بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيراً في العراق، لا تبدو الميليشيات الموالية لإيران في طريقها إلى الرضوخ للنتائج المعلَنة حتى الآن، إذ دخل الاعتصام الذي تقيمه يومه السادس، دون أي تغيير في المشهد العراقي، سواء من جهة الجهات المسؤولة عن الانتخابات أو الأطراف السياسية الرئيسة في البلاد.
وعلى الرغم من أن المطلب الذي ترفعه تلك الميليشيات يتمحور حول إعادة عد وفرز الأصوات يدوياً، تذهب أطراف أخرى إلى الدعوة لإعادتها أو إلغاء نتائجها، إلا أن مراقبين يرون أن المطالب الرئيسة تتعلق بالضغط على الكتل السياسية وتحديداً “الكتلة الصدرية” لـ”تحسين شروط التفاوض” والحصول على مكاسب في المرحلة المقبلة.
في المقابل، يبدو أن المخاوف الكبيرة التي تعيشيها الميليشيات الموالية لإيران لا تتعلق فقط في البحث عن مناصب وتسويات تتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة، بل ترتبط بتوفير ضمانات لبقاء سطوتها وهيمنتها على هيئة “الحشد الشعبي”.
الصدر وامتصاص موجة الغضب المليشياوية
وعلى بعد أيام من بداية التصعيد الذي أقامته “الجبهات الولائية”، بدأ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بامتصاص موجة الغضب الكبيرة تلك، فبعد بيانات الأيام الأولى التي تلت الانتخابات والتي أظهرت تراجعاً من التيار الصدري أمام غضب المليشيات، يبدو أن صبر الصدر قد نفذ وبدأ بتغيير اللهجة، خصوصاً وأن أعداد المتظاهرين والحراك السياسي المرافق لهم،أتى أقل تأثيراً من المتوقع.
وقال الصدر في تغريدة على “تويتر” في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إن “تأييد مجلس الأمن لنتائج الانتخابات العراقية وتبني نزاهتها بل القول بأنها فاقت سابقاتها فنياً يعكس صورة جميلة عن الديمقراطية العراقية من جهة ويعطي الأمل بإذعان الأطراف التي تدعي التزوير في تلك العملية الديمقراطية من جهة أخرى”. وتابع الصدر أن “جر البلد إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم قناعتهم بنتائجهم الانتخابية لهو أمر معيب يزيد من تعقيد المشهد السياسي والوضع الأمني بل يعطي تصوراً سلبياً عنهم وهذا ما لا ينبغي تزايده وتكراره”. وأضاف، “ومن هنا فإنه لا ينبغي الضغط على مفوضية الانتخابات المستقلة أو بعمل القضاء والمحكمة الاتحادية أو التدخل بعملها. بل لا بد من خلق أجواء هادئة لتتم المفوضية إجراءاتها بما يخص الطعون أو ما شاكل ذلك”.
اعتراف دولي يقوّض مساعي التصعيد
ويبدو أن الاعتراف الدولي بنتائج الانتخابات العراقية عقّد موقف المليشيات الموالية لإيران، وقوّض إلى حد ما من إمكانية قيامها بأي تصعيد عسكري.
وقال الباحث في الشأن السياسي بسّام القزويني إن اعتصام مؤيدي الكتل التابعة للفصائل المسلحة “لن يتعدى حدود السلمية، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن الدولي الداعم لإجراءات ومخرجات مفوضية الانتخابات العراقية”.
وأوضح القزويني أن “الجهات الداعمة للاعتصام تعلم أن أي تصعيد سيقابَل بردٍ قاسٍ مؤطر بقبول دولي”، مبدياً اعتقاده بأن المرحلة المقبلة “ستشهد معالجات مرنة من قبل القوى المتصدرة من حيث عدد المقاعد، لقطع الطريق على القوى الخاسرة التي تهدد السلم المجتمعي”.
ولعل التيارات والأحزاب التابعة لـ”الإطار التنسيقي للقوى الشيعية”، تسعى للحصول على مكاسب سياسية، بحسب القزويني الذي لفت إلى أن تلك القوى تحاول “حماية نفسها في المرحلة المقبلة”.
اقرأ المزيد
الخاسرون يرفضون نتائج انتخابات العراق ويلجأون إلى التظاهر والاعتصام
ماذا ينتظر العراق بعد الانتخابات التشريعية؟
هل ينجح التيار الصدري في تشكيل حكومة العراق؟
معركة الحكومة العراقية بين التظاهرات وسيناريوهات التحالفات
عقبات أمام بارزاني لتوحيد المواقف الكردية في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية
هل يخرج العراق من عنق الزجاجة؟
وختم قائلاً إن القوى ذات الأجنحة المسلحة باتت تدرك أن “ذهابها إلى المعارضة سيضعها تحت ضوء المراقبة والمساءلة، وهذا الأمر سيدفع بها إلى الانضمام للكتلة المتصدرة”.
جمهور الميليشيات يتضاءل
ولعل السبب الرئيس خلف قلة أعداد المعتصمين وتضاؤل منسوب التهديدات التي أطلقتها التيارات الموالية لإيران، يتعلق بأن معظم جمهورها بدأ يدرك أن الخسارة التي منيت بها الكتل التابعة للمليشيات لم تكن مرتبطة بالتزوير، بل سببعل صراع قادة تلك المليشيات في الانتخابات الأخيرة، حيث أظهرت تقارير صحافية أن أصوات تلك الميليشيات توزعت على أكثر من طرف في الدوائر الانتخابية التي تنافست فيها، ما تسبب بخسارتهم بشكل كبير.
وأشار رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إلى أن الغاية الرئيسة لتظاهرات القوى الموالية لإيران لا تتعلق بالاعتراض على نتائج الانتخابات بقدر ارتباطها بـ”محاولات تحسين شروط التفاوض” بالنسبة لهم.
ورأى الشمري أن تلك التظاهرات ستنتهي في “اللحظة التي تحدث فيها تسوية بين أطراف الإطار التنسيقي للقوى الشيعية مع الكتلة الصدرية”.
وبحسب الشمري، فإن البيان الأخير لزعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، والذي يشير فيه إلى عدم التصعيد، يعطي انطباعاً واضحاً عن دفع تلك القوى نحو التسوية وليس التصعيد.
ولفت الشمري إلى أن المخاوف على “الحصانة السياسية” التي تتمتع بها الواجهات السياسية للفصائل المسلحة هي التي صعدّت الموقف، مبيناً أن تلك الأطراف تشعر بـ”قلق عميق” من احتمالية تفكيك عناصر قوتها مع خسارتها الغطاء البرلماني.
وختم بالقول إن، “قلق تلك الأطراف على مستقبل الفصائل المسلحة والسيطرة على هيئة الحشد الشعبي هو المحرك الرئيس لتلك القوى وهو الذي دفعها لـ”التلويح بتهديد السلم الأهلي بحثاً عن ضمانات في المرحلة المقبلة”، خصوصاً مع حديث الصدر المتكرر عن دمج الميليشيات و”الحشد” ضمن الأجهزة الأمنية.
الزج بمنتسبي الحشد في اعتصامات الموالين لإيران
ويرى مراقبون أن حراك المليشيات ربما ينتهي في أي لحظة، خصوصاً مع فقدانه تأثيره تدريجاً، ما دفع “الحشد الشعبي” إلى إصدار أوامر لعناصره تتعلق بزجهم في الاعتصامات الجارية أمام بوابات المنطقة الخضراء الحكومية. وأظهرت مقابلات أجراها صحافيون مع مشاركين في التظاهرات، تأكيدهم أنهم حضروا بأوامر من هيئة الحشد.
ولعل عدم زج زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، بأنصاره في تلك الاعتصامات يعطي انطباعاً عن نتيجتها، فيما تتحدث التسريبات عن احتمالية انسحاب الأخير بالإضافة إلى رئيس “ائتلاف النصر” رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من الإطار التنسيقي للقوى الشيعية.
ورأى أستاذ الإعلام غالب الدعمي أن اعتصامات القوى الخاسرة في الانتخابات “لن تستمر طويلاً”، مبيناً أن، “غالبية المتظاهرين هم منتسبون في الدولة العراقية”. وأضاف أن زعماء بعض الأحزاب “يحاولون تشويه صورة الحشد كمؤسسة أمنية تابعة للحكومة من خلال الدفع باتجاه تسييسه والزج بعناصره في الصراع السياسي”.
ورجّح الدعمي انتهاء تلك الاعتصامات خلال الأيام القليلة المقبلة، لافتاً إلى أن الغاية منها هي “الحصول على مكاسب ومناصب في الحكومة المقبلة وليس تغيير نتائج الانتخابات أو إعادتها، لأن ذلك أمر مستحيل”
أحمد السهيل
اندبندت عربي