كبار أوبك+ يسعون لتلافي ضغوط واشنطن بشأن زيادة الإنتاج

كبار أوبك+ يسعون لتلافي ضغوط واشنطن بشأن زيادة الإنتاج

لا يبدو أن المنتجين الكبار في تكتل أوبك+ متجاوبون مع الضغوط التي تمارسها واشنطن من أجل زيادة الإنتاج في السوق بكميات تسمح بالتحكم في الأسعار. لكن خبراء لا يستبعدون أن تنجح واشنطن في التأثير على حلفائها، وخاصة السعودية، من أجل المساعدة في تحقيق ما تطالب به.

يأتي هذا في وقت تزداد فيه المخاوف من ارتفاع مستمر لأسعار الغاز، خاصة في أوروبا التي تقع تحت رحمة المورد الروسي وتسعى للبحث عن بدائل لتخفيف الاعتماد الكلي على موسكو.

ومرت تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة العشرين دون تأثير إلى حد الآن، وقد جاء في تلك التصريحات أن “امتناع روسيا والسعودية والمنتجين الكبار الآخرين عن ضخ المزيد من النفط (…) ليس أمرا عادلا”.

حليمة كروفت: الضغط الأميركي قد يدفع السعودية إلى القبول بزيادة أكبر

وعادة ما تضغط الولايات المتحدة على السعودية كحليف سياسي من أجل زيادة إنتاج النفط لتهدئة الأسواق. لكن الأمور تغيرت وباتت المملكة وروسيا -التي تنسق مع السعودية في هذا الشأن- تتحكمان في الكميات المعروضة وتدفعان نحو ارتفاع الأسعار بشكل تدريجي، في تعارض مع رغبة واشنطن.

كما تبحث الولايات المتحدة عن مساعدة إماراتية من أجل تحرك داخل أوبك+ يستجيب لرغبتها في ضخ كميات أكبر مما هو مقرر، وهو ما تتمسك به السعودية وروسيا.

وطالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان بزيادة بلاده إنتاجها من النفط، وذلك خلال لقاء بينهما على هامش قمة المناخ.

وأعرب بلينكن عن قلق بلاده حيال مسألة تشكيل سوق متوازنة للطاقة، داعيًا كبار منتجي الطاقة مثل الإمارات إلى زيادة الإنتاج ريثما تعود أسواق الطاقة والظروف الاقتصادية إلى سالف عهدها بعد فترة وباء كورونا.

وبعد تمسك اجتماع أوبك+ بموقف المنتجين الكبار، صعد البيت الأبيض موقفه منتقدا الإبقاء على سياسة إنتاج النفط دون تغيير.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن منظمة أوبك+ “غير راغبة على ما يبدو في استخدام القدرة والنفوذ اللذين تملكهما الآن في هذه اللحظة الحرجة من التعافي العالمي للبلدان في جميع أنحاء العالم”.

وأوردت قناة “العربية” الخميس أن إنتاج السعودية من النفط سيتجاوز العشرة ملايين برميل يوميا في ديسمبر، وذلك للمرة الأولى منذ جائحة كوفيد – 19.

ويبلغ إنتاج السعودية حاليا 9.562 مليون برميل يوميا، ما يعني أن الزيادة التي تحدثت عنها القناة قد تشمل فقط كمية الـ400 ألف برميل المعلن عنها.

لكن مراقبين يعتقدون أن الضغوط الأميركية يمكن أن تؤثر في الموقف السعودي. وقالت حليمة كروفت من مجموعة “رويال بنك أوف كندا” إنه “نظرا لشدة الضغط الذي يمارسه البيت الأبيض والدول المستهلكة الأخرى لا يمكننا بأي حال من الأحوال استبعاد أن تعطي السعودية (التي تقود التحالف) (…) الضوء الأخضر لزيادة أكبر من 400 ألف برميل يوميا”.

وتدفع دول كبرى أخرى مستهلكة للذهب الأسود مثل الهند واليابان تحالف أوبك+ إلى التحرك.

وتقول مصادر إن السعودية تعارض زيادة تفوق 400 ألف برميل يوميا، وهو ما لم تعترض عليه روسيا التي كانت تطالب في وقت سابق من هذا العام بزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع.

Thumbnail
وباتت السعودية تتعاطى بشكل مختلف مع الضغوط التي كانت تمارس عليها سابقا من قبل الولايات المتحدة لزيادة كميات الإنتاج أو التحكم في الأسعار، وهو تطور يعود إلى دخول المملكة مرحلة الإصلاحات التي تحتاج فيها إلى تمويلات كبرى، ولهذا تبذل كل ما في وسعها لمراعاة مصالحها قبل مصالح الحلفاء.

وتقول مصادر إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يشرف على سياسة النفط في المملكة يحتاج إلى تمويل مبادرات مثل رؤية المملكة 2030 التي تمثل خططا طموحة للإصلاح الاقتصادي، وإنه يحتاج إلى أسعار نفط مرتفعة لمساعدته على تحقيق ذلك.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر أن الأمير محمد بن سلمان “هو من يرسم الخطوط العامة لسياسة السعودية في ما يتعلق بالنفط وأوبك، وأنه أعطى تعليمات تقضي بضرورة التأكيد في الاجتماع السابق على أنه لن تكون هناك زيادة أخرى”.

وما يزيد من ثقة تكتل أوبك+ بشأن قدرته على ضخ الكميات التي يقررها والتحكم في الأسعار هو التراجع اللافت للنفط الصخري في الولايات المتحدة بسبب تكاليف استخراجه.

وقالت مصادر في تكتل أوبك+ إن السعودية وروسيا ازدادتا وثوقا من أن ارتفاع أسعار النفط لن يفضي إلى استجابة سريعة من صناعة النفط الصخري الأميركية، الأمر الذي يعكس رغبة في زيادة الإيرادات وتعزيز مبررات عدم زيادة إنتاج التكتل بوتيرة أسرع.

وتساعد مؤشرات تراجع قلق الرياض وموسكو من ارتفاع الأسعار على تفسير رفض أوبك+ نداءات من الولايات المتحد ودول أخرى مستهلكة تطالب بالتخلص -بوتيرة أسرع- من تخفيضات الإنتاج التي تقررت العام الماضي خلال أسوأ مراحل الجائحة.

وقال مصدر روسي في التكتل “أوبك+ تبقي عينها على إنتاج النفط الأميركي واحتياطياته، وفي الوقت الحالي ليس لدى التحالف أي مخاوف في هذا الصدد… فإنتاج النفط الصخري الأميركي يتعافى بوتيرة متواضعة نسبيا”.

ويبدو أن هذا الاتجاه خفف حدة تخوّف أوبك+ من أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي.

وقال جاري روس، الرئيس التنفيذي لبلاك جولد إنفستورز وله باع طويل في متابعة أوبك+، “ما من شك في أن السعوديين والروس رفعوا طموحاتهم السعرية؛ فقد بدأوا السنة بهدف غير رسمي قدره 75 دولارا لبرنت، لكنهم يشعرون بارتياح متزايد للسعر الأعلى”.

Thumbnail
ومن شأن تمسك كبار أوبك+ بتنفيذ خطتهم في الزيادة المحددة والمحسوبة وفق مصالحهم وما يترتب عليها من ارتفاع للأسعار أن يفاقم أزمة الطاقة في الوقت الذي تبدو فيه روسيا بصدد توظيف الغاز كورقة ضغط في مفاوضاتها مع أوروبا حول مسائل هي أبعد من موضوع الطاقة.

ولئن قالت روسيا إنها ملتزمة بتلبية الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي وحريصة على الوصول إلى سوق متوازنة ومستقرة، وإنها تدعم بيعه بأسعار معقولة، فإن شكوكا على نطاق واسع تنظر إلى ارتفاع الأسعار على أنه لعبة روسية، وهذا ما سبق أن أشار إليه الرئيس الأميركي بايدن خلال وجوده في قمة العشرين.

ودعا أعضاء في البرلمان الأوروبي المفوضية الأوروبية إلى إجراء تحقيق حول وجود دور لشركة الغاز الطبيعي الروسية العملاقة غازبروم في الارتفاع الحالي لأسعار الغاز.

وقال الأعضاء إن لديهم شكوكا في وجود عمليات تلاعب في السوق ما أدى إلى بلوغ الأسعار مستويات غير مسبوقة.

وفي أكتوبر قفزت أسعار الغاز العالمية إلى مستويات قياسية بالتزامن مع تزاحم شركات المرافق على شحنات الغاز الطبيعي المسال لإعادة ملء المخزونات في أوروبا وتلبية طلب متزايد في آسيا.

ويقول محللو سوق الغاز إن هذه الخطوة أظهرت أن أوروبا أصبحت رهينة بشكل متزايد لروسيا التي تنتظر مصادقة ألمانيا على مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي سيجلب المزيد من الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق.

وبدأت أوروبا بالبحث عن بدائل إضافية للتخفيف من الاعتماد الكامل على روسيا، وهو ما ظهر من خلال تصريحات جزائرية تتحدث عن زيادة حصة الجزائر نحو أوروبا بصفة مفاجئة، ما يوحي بأن الأوروبيين والأميركيين يقفون وراءها.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن وزير الطاقة محمد عرقاب قوله الثلاثاء إن الجزائر تسعى لزيادة حصتها في سوق الغاز الأوروبية إلى أكثر من الحصة الحالية البالغة 30 في المئة.

صحيفة العرب