغيّر استمرارُ الصراع بين الأحزاب الشيعية توزيعَ الحصص الرئاسية، ويدفع الأكراد والسنة إلى المطالبة بمنصب رئيس الحكومة.
وذكر مصدر سياسي عراقي أن الخلاف مستمر بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون؛ فالأول، وإن لم يعلن عن مرشح لرئاسة الحكومة، يرفض بشكل قاطع قبول ترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة.
ويصر ائتلاف دولة القانون، مدعوما بكتلة الفتح برئاسة هادي العامري، على ترشح المالكي لرئاسة الحكومة ويرفض الكلام المتداول بشأن التجديد لرئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي.
ويعد الكاظمي خيارا جاهزا ومقبولا من التيار الصدري لرئاسة الحكومة ويحظى بقبول المرجعية وبدعم من كتل شيعية من بينها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم.
إلا أن المحللة السياسية العراقية رشا العزاوي ترى أن اجتماع النجف برعاية ابن السيستاني يهدف إلى تخفيف التوتر وتجنب الاقتتال وليس إلى إعلان تحالف مشترك.
مشعان الجبوري: إيران تريد لعب دور في التحالفات من خلال منع أعدائها من تشكيل الحكومة العراقية
واستبعدت العزاوي في تصريح لـ”العرب” أن “يسعى ابن زعيم المرجعية الدينية في النجف لتقريب وجهات النظر بين الصدر والمالكي بهدف التوافق على رئيس حكومة مقبول من الطرفين”، وعزت اللقاء -إن حدث- إلى الرغبة في سد الطريق أمام أي اقتتال مسلح بين الميليشيات الشيعية.
وقالت إن “نسبة نجاح اجتماع النجف برعاية ابن السيستاني ليست مرتفعة مع تصاعد منسوب التصعيد بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات”.
وسبق أن قام ابن السيستاني بالدور نفسه عام 2014، ولم يكن معنيا ببقاء المالكي رئيسا للوزراء لكن الاجتماعات التي نسقها بينه وبين الصدر ساعدت على تخفيف حدة التوتر بينهما وقبول الأول بالتنازل عن منصب رئاسة الوزراء.
وتبدو المرجعية في النجف مؤيدة لانفصال حشد العتبات عن فصائل الحشد الأخرى، ما يعني أنها ليست معنية بالإبقاء على فصائل الحشد الحالية المنضوية في تكتلات سياسية موحدة مع دولة القانون، وليست معنية أيضا بتسلم المالكي السلطة.
على الجانب الآخر لم يعلن الصدر نيته فتح أبواب الحوار مع المالكي، وتحدث عن عقد تحالف عابر للطوائف والعرقيات يتكون من القوى الكبرى، مغازلا بذلك الأكراد وتحالف “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي، ثاني أكبر كتلة سياسية في البرلمان بعد التيار الصدري.
ولا يعتقد أغلب المراقبين أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع بسبب الجدل المتصاعد بين الكتل الشيعية، متوقعين زيادة الخلاف إثر إقرار النتائج النهائية للانتخابات من قبل المفوضية العليا.
وتستمر المداولات التي يقودها حسن السنيد القيادي في حزب الدعوة والمفاوض المخول باسم ائتلاف دولة القانون، وعلى الطرف الآخر حسن العذاري القيادي في التيار الصدري المخول من قبل الصدر للتفاوض باسمه على فرص تشكيل الحكومة.
وقال العذاري “لقد آن الأوان لرفع الحيف عن أبناء التيار الصدري والشعب العراقي عموما بوجود ممثليهم تحت قبة البرلمان”.
في المقابل يراقب تحالف “تقدم” ما يتم التوافق عليه بين الكتل الشيعية، ومن ثمّ يعلن عن موقفه. وزار الحلبوسي رئيس منظمة بدر هادي العامري من أجل الاطلاع على المفاوضات الجارية مع التيار الصدري.
ورغم أن الحلبوسي رفض في تأكيد للعامري استخدام ورقة “تقدم” من قبل المالكي والصدر في المفاوضات، إلا أنه لا يخفي أن اتفاقه سيكون مع التيار الذي ستكون له الغلبة السياسية في تشكيل الحكومة.
ويحاول كلا الطرفين الشيعيين، المالكي والصدر، استخدام ورقة تحالف “تقدم” السني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، الذي حل رابعا في الانتخابات، للتأثير على الآخر وحظوظه في تشكيل الكتلة الأكثر عددا، وبالتالي الحكومة.
وقال هوشيار زيباري، رئيس فريق التفاوض السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن كتلته ستدخل بـ”حيل صدر” -بوصفها فائزة بمراتب متقدمة في الانتخابات- في تشكيل الحكومة.
ولا يخفي أغلب المراقبين دخول العامل الإيراني في مفاوضات تشكيل الحكومة، متوقعين أن تحضّ أذرعها من الميليشيات على إحداث مواجهات دون الوصول إلى صدامات مسلحة.
وعبر مصدر سياسي مقرب من مصطفى الكاظمي عن ثقته بأن الخلافات السياسية لا يمكن أن تصل إلى صدامات مسلحة، عازيا ذلك إلى استعداد القوات الأمنية العراقية للسيطرة على أي صدامات متوقعة ورافضا في الوقت نفسه الابتزاز.
وقال المصدر في تصريح لـ “العرب” إن “الكاظمي حصل على تأكيد من الجانب الإيراني لضبط الميليشيات الخاسرة في الانتخابات ومنعها من القيام بأي عمليات مسلحة”.
غير أن السياسي الفائز في الانتخابات، مشعان الجبوري، يرى أن إيران تريد لعب دور مهم في التحالفات من خلال منع أعدائها من تشكيل الحكومة العراقية.
وقال الجبوري إن “العراق يكاد يكون الرئة الوحيدة لإيران بعد أن فقدت أذربيجان، والعراق هو الإطلالة الوحيدة لإيران على العالم الخارجي ومكان الحصول على العملة الصعبة، لذلك تعدّ نتائج الانتخابات في العراق مهمة بالنسبة إليها”.
وأشار إلى أن إيران لم تستطع التلاعب بنتائج الانتخابات، لكنها تريد لعب دور مهم في التحالفات وإثبات أنها حاضرة وتعرف أن الوضع في العراق يتأثر بالمجتمع الدولي سواء الغربي أو الشرقي.
العرب