البطالة وارتفاع الأسعار.. انهيار الليرة التركية يعمق أزمة المدنيين في الشمال السوري

البطالة وارتفاع الأسعار.. انهيار الليرة التركية يعمق أزمة المدنيين في الشمال السوري

فاقم استمرار تهاوي قيمة الليرة التركية الأوضاع المعيشية لآلاف السوريين في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، بعد أن أصبحت الليرة التركية العملة الرئيسة المتداولة بين السكان في المعاملات التجارية إلى جانب الدولار الأميركي مع استخدام محدود جدا لليرة السورية.

ومنذ عام ونصف العام تقريبا بدأ الأهالي يتداولون الليرة التركية بعد أعلنت المعارضة السورية رسميا استبدال الليرة السورية بالتركية، جراء فقدان العملة السورية قيمتها أمام الدولار الأميركي والخسارات المتتابعة التي لحقت بها.

ومع تسارع انحدار قيمة الليرة التركية أخيرا انعكس الأمر على أسعار السلع في الأسواق، في حين رفعت شركات بيع الوقود أسعار البنزين والديزل والغاز المنزلي، وذلك عمّق معاناة المدنيين وزاد الأعباء والمشاكل، لا سيما لدى العمال بالأجرة اليومية وذوي الدخل المحدود.

وتضطلع شركة “وتد” بتقديم الوقود والغاز للمدنيين في إدلب وريف حلب، وقامت في الشهر الماضي برفع الأسعار مرات عدة، وينتقد السكان طريقة عمل الشركة ويتهمونها بالهيمنة على السوق واحتكار عملية البيع.

غضب شعبي
وفي الأيام الأخيرة شهدت مدينة إدلب -كبرى مدن مناطق المعارضة السورية وأكثرها كثافة بالسكان- وقفات احتجاجية، ردا على غلاء الأسعار ورفع قيمة الخبز والوقود من قبل حكومة الإنقاذ، وطالب المحتجون بالتدخل لضبط أسعار السوق لا سيما المواد الأساسية للمدنيين من الغذاء وغاز الطهي.

وزاد الاحتقان والغضب الشعبي لدى الأهالي بعد ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة إذ بلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي 109 ليرات تركية وسعر ربطة الخبز 2.5 ليرة، في الوقت الذي يتقاضى العامل في إدلب وريفها أجرة يومية لا تتجاوز 20 ليرة تركية.

وقال عبد الكريم العمر من سكان إدلب إن الأسعار لم تعد تتناسب مع الدخل الذي يحصل عليه أغلب السكان، داعيا حكومة المعارضة إلى التدخل السريع وضبط الأسعار وتخفيضها قبل فوات الوقت في المنطقة.

وأضاف العمر في حديث للجزيرة نت أن أجرته اليومية البالغة 25 ليرة تركية بالكاد تكفيه لتأمين قوت يومه وأسرته من الطعام والشراب، وأصبح من شبه المستحيل تغطية أي نفقات أخرى من شراء الملابس أو الدواء.

ووفق العمر، فإن المدنيين في إدلب أصبحوا في حالة فقر شديد وغير قادرين على زيادة دخلهم، إذ تعاني المنطقة أساسا من البطالة وقلة فرص العمل وانخفاض قيمة الأجور.

خسائر متعاقبة
ويرجع وزير الاقتصاد والموارد بحكومة الإنقاذ في إدلب باسل عبد العزيز ارتفاع الأسعار الكبير في السلع والوقود إلى انخفاض قيمة الليرة التركية “إذ فقدت أكثر من 22% من قيمتها منذ بداية العام الحالي، وكان الدولار يساوي نحو 7.5 ليرات تركية، أما اليوم فوصلت قيمته إلى حدود 9.20 ليرات”.

وقال عبد العزيز للجزيرة نت إن ارتفاع الأسعار في الشمال السوري هو نتيجة الارتفاع العالمي لأسعار الطاقة والسلع الأساسية التي بلغت مستويات لم تبلغها منذ سنوات، وأعلى مما كانت عليه قبل جائحة كورونا.

وحسب الوزير، فإن تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار في الأشهر الأخيرة زاد من وتيرة ارتفاع الأسعار لمعظم السلع، بخاصة بعد اعتمادها في الشمال السوري عملة بديلة عن الليرة السورية التي فقدت قيمتها الشرائية وتشهد خسائر متعاقبة.

حالة فوضى
أما أبرز ما يسبب مشكلة ارتفاع الأسعار في أسواق إدلب فهو غياب الرقابة الحقيقية، وتحكم التجار بالأسعار دونما محاسبة، وذلك يسمح لهم برفع السعر من دون تفكير بعواقب هذه الإجراءات.

ولو لم تنخفض العملة التركية بأكثر من 10% إلى 20%، فلا يمكن أن ترتفع الأسعار في الشمال السوري بهذه النسبة الهائلة، وفق الخبير الاقتصادي السوري أسامة القاضي، مؤكدا أن المنتجات الزراعية لا علاقة لها بالتجارة مع تركيا.

ويصف القاضي حالة الأسعار بأنها انعكاس طبيعي لحالة الفوضى وعدم وجود سيادة وموازنة حكومية حقيقية تستطيع مراقبة الأسعار وضبط آلية العرض والطلب ومنع تذبذب الأسعار.

ويقول القاضي للجزيرة نت إنه في ظل عدم وجود حل سياسي نهائي في سوريا، فإن الشعب السوري سيظل يعاني في جميع مناطق النفوذ ويدفع ثمن تأجيل هذا الحل واستمرار الأزمة.

المصدر : الجزيرة