الرافعة النفطية وحلول أخرى أمام العراق لتجنب أزمات اقتصادية جديدة بعد كورونا

الرافعة النفطية وحلول أخرى أمام العراق لتجنب أزمات اقتصادية جديدة بعد كورونا

بغداد – رجحت مجلة إيكونوميست إنتلغنس (Economist intelligence) البريطانية المتخصصة عدم تعافي 5 اقتصادات -من بينها العراق- خلال العام المقبل، إلا أنها ستبقى مكانا مغريا للمصالح الاستثمارية الأجنبية لتنشط من جديد؛ شريطة المضي في خطط وإصلاحات مالية واقتصادية.

وتعتمد ميزانية العراق العامة بأكثر من 95% على الإيرادات المالية المتحققة من بيع الذهب الأسود، حيث حجم الإنتاج النفطي أكثر من 4 ملايين برميل في اليوم، في حين يبلغ حجم التصدير أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، وذلك وفقا لوزارة النفط العراقية.

وتعرض الاقتصاد العراقي إلى أزمة تمويل مالية خانقة العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا وتدهور أسواق النفط، مما أدى بالحكومة وقتها إلى خفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي؛ في خطوة لتمويل النفقات المالية والالتزامات الاجتماعية ورواتب القطاع العام.

صالح يرى أن تراجع مالية العراق سببه تدهور مساهمة القطاع النفطي وانخفاضها إلى قرابة النصف العام الماضي (الجزيرة)
تراجع معدلات النمو
وقال مستشار الحكومة العراقية للشؤون الاقتصادية الدكتور مظهر محمد صالح إن التراجع الحاد في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي من 9 إلى 10% كان مؤثرا كبيرا بتراجع الاقتصاد الوطني، وجاء تحت تأثير نمطين ريعيين منخفضين أسهما في ذلك التراجع.

ويحدد صالح النمطين خلال حديثه للجزيرة نت؛ فالأول نتيجة ضعف النمو الزراعي بسبب شح المياه وقلة الأمطار والجفاف مما أدى إلى انخفاض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي حتى تحول العراق لمستورد صاف للمواد الغذائية من دول الجوار الإقليمي.

في حين كان النمط الثاني -وفق المستشار الاقتصادي- هو تدهور إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاضه نحو النصف؛ وهو ما أسماها “الضربة الريعية المزدوجة” للناتج المحلي، أي ضربة انخفاض مساهمة “الزراعة والنفط” متمثلة في انخفاض وتدهور النمو الاقتصادي إلى جانب انغلاق الاقتصاد العالمي والمحلي بسبب كورونا، مما تسبب في تفاقم الحياة المعيشية التي وضعت نحو 2.7 مليون عائلة عراقية جديدة دون خط الفقر.

نمو متباطئ
رغم تحسن عائدات النفط العراقي في الأشهر الأخيرة التي وصلت ضعف عائدات العام الماضي، فإن مؤشرات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وفق -المستشار الاقتصادي- ما زالت متواضعة تقارب 1% فقط، الذي يؤشر إلى نمو سنوي متباطئ يبقى دون معدل نمو السكان السنوي البالغ 2.6%، وسيتولد عنها مشكلات في الرفاهية الاقتصادية وعدالة توزيع الدخل بين السكان.

ورأى صالح أن العمل على نهضة اقتصاد البلاد لعام 2023 تقتضي تحريك الاستثمار الحكومي لاستغلال الموارد الطبيعية، وتوجيه حصيلة عوائدها لصناديق تمويل أكثر من 50 ألف شركة متوقفة عن العمل في القطاع الأهلي، وتعزيزها بخطوط التكنولوجيا العصرية والرقمية لتحقيق طفرة في النمو الاقتصادي لا تقل عن 5%، حيث تمثل ضعف معدلات نمو السكان على وجه التقريب، ومن ثم الزحف لمعدل الهدف المنشود في للنمو بمعدل 7%.

الربيعي رأى أن الرغبات الحكومية الإصلاحية ما زالت تحبو في طريق طويل غير معبد (الجزيرة)
الإصلاحات البيضاء
رغم الإصلاحات الاقتصادية المختلفة التي أقدمت الحكومة الحالية على تنفيذها، فإن توجهات ورغبات إصلاحية أخرى ما زال أمامها طريق طويل وغير معبد من أجل تنفيذها بسبب ارتفاع معدلات التضخم والفقر، حسب المختص في الشأن الاقتصادي حيدر الربيعي.

وفي حديثه للجزيرة نت يرى الربيعي أن “الورقة البيضاء” الإصلاحية التي أقرتها الحكومة تمثل انعطافة مهمة للاقتصاد العراقي بشكل خاص لجوانبها المتعددة الاستثمارية والصناعية والتنموية، فضلا عن كونها خارطة طريق شاملة تهدف إلى إصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد والمتراكمة على مدى السنوات الماضية، بسب الفساد وغياب التخطيط إضافة إلى الريعية النفطية لتمويل إيرادات الدولة.

وبجانب الورقة البيضاء يشدد الربيعي أيضا على ضرورة استمرار الحكومة في تحقيق المزيد من الإصلاحات الضريبية والجمركية لزيادة إيرادات البلد المالية، إضافة إلى تنويع موارد الدولة وتمكين القطاع الخاص ودعمه.

الصائغ يبدي تخوفه من تواتر الأزمات الاقتصادية على العراق مع ظهور سلالات جديدة لكورونا (الجزيرة)
كورونا والاقتصاد
ومع التخوف العالمي من استمرار ظهور سلالات جديدة لكوفيد-19، يتخوف الخبير الاقتصادي مناف الصائغ من تعرض الاقتصاد الريعي بشكل سريع لأزمات اقتصادية متواترة تزامنا مع تلك السلالات؛ مما يؤدي إلى زيادة النمط الاستهلاكي غير المنتج.

وقال الصائغ للجزيرة نت إن تجنب العراق تأثيرات السلالات الجديدة يكون عن طريق الرافعة القطاعية النفطية من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني خلال السنوات الخمس المقبلة، عبر الشراكة مع القطاع الخاص، إضافة إلى تحريك ملف قطاع البناء والإعمار الذي يؤدي إلى خلق فرص عمل حقيقية والمساهمة في حل أزمة السكن التي ترهق كاهل المواطنين الذين يسكنون بالإيجار ويكون إيجارهم الشهري نحو 400 ألف دينار (275 دولارا) في أدنى المناطق الشعبية، ويرتفع في مناطق أخرى إلى حدود 1200 دولار شهريا.

ويضيف الصائغ أن مشكلة الاقتصاد العراقي -إضافة إلى أنها سياسية- فهي مجتمعية؛ كون الفرد العراقي تحول إلى مستهلك وليس منتجا، مؤكدا الحاجة إلى برنامج اقتصادي لتغيير تفكير الإنسان في نمط حياته وسلوكه الاجتماعي، والابتعاد عن جميع المفاهيم الاتكالية والعشائرية المؤثرة على الاقتصاد العام، حسب قوله.

الاقتصاد والسياسة
وتربط المديرة التنفيذية ورئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات في لندن الدكتورة رنا خالد اقتران تعافي الاقتصاد العراقي من الجائحة بقدرة القادة السياسيين على تحقيق التوافق السياسي.

وقالت للجزيرة نت إن البوادر السياسية لا تزال ضعيفة في هذا الاتجاه، مرجحة تعرض العراق لخسائر فادحة إذا لم يتم تدارك ملف الاستقرار السياسي وتأثيره المباشر على الاقتصاد الوطني.

وأضافت أن الاقتصادات الكبرى في قمة العشرين تعهدت بعدم التساهل مع الحكومات الهشة التي لا تلتزم بالتنمية الاقتصادية الشاملة، الأمر الذي يضع العراق بعزل عن الدعم والتسهيل الدولي ما لم يبت في إصلاحات اقتصادية جادة.

المصدر : الجزيرة