بدء حوار نووي جديد يمكّن واشنطن من تقييد طموحات بكين

بدء حوار نووي جديد يمكّن واشنطن من تقييد طموحات بكين

تتحرك الصين بنسق متسارع جدا نحو إنتاج ترسانة من الأسلحة النووية المتطورة وامتلاكها بعد عقود من حفاظها على قدرات دفاعية متواضعة نسبيا. وهي استراتيجية دفاعية قد تقود العالم نحو مستقبل أكثر خطرا من أي وقت مضى خاصة في ظلّ تنامي التنافس بين بكين وواشنطن التي انتبهت مؤخرا إلى مدى توسع الصين في مناطق نفوذ كثيرة بينما انشغلت الولايات المتحدة بصراعات الشرق الأوسط.

واشنطن – أصبح احتمال وقوع كارثة عالمية أمرا مرجحا تماما في ظل التراجع السريع في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، المتصارعتين على النفوذ الاقتصادي والسياسي، وصار الطرفان بحاجة إلى إعادة الاستقرار لهذه العلاقات قبل أن يواجه العالم سباقا نوويا جديدا، وربما حربا عالمية ثالثة مدمرة. وتدفع هذه التطورات المتفاقمة محللين وخبراء عسكريين لبحث أفضل السبل المتاحة أمام واشنطن لردع بكين عن تحركاتها النووية.

وتقول وكالة بلومبرغ للأنباء في تقرير إنه أصبح من الصعب خلال الشهور الأخيرة عدم ملاحظة الطموحات النووية المتزايدة للصين. وتشير صور الأقمار الاصطناعية إلى أن الصين تقوم ببناء أعداد كبيرة من أماكن حفظ الصواريخ الباليستية الجديدة العابرة للقارات. وأنتجت الصين صواريخ باليستية عابرة للقارات يصعب استهدافها، ويمكن إطلاقها على نحو أسرع من الصوت. وتقوم الصين بتعزيز أسطولها من غواصات الصواريخ الباليستية وتطوير قاذفات ذات قدرات نووية.

وربما، في يوم من الأيام، تستطيع الأسلحة الأكثر إبهارا، بما في ذلك طائرة شراعية أسرع من الصوت أعلنت الصين أنها اختبرتها خلال فترة الصيف، تجنب التعرض للدفاعات الصاروخية الأميركية.

وتتوقع وزارة الدفاع الأميركية زيادة مخزون الصين من الرؤوس الحربية إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2030. وهذه النجاحات يحتمل أن تكون مزعزعة للاستقرار، خاصة في ظل غموض الأهداف النووية للصين، وغموض عقائدها العسكرية. وهناك غموض أيضا في ما يتعلق بتعهد بكين بأنها لن تكون أبدا البادئة باستخدام الأسلحة النووية، وكذلك الحديث عن تحويل بعض الصواريخ إلى وضعية ”الإطلاق بمجرد وجود تحذير”. ومن الممكن أن يؤدي المزج بين وضع رؤوس حربية تقليدية ونووية في بعض القواعد، وعلى بعض الصواريخ، إلى وقوع كارثة في أي صراع إذا لم يستطع خصم تحديد ما إذا كان يواجه هجوما نوويا أم لا.

وعلاوة على ذلك، فإنه مع زيادة حجم وتطور ترسانة الصين، تتزايد احتمالات اندلاع مثل هذا الصراع. وقد يشعر قادة الصين بارتياح أكثر بشن حرب تقليدية بشأن تايوان إذا كانت لديهم ثقة بأنهم حققوا حالة جمود نووي مع الولايات المتحدة، إذ أن رفضهم حتى مناقشة هذه القضايا رسميا، ناهيك عن المشاركة في أي محادثات بشأن الحد من التسلح، لا يؤديان سوى إلى تعميق عدم الثقة.

وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى تحقيق توازن دقيق. فمن ناحية، تحتاج إلى الحفاظ على رادعها الخاص. وينبغي على إدارة الرئيس جو بايدن مواصلة جهود الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتطوير أسطول البحرية من غواصات الصواريخ الباليستية، بينما ينبغي على السلاح الجوي العمل على تطوير وسائل غير مأهولة لإيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ التي تطلق من الجو، بالإضافة إلى شراء قاذفات بي – 21.

ومن ناحية أخرى، يحتاج البيت الأبيض إلى أن يجعل هذا التهديد نصب عينيه، فمن الممكن أن تظل الكثير من مستودعات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الجديدة فارغة، في الغالب لإرباك محددي الأهداف الأميركيين. وحتى إذا زادت الصين مخزونها بأربعة أضعاف، فإنها ستظل بعيدة كثيرا عن عدد الرؤوس الحربية البالغ عددها 3750 في ترسانة الولايات المتحدة.

الصين مهتمة بضمان قدرتها على استيعاب ضربة أولى والرد عليها أكثر من أن تتساوى مع الولايات المتحدة في عدد الأسلحة

وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من السياسات الجديدة التي تتجه إليها الصين، بما في ذلك المزج بين الأسلحة التقليدية والنووية، والإطلاق بمجرد التحذير، هي بالفعل معدة لتناسب مواجهة الولايات المتحدة وروسيا.

وفي الوقت الحالي يبدو أن الصين مهتمة بضمان قدرتها على استيعاب ضربة أولى والرد عليها أكثر من اهتمامها بأن تكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى عدد الأسلحة. وهذا يجعل من الضروري على وزارة الدفاع الأميركية عدم المبالغة في رد الفعل.

فمن ناحية، يتعين على الصين أن تبحث جيدا حجم إنفاقها على الدفاعات الصاروخية التي تؤجج السباق لتطوير أسلحة أسرع من الصوت، وليس من المحتمل على الإطلاق أن توفر الحماية التامة ضد أي هجوم من جانب الصين. والأفضل هو التركيز على تعزيز الإمكانيات التقليدية.

ومؤخرا أشعلت جزيرة تايوان بوادر صراع محتمل بين الصين والولايات المتحدة بعد أن ارتفعت مستويات التوتر بين تايبيه المتمتعة بحكم ديمقراطي وبكين التي تكثف الضغوط العسكرية والسياسية لإجبارها على قبول السيادة الصينية، الأمر الذي يرفضه أغلب سكان الجزيرة البالغ عددهم حوالي 23 مليون نسمة. وسبق أن أكد الرئيس الأميركي بايدن أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم من جانب الصين.

أفضل طريقة لمنع اندلاع حرب بشأن تايوان هي إقناع الصين بأن تكاليف الحرب ستكون باهظة للغاية

ويقول تقرير وكالة بلومبرغ الأميركية إن أفضل طريقة لمنع اندلاع حرب بشأن تايوان هي إقناع الصين بأن تكاليف مثل هذه الحرب ستكون باهظة للغاية. وسوف يتطلب ذلك تجهيز القوات الأميركية بصواريخ جديدة طويلة المدى مضادة للسفن، ومسيرات سطحية وتحت البحر، وشبكات مرنة لساحة المعركة.

كما يتعين على الولايات المتحدة تعميق التنسيق مع الحلفاء مثل اليابان وأستراليا بشأن سيناريوهات حدوث أزمة، مع ضمان امتلاك تايوان للأسلحة والتدريب الضروريين للتماسك حتى يمكن أن تصل المساعدة.

والأمر الأكثر أهمية هو أنه يتعين على بايدن عندما يلتقي نظيره الصيني شي جين بينغ عبر الفيديو في وقت لاحق هذا العام التأكيد على الحاجة لتحقيق استقرار العلاقات الأميركية – الصينية الأوسع نطاقا، بدءا بالقضية النووية. وربما تضع الصين في اعتبارها تماما أن الإبقاء على الولايات المتحدة في حالة تخمين بشأن نواياها يوفر لها ميزة استراتيجية، ولكن ينبغي على بايدن أن يؤكد أن العلاقات الأفضل سوف تظل غير مؤكدة إذا ما دخلت الصين في منافسة نووية لا يمكن التحكم فيها.

ومن أجل بناء الثقة، يتعين على الجانبين بدء حوار نووي جديد، وترسيخ آليات أكثر قوة لمواجهة الأزمات، والإبقاء على إمكانية إجراء محادثات رسمية بشأن الحد من التسلح.

وذكر تقرير بلومبرغ في نهايته أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي احتاجا إلى تجربة الصواريخ الكوبية، شبه المميتة، ليدركا قيمة المزيد من الشفافية النووية، والدبلوماسية والاتصالات، وحتى في ذلك الوقت لم تكن الأمور سلسة على الدوام. وليس هناك مبرر لتكرار نفس الخطأ.

العرب