سقط أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً في العراق، خلال أقلّ من أسبوع واحد، جرّاء اعتداءات نفّذها مسلحو تنظيم “داعش”. وسقط نصف الضحايا في محافظة ديالى، الخاصرة الشرقية للعراق الحدودية مع إيران، والنصف الآخر في كركوك وصلاح الدين، وفي ضواحي بغداد الشمالية، وأبرزها الراشدية ومقتربات الطارمية، التي عاشت أيضاً مآتم جديدة لضحايا الإرهاب. وتفاوتت هجمات “داعش”، ما بين كمائن مسلحة وتفجير عبوات ناسفة وألغام، وهجمات على ثكنات وربايا (مراصد) للقوات الأمنية العراقية، في مؤشر على تنامي قدرات جيوب وخلايا التنظيم مجدداً، بحسب مختصين في الشأن الأمني، خصوصاً لناحية تنسيق الهجمات وتزامنها، بالإضافة إلى التنفيذ واختيار الأهداف. وتتزامن هجمات التنظيم المتصاعدة مع الأزمة السياسية المستجدة والخانقة في العراق، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي رفضتها القوى الحليفة لإيران بعدما حقّقت نتائج متواضعة في الاستحقاق، وخسرت أكثر من ثلثي مقاعدها التي كانت لديها في البرلمان السابق، ما يرفع من سقف المخاوف من إمكانية استغلال تلك الأطراف، وخصوصاً الفصائل المسلحة التي خسرت أجنحتها السياسية في الانتخابات، مثل مليشيات “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” و”جند الإمام” و”بدر”، للملف الأمني المتراجع.
أدّت العمليات الإرهابية الأخيرة إلى ردود فعل انتقامية واسعة نفذتها فصائل مسلحة في ديالى
وكان ليل الثلاثاء – الأربعاء الماضي، قد شهد هجوماً لـ”داعش”، شمال شرقي بعقوبة، مركز محافظة ديالى خلّف 14 قتيلاً ونحو 15 جريحاً، أعقبه ست هجمات متتالية في كركوك وديالى والأنبار وصلاح الدين وأخيراً جبال مكحول في نينوى مساء السبت، راح ضحيتها عدد من عناصر الشرطة والجيش وقوات البشمركة الكردية، إلى جانب أربعة قرويين كانوا يعملون في صناعة الفحم بضواحي كركوك، وكان “داعش” قد أصدر فتاوى تكفير ضد عشائرهم بسبب مساعدتهم الجيش العراقي في عامي 2015 و2016 بتحرير مناطقهم. من جهتها، نفذت مقاتلات عراقية من طراز “أف 16″، صباح أمس الإثنين، ضربات جوية جديدة استهدفت جيوباً لمسلحي “داعش”، في مناطق شرق محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد. وأكدت وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن الضربات أسفرت عن مقتل مسلحين في التنظيم واعتقال آخرين، بعد محاصرتهم من قبل قوات لواء المغاوير الخاص، التابعة للمحافظة.
رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي-الأناضول
تقارير عربية
هل طلب نوري المالكي من ممثل “حزب الله” اللبناني مغادرة العراق؟
وأدّت العمليات الإرهابية الأخيرة لـ”داعش”، إلى ردود فعل انتقامية واسعة نفذتها فصائل مسلحة في ديالى، انتهت مساء السبت الماضي بإفراغ ثلاث قرى متجاورة من أهلها بشكل فعلي، لتضاف إلى مناطق عراقية أخرى منزوعة السكّان مثل جرف الصخر، ويثرب والعوجة والعويسات وغيرها من المدن، حيث نزحت مئات العائلات منها عقب هجمات دامية خلفت قتلى وجرحى وعمليات حرق وتدمير واسعة نفذتها المليشيات. وتولت حكومة مصطفى الكاظمي توزيع مساعدات مالية لكل عائلة فارة من تلك المناطق، تقدر بنحو 700 دولار عبر وزارة الهجرة لمساعدتهم، وسط انتقادات سياسية وحقوقية واسعة وجهت إلى الحكومة وقوات الجيش والشرطة، لجهة الإخفاق في حماية سكّان هذه القرى من الهجمات الانتقامية، والاكتفاء بمساعدتهم على النزوح.
ورفض جنرال عراقي بارز في قيادة العمليات المشتركة ببغداد، خلال اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، تحميل الجيش مسؤولية الهجمات الأخيرة لـ”داعش”، لكنه اعتبر أن الإعلان عن القضاء على التنظيم في العراق “كان مستعجلاً وحمل طابعاً سياسياً أكثر من كونه أمنياً قائماً على معلومات أو وقائع، إذ كان هناك الكثير من المسلحين الذين تسلّلوا وفرّوا من المدن التي دخلها الجيش، ولم يقتلوا أو يتم أسرهم”. ولفت المصدر إلى أن “الجانب السوري (قوات النظام) والتشكيلات الأخرى المتحالفة معها (الفصائل الموالية لإيران) غير متعاونة في ما يتعلق بملف المناطق الحدودية (التي يسيطر عليها النظام، والمقدرة بنحو 400 كيلومتر من أصل 600 كيلومتر مجموع الحدود بين البلدين)”، لافتاً إلى أن العراق “يمتلك أدلة على استمرار عمليات التسلل بين حين وآخر من الأراضي السورية إلى داخل العراق، وهو ما يحدث أيضاً في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (“قسد”) ضمن الحسكة وأجزاء من دير الزور”.
وفيما كشف المصدر عن قرب عقد مسؤولين في وزارة الدفاع العراقية لقاءات مع نظرائهم في النظام السوري، لمناقشة ضبط الحدود سورياً، حيث تعتقد بغداد أن الفساد المستشري وعمليات التهريب على الحدود تشكل سبباً لإبقاء منافذ عبور لمسلحي “داعش” بين البلدين، رأى في الوقت ذاته أن الهجمات الأخيرة لـ”داعش”، تؤكد أهمية استمرار دعم التحالف الدولي للعراق خلال الفترة المقبلة. وتحدث المسؤول عن أن الجيش العراقي دفع بتعزيزات عسكرية جديدة في المناطق التي شهدت هجمات إرهابية أخيراً، بحجم لواءين من الجيش ووحدتين من جهاز مكافحة الإرهاب، وعن توجه لبدء حملة عسكرية ضخمة بدعم التحالف الدولي قريباً، محذراً من أن الهجمات الأخيرة كان هدفها خلق أزمة جديدة، وسط تحسب من حصول هجمات أخرى قد تستغلها فصائل مسلحة لتنفيذ عمليات انتقامية، على غرار ما حصل في ديالى قبل أيام وراح ضحيتها أبرياء”، بحسب رأيه. وحول خريطة نشاط التنظيم وجيوبه، أوضح أنها تنحصر ضمن مثلث سلسلة جبال حمرين، مروراً بجنوب غرب كركوك، وصولاً إلى جبال قره جوغ ومناطق زمار ومكحول.
وفي هذا السياق، أوضح المستشار السابق لوزارة الدفاع العراقية، معن الجبوري، أن التنظيم “يستغل أي ركود أمني لتنفيذ هجماته، حيث ينشط حالياً في مناطق جغرافية معروفة على شكل خلايا صغيرة وضمن تكتيك جديد يسعى من خلاله إلى خلط الأوراق واستغلال الأزمة السياسية الحالية بعد الانتخابات ومخرجاتها”. ولفت الجبوري في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن التنظيم يجيد التحرك في مناطق محددة كونه نشأ فيها ويعرف طبيعة التعامل معها، مستغلاً إشكالية تعدد القيادات الأمنية والتشكيلات، وهذا التعدد يستغل كنقطة ضعف”. واعتبر أن السكّان المحليين يتعرضون لضغوط يومية بسبب الأوضاع الحالية، أما القوات الأمنية فلا يزال لديها مشكلة في مسألة الإمساك بالأرض والسيطرة عليها، وأيضاً مشكلة في توظيف المعلومات الأمنية”. وإذ حذّر الجبوري من أن التنظيم الإرهابي يحاول استغلال الأزمة السياسية الحالية في البلاد، رأى أن حكومة الكاظمي تقوم بدورها، لكن المشكلة تكمن في الأطراف السياسية الأخرى، في إشارة إلى توظيف اعتداءات التنظيم سياسياً وطائفياً لصالح القوى المختلفة.
جنرال عراقي: قوات النظام و”قسد” غير متعاونين بملف ضبط الحدود
في المقابل، ربط رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان المنتهية ولايته، محمد رضا، أسباب الهجمات الأخيرة المتصاعدة لـ”داعش”، بما رآه “سوء تخطيط وقرارات غير صحيحة”. وأضاف رضا في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القيادات الأمنية، وخصوصاً الاستخبارية منها، تتحمل مسؤولية هذه الهجمات، وهناك ضباط غير أكفاء في العمل الاستخباري، وفشلوا في تحقيق أي إنجاز، عدا عن تدخل جهات سياسية وضغطها على القيادات الأمنية والعسكرية والتدخل في الملف الأمني دون رادع من الحكومة”. أما السبب الآخر، برأيه، فهو الفساد، حيث هناك تورط لحواجز أمنية بين كركوك وديالى مثلاً بالفساد وأخذ إتاوات من السيارات والشاحنات المارة دون التدقيق أو التأكد، وهذه نقاط رئيسية مهمة يجب عدم إغفالها”. كما لفت إلى أن الكثير من العمليات العسكرية ضد خلايا التنظيم، والتي تعلن بين الحين والآخر، هي “إعلامية”، معتبراً أن “الجهد الاستخباري لا يزال ضعيفاً، فيما بدّل التنظيم من أسلوب هجماته أخيراً، إذ صار يعتمد على هجمات سريعة وبأعداد قليلة”.
وبحسب رضا، فإن الضغط المتواصل على قوات الأمن منذ قبل الانتخابات إلى ما بعدها، والتركيز على الأزمة السياسية وتداعياتها، كان لها تأثير سلبي على قوات الأمن العراقية بالمجمل”. وقال: “نحتاج مع الحكومة المقبلة إلى استبدال قيادات أمنية وعسكرية بأخرى أكثر كفاءة، وبمنح القيادات الميدانية صلاحية العمل والتحرك ومنع التدخل السياسي في عملهم”.
واعتبر الناشط السياسي في محافظة ديالى، علي القيسي، أن الأخطر من هجمات “داعش”، هو “توظيف بعض المليشيات لها واستغلالها طائفياً لإعادة إنتاج خطاب كريه داخل المجتمع، غادره منذ تظاهرات 2019 بشكل نهائي”، متهماً حكومة الكاظمي “بالتقصير لاتخاذها دور المتفرج ومنح دورها في التعليق أو شرح الأحداث للأحزاب والفصائل المسلحة”.
العربي الجديد