على الرغم من الإعلانات المتكررة للسلطات العراقية عن تعزيز الإجراءات الأمنية على حدودها الدولية الغربية والشمالية الغربية مع سورية، وعلى امتداد أكثر من 620 كيلومتراً، إلا أن بيانات قيادة عمليات الجيش تتواصل في ما يتعلق بالإعلان عن القبض على متسللين، أو إحباط محاولات تسلل وإجبار أصحابها على التراجع إلى عمق الأراضي السورية.
ومنذ مطلع العام الحالي، أحصت “العربي الجديد” 9 إعلانات رسمية لبغداد حول تعزيز الإجراءات الأمنية، من بينها نشر قوات إضافية، ونصب كاميرات حرارية وأخرى ذكية، وأبراج مراقبة وحفر خنادق ورفع سواتر ترابية ونصب كمائن وفخاخ، إلى جانب الطائرات المسيرة التي تسلمتها من التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، لهذا الغرض.
جنرال عراقي: 60% من عمليات التسلل الحالية على الحدود ليست إرهابية
لكن الإعلان عن عمليات التسلل يتواصل بين أسبوع وآخر. ويظهر الاختلاف واضحاً في استعمال القوات العراقية لعباراتها بهذا الشأن بين بيان وآخر، إذ تستخدم عبارة “الإرهابيين” في الإشارة إلى أن التسلل، أو محاولة التسلل، لمسلحين من “داعش”، بينما تكتفي بعبارة القبض على متسللين في بيانات أخرى، للدلالة على أن الهدف من خرق الحدود لا علاقة له بنشاط التنظيم. ويقصد بالمتسللين في العادة المهربين وتجار الممنوعات، أو عائلات عراقية عالقة في سورية منذ سنوات، أو متعهدي حفر الخنادق، وهم في غالبيتهم من السوريين ونشطوا أخيراً لصالح مسلحي حزب العمال الكردستاني الذي وسّع من عمليات وجوده في جبل سنجار، عبر ملاجئ ومقرات جديدة للحماية من القصف التركي.
وتتقاسم الحدود السورية مع العراق عدة جهات، أبرزها قوات النظام والمليشيات الحليفة لإيران في مناطق البوكمال والطلائع والميادين وصولاً إلى بادية دير الزور، بينما تستولي “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، على نحو 200 كيلومتر من الحدود الدولية مع العراق، ضمن محور ربيعة ــ الحسكة وصولاً إلى مثلث فيشخابور العراقي السوري التركي.
ووفقاً لجنرال بارز في قيادة عمليات حرس الحدود العراقية، المنطقة الثانية ضمن محافظة نينوى، فإن عمليات التسلل عبر الحدود متواصلة لأسباب كثيرة، بينها التضاريس الصعبة والمعقدة، وأخرى متعلقة بالفساد، وتعدد الجهات الممسكة بالأرض من مليشيات وقوات نظامية على كلا الجانبين. وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “أكثر من 60 في المائة من عمليات التسلل الحالية على الحدود هي بهدف تهريب مواد ممنوعة، وأخرى مسروقة، منها مواش وأدوية ووقود سيارات وقناني (أسطوانات) غاز الطبخ وقطع غيار سيارات ونفط خام، انتهاء بالمخدرات ومثيلاتها. وهناك تورط لفصائل وجماعات مسلحة على الجانبين بهذه التجارة”. ولفت إلى أن هناك عائلات عراقية عالقة، تحاول العودة بشكل أو آخر، لكنها لا تمتلك أوراقاً أو إثباتات، وقد وجدت سماسرة من أكراد سورية لديهم علاقات مع “قسد”، أو أنهم أساساً من “قوات سورية الديمقراطية”، أصبحوا يعملون بهذا النوع من التهريب، بأسعار تصل إلى أكثر من 5 آلاف دولار عن الشخص الواحد.
مؤيد الجحيشي: قسم من الفصائل الحليفة لإيران متورط بالتهريب
وأوضح الجنرال العراقي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “القوات العراقية أصبحت تتعامل مع كل حالة بشكل منفصل، والمتسللون الإرهابيون يكاد يكون محور محاولاتهم محصوراً بمناطق محددة، ولا نستبعد أنهم يستغلون الفساد الموجود على الجانب الآخر الذي تسيطر عليه وحدات سورية كردية في هذا الإطار”. ورجح وجود أنفاق لم يتم الكشف عنها بين البلدين تستخدم لهذه الغاية. وتحدث عن عمليات تهريب، تدر ملايين الدولارات أسبوعياً، تتم عبر الحدود، وباتت مصدر تمويل ودخل مالي مهم لبعض الفصائل المسلحة على الجانبين السوري والعراقي.
تقارير عربية
القوات العراقية تتحدث عن توسيع نطاق سيطرتها على الحدود مع سورية
وكانت السلطات العراقية قد أرسلت، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، قوات إضافية إلى الحدود مع سورية، ضمن محافظة الأنبار وأجزاء من محافظة نينوى، تضمنت نشر وحدات قتالية واستبدال أخرى، كما تم نصب أبراج وكاميرات مراقبة وحفر خنادق جديدة، أعقبها بيان مشترك بين العراق وقيادة التحالف الدولي، تحدث عن دعم أميركي بالمعدات الحديثة لتأمين الحدود.
وبيَّن المسؤول المحلي في محافظة نينوى أضحوي الصعيب أن “التهريب لم يعد شيئاً جديداً، ومنذ سنوات لا يتوقف، وبعض العمليات تجري نهاراً”. وأكد، لـ”العربي الجديد”، أن “الحكومة المحلية في الموصل طالبت، أكثر من مرة، الحكومة الاتحادية في بغداد بمزيد من الدعم الأمني والعسكري، وتوفير أعداد جيدة من الكاميرات، في سبيل منع أي تسلل لعناصر إرهابية”.
طارق العسل: الحدود مع سورية مؤمنة بنسبة 50 في المائة فقط
وأشار اللواء طارق العسل، وهو القائد السابق لشرطة الأنبار ويعمل حالياً ضمن قوات “الحشد العشائري”، إلى نسب كبيرة غير مؤمنة من الحدود. وأضاف: “يمكن القول إنها مؤمنة بنسبة 50 في المائة فقط، على عكس الحدود مع الأردن التي تعد مؤمنة بشكل جيد جداً، لأن بغداد على اتفاق استراتيجي قوي مع عمّان. أما مع دمشق، فإن الاتفاقات الأمنية غير واضحة، كما أن القوات التي تسيطر على الحدود من الجانب السوري غير نظامية، ومنها الفصائل المسلحة وأخرى تتبع لقوات سورية الديمقراطية، إضافة إلى مجموعات من الجيش السوري التي لا تمتلك إمكانيات كبيرة. ولذلك فإن الوضع على الحدود العراقية السورية صعب”. وأكد العسل، في اتصال مع “العربي الجديد”، أن “تسلل داعش بات أقل من السابق، لأن عناصر التنظيم الإرهابي لا يملكون أي إمكانية للتحرك والمجازفة في عبور الحدود. كما تراجع دور التنظيم في المواجهة واتخاذ قرارات صدامية مع قوات الأمن العراقية، بعد سلسلة الهزائم الماضية”.
بدوره، عزا الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي ما وصفه “استمرار الانفلات على الحدود”، إلى الجهات التي توجد فيها. وقال، لـ”العربي الجديد”، إن “النسبة الأكبر من المنطقة الحدودية العراقية السورية تخضع لنفوذ الفصائل الحليفة لطهران، والتي يتورط قسم منها بعمليات تهريب سلاح ومواش ووقود وممنوعات مختلفة من سورية وإليها وبالعكس، وتتعامل مع تجار عراقيين وسوريين عرب وأكراد في هذا الإطار، وبعضها يستفيد من ممرات وخنادق داعش التي أنشأها قبل سنوات”. وأشار إلى أن “فصائل مسلحة مارست ضغوطاً من أجل إطلاق (سراح) بعض المهربين الذين تم القبض عليهم سابقاً على الحدود من قبل القوات العراقية، بينهم متورطون بتهريب مخدرات”.
العربي الجديد