تشهد مدينة غلاسكو في اسكتلندا انعقاد المؤتمر الـ26 للدول والمجموعات والمنظمات الموقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ» أو الـ«كوب 26» وعلى مدى 12 يوماً سوف تجري مفاوضات شاقة ومعقدة تستهدف إيجاد المزيد من السبل واتخاذ إجراءات ملموسة لإبقاء الاحتباس الحراري عند أقلّ من 2 درجة مئوية، أو حتى بلوغ الهدف المرجو أكثر والمتمثل في 1.5 درجة مئوية.
وقبل أن تبدأ وفود قرابة 190 دولة وفريقاً في التفاوض كان عدد كبير من رؤساء وقادة الدول قد شاركوا في افتتاح المؤتمر، حيث شددت الكلمات على الكثير من حسن النوايا التي لم يكن من المؤكد أن قسطاً كافياً من وعودها سوف يتحول إلى أفعال ملموسة على طريق الهدف المعلن. وكان لافتاً بالمقابل أن اثنين من كبار قادة العالم غابا عن المؤتمر، فاكتفى الرئيس الصيني بإرسال كلمة مسجلة بالفيديو وشاء الرئيس الروسي عدم المشاركة حتى عبر الفيديو، وذلك رغم أن الصين هي المسؤولة الأولى عن حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأن الشركة الروسية «غازبروم» تأتي في المرتبة الثالثة ضمن لائحة الشركات العالمية المتسببة في احترار الأرض.
وهذا الغياب هو مجرد مظهر أول للمشكلات المستعصية التي تواجه مؤتمرات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة على سبيل تفادي الكوارث المتزايدة المحدقة بكوكب الأرض، والتي كان العام المنصرم خير شاهد على عواقبها الخطيرة، وبينها سقوط المئات ضحايا الفيضانات والسيول والأعاصير وحرائق الغابات، وليس في الدول والمجتمعات النامية وحدها بل في قلب الدول الغنية والمتقدمة. المظاهر الأخرى المقلقة تنطوي على الإخلال بالوعود التي قُطعت في مؤتمرات سابقة، خاصة قمة المناخ في باريس سنة 2015، وكذلك استمرار 20 شركة عالمية في المسؤولية عن ثلث انبعاثات الكربون على امتداد الأرض، خاصة وأن 12 شركة منها ليست ملك القطاع الخاص أو المجموعات المساهمة بل هي تابعة مباشرة للدول.
وليس خافياً أن الآمال المعلقة على مؤتمر غلاسكو إنما تنبثق أولاً من طبيعة الأخطار المفزعة التي باتت تهدد الإنسانية جمعاء، وتكفي عودة بسيطة إلى التقرير الأممي الذي صدر مطلع آب/ أغسطس الماضي للوقوف على الأهوال الكامنة، حيث أن متغيرات المناخ الأخيرة لم يسبق أن عرفها الكوكب منذ قرون أو آلاف عديدة من السنين، وأن استيطان ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كان في العام 2019 أعلى من أي معدل له على امتداد مليونَيْ سنة، إلى جانب أن درجات حرارة الأرض ارتفعت منذ سنة 1970 بأعلى من أي مقارنة مع 50 سنة منصرمة طوال 2000 سنة.
مراقبون كثر يتوقعون أن ينتهي مؤتمر غلاسكو إلى تعهدات ليل يمحوها نهار المصالح الضيقة للدول والشركات، ولن يقتصر هذا على الوعود الخاصة بالدرجة 1,5 من الاحتباس الحراري، بل سيشمل أولاً نسيان الالتزامات المالية تجاه مساعدة المجتمعات النامية على المشاركة في جهود الإنقاذ، وهذا مجرد وجه آخر للجشع في تكديس الأرباح والاستهتار بمصير الكوكب.
القدس العربي