أشعلت جزيرة تايوان بوادر صراع محتمل بين القوى الدولية بعد أن ارتفعت مستويات التوتر بين تايبيه المتمتعة بحكم ديمقراطي وبكين التي تكثف الضغوط العسكرية والسياسية لإجبارها على قبول السيادة الصينية، الأمر الذي يرفضه أغلب سكان الجزيرة البالغ عددهم حوالي 23 مليون نسمة.
وتعتبر الصين أن البحر الجنوبي بغالبيته يقع ضمن سيادتها، وتنظر إلى جزيرة تايوان على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها. في المقابل تؤكد رئيسة تايوان تساي إنج ون أن بلادها ملتزمة بالدفاع عن ديمقراطيتها ضد العدوانية المتزايدة للصين، وحذّرت من أن المنطقة سوف تشهد ”عواقب كارثية“ إذا سقطت تايوان في يد الصين.
وفي حال نشوب مواجهات بين البلدين فلن يخوضاها لوحدهما، حيث أكد الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم من جانب الصين. وأوضح متحدث باسم البيت الأبيض أن أحد التشريعات الأميركية يلزم الولايات المتحدة بمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها.
وتساءل خبراء السياسة الخارجية طوال العامين الماضيين عما إذا كان الوضع في كابول سيشبه حالة الفوضى التي شهدتها مدينة “سايغون” الفيتنامية (المعروفة حاليا باسم “هو تشي منه”) في عام 1975.
لايل جيه غولدشتاين: على واشنطن التعلم من الحرب في أفغانستان وفيتنام
لايل جيه غولدشتاين: على واشنطن التعلم من الحرب في أفغانستان وفيتنام
ويقول الباحث لايل جيه غولدشتاين الأستاذ المشارك في معهد الدراسات البحرية الصينية بكلية الحرب البحرية الأميركية في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” إن مثل هذه التساؤلات المتعلقة بالحرب التي أودت بحياة الآلاف من الأميركيين تبدو مبررة تماما، كما يمكن من خلال تطبيق الدروس المستفادة مما حدث في كل من فيتنام وأفغانستان إثبات أنها مجدية عند النظر في احتمالية تدخل الولايات المتحدة عسكريا للدفاع عن تايوان في مواجهة الصين.
ويوضح أن أسباب الفشل في كل من فيتنام وأفغانستان تعد واحدة في جذورها بشكل أساسي، فلقد تورطت الولايات المتحدة في حرب أهلية وانتهى بها الأمر إلى الجانب الخطأ بالنسبة إلى النزعة القومية، التي ثبت أنها تمثل قوة من المستحيل ترويضها، على الرغم من حجم التكنولوجيا العالية المعروف بها الجيش الأميركي. وقد كان لحركة طالبان و”الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام” (الفيتكونغ) أيديولوجيات مختلفة تماما، وشديدة التناقض في بعض النواحي، إلا أن العامل المشترك بينهما كان الرغبة في إبعاد المتطفلين الأجانب.
ويقول الباحث الأكاديمي إن الاستراتيجيين الأميركيين يفكرون حاليا – للأسف – في تعميق المشاركة الأميركية، الواسعة بالفعل، في حرب أهلية أخرى. وكانت صحيفة “ذا وول ستريت جورنال” كشفت في السابع من أكتوبر الجاري أن القوات الأميركية موجودة في تايوان منذ أكثر من عام، بصورة سرية.
وتقوم الطائرات الصينية باستعراضات جوية أكبر وأكثر حول الجزيرة. فقد تم في الرابع من أكتوبر اكتشاف 56 طائرة تابعة لـ“جيش التحرير الشعبي”، تتضمن قاذفات وطائرات هجومية، في منطقة تحديد الهوية للدفاع الجوي، التي تغطي رقعة واسعة من بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك مناطق متنازع عليها.
ومع ذلك، فإن الأميركيين ليسوا بمنأى عن اللوم في هذا الموقف، بحسب غولدشتاين الذي يرى أن الجولة الحالية من التوترات الخطيرة تعود في الحقيقة إلى “القرار الأحمق” الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب بتلقي مكالمة هاتفية فور انتخابه في عام 2016 من زعيمة تايوان تساي إنج ون، في تحدٍ صارخ لـ“سياسة الصين الواحدة” التي شكلت أساس العلاقات الأميركية – الصينية منذ عام 1972. كما تم في بكين أخذ إجراءات أخرى بعين الاعتبار مثل إرسال مسؤولين رفيعي المستوى إلى الجزيرة وزيادة مبيعات الأسلحة والانتهاء من مشروع بقيمة 255 مليون دولار لبناء “مجمع جديد للماموث” في تايبيه في عام 2018 يشبه شكل السفارة، وتسيير السفن الحربية عبر مضيق تايوان.
بوادر صراع محتمل بين القوى الدولية
ويرى غولدشتاين أن القومية ذات الخصائص الصينية هي قوة دافعة في الظروف الحالية، ولكن هل يمكن وصف هذا الوضع بأنه حرب أهلية؟
إنه سؤال معقول بالنظر إلى أن الأوروبيين والأميركيين على حد السواء بدأوا حاليا في الإشارة إلى تايوان بوصفها “دولة”. وبغض النظر عن حقيقة أن الاسم الرسمي لجزيرة تايوان المنصوص عليه في دستورها وحتى في جوازات السفر الخاصة بها هو في الواقع جمهورية الصين وليس “جمهورية تايوان”، يمكن للمرء أن يرى العديد من المؤشرات الأخرى التي تعبر عن “القومية”.
وقد درس الكثير من علماء الحضارة الصينية من الأميركيين اللغة الصينية في تايوان. وتوجد بالفعل لغة “تايوانية” مختلفة عن لغة الـ“ماندرين”. ورغم أنه من الصحيح أن هناك في تايوان بالفعل سكان أصليون ليسوا من الصينيين فهم لا يشكلون سوى أقل بقليل من 2 في المئة من سكان الجزيرة. ولكن هل هذا التاريخ وهذه الثقافة مهمان بالفعل؟ وما علاقتهما بأزمة الولايات المتحدة في أفغانستان؟
يقول غولدشتاين إنه على كل حال تعد تايوان شريكا ثريا للولايات المتحدة منذ فترة طويلة، كما أن لديها مؤهلات ديمقراطية مثيرة للإعجاب، وتقع في منطقة حساسة من الناحية الجيوسياسية بالنسبة إلى الصين. وقد بذل العديد من أصدقاء تايوان في واشنطن جهودا مضنية للإشارة إلى أن تايوان ليست مثل أفغانستان، على عكس التأكيدات الصينية.
صحيفة العرب