الصين… علو كعب يقلق الغرب

الصين… علو كعب يقلق الغرب

ما عاد سراً قلق الغرب من التقدم الهائل والمتسارع للصين. صحيح أن الأمر ليس وليد الساعة، بعد تأكيد واشنطن خبر صواريخ بكين المتطورة، إلا أن هذا التقدم يعمّق معضلات مواجهته خصوصاً بحلف شمال الأطلسي (الناتو). فهو حلف يعيش بدوره توترات داخلية، وخصوصاً في زاويته الجنوبية مع تركيا، ومحاولته التمدد شرقاً بما يحاصر روسيا، ومسعى بعض دوله لإنتاج سلاح ذري، كما لوحت النرويج أخيراً، وغياب اليقين بالحليف الأميركي منذ 2017، وهو الأمر الذي عززته كذلك طريقة الانسحاب من أفغانستان، وتلاسن وتوتر بسبب خسارة باريس لعقود تسليح أستراليا، حتى بات التغيير مطلوباً لعقيدة وسؤال “من هو العدو؟”.

بكين تمضي منذ 10 سنوات نحو ترسيخ علو كعبها، لا سيما بتمددها نحو أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وبعض نواحي القارة الأوروبية، تارة بالترغيب وتارة أخرى بعصا الاقتصاد، حتى وصلت إلى حدود “الناتو”، كما عبّر الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الإثنين الماضي، لصحيفة “فايننشال تايمز”، بعد اجتماع ضم 30 وزير دفاع من الحلف، على خلفية تسارع توتر العلاقة مع بكين. فستولتنبرغ اعترف باقتراب الصينيين بقوله: “نراهم في القطب الشمالي والفضاء الإلكتروني ويستثمرون في البنية التحتية الحيوية في بلادنا”.

منذ خريف 2012، يسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ نحو وضع بلاده في موقع الريادة العالمية. وأخيراً طرح الرجل مشروعاً حول “تجانس ووطنية ورجولة أكثر”. لا يأبه شي كثيراً للانتقادات الخارجية في مسعاه لتحقيق حلم “تجانس ثقافي” (كمشروع متواصل حتى مئوية الصين في 2049)، على حساب أقلية الإيغور المسلمة أو شعب التبت، أو حتى التلويح بالقوة لاستعادة تايوان، ففي كل مكان وصل إليه النفوذ الصيني يجري تكميم الأفواه المنتقدة.

ومن الملفت أن قلق واشنطن ودول حلف الأطلسي الأوروبية، يدفع ببعض المؤرخين والمراقبين إلى تشبيه مسعى الصين، وإلى حد ما استفادة موسكو منه لتوسيع التعددية القطبية، بأجواء الاستقطاب عام 1913، أي قبل عام من اندلاع الحرب العالمية الأولى في 1914. وفي حين أنه ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء صائبين، إلا أن المشهد يثير الاهتمام، مع الفزع من قدرة بكين على خوض حرب صاعقة في تايوان وغيرها، ومسعى صناع قرار المصالح الأميركية إلى “تحالف عالمي” بوجه ما يسمونه أنظمة التسلط في موسكو وبكين. فعلى رقعة الشطرنج، يبدو أن الرئيس جو بايدن، الذي تحدث عن تحالف الليبراليات، بات يضم إليه أيضاً أنظمة تسلطية وغير ليبرالية، وكأننا أمام حالة يأس غربي تستدعي الاستفادة من كل حجر وكل لاعب، في إطار تمهيد المسرح والحشد للعبة أكبر.

العربي الجديد