أزمة المناخ تدفع الساسة إلى تفكير مختلف في الطاقة النووية

أزمة المناخ تدفع الساسة إلى تفكير مختلف في الطاقة النووية

غلاسكو (أكستلندا) – فتح مؤتمر الأطراف “كوب-26” المنعقد في غلاسكو مجالا للحديث عن الطاقة النووية لم يكن متاحا خلال أكثر من عقدين، كان فيها مروّجو الطاقة النووية ومقدّموها غير مرحّب بهم لارتباط هذه الطاقة الكبير بالحروب والنزاعات والسباق نحو التسلّح.

وأبقى شبح كارثتي تشرنوبيل وفوكوشيما النوويتين، بالإضافة إلى مشكلة النفايات النووية المستمرة، هذه الطاقة المتولدة عبر انقسام الذرات مهمّشة، رغم أنها شبه خالية من الكربون. لكن قد تتبدل المواقف بعد أن أدرك الجميع أن أزمة المناخ تتفاقم والحاجة إلى الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري أصبحت أكثر إلحاحا.

وقال رافاييل ماريانو غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقابلة، إن مؤتمر الأطراف هذا هو الأول الذي “نشارك فيه. الآراء تتغير”.

واعتبر أن “الطاقة النووية جزء من حلّ ظاهرة الاحترار المناخي، وليست هناك طريقة لتجنبها”. فالطاقة النووية تمثل ربع الطاقة “النظيفة” في كل أنحاء العالم.

ومن أجل الحصول على فرصة لحصر الاحترار العالمي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، يجب خفض انبعاثات الدفيئة العالمية بمقدار النصف تقريبا في غضون عقد، وفقا للعلماء. لكن الأمور ما زالت تتحرك في الاتجاه الخاطئ. فقد أظهر تقرير الخميس أن الانبعاثات في العام 2021 تقترب من مستويات قياسية، بينما حذّرت الوكالة الدولية للطاقة من أن الانبعاثات قد تصل إلى آفاق جديدة بحلول العام 2023. ومن شأن هذا الأمر المساعدة في إعادة تركيز الانتباه على الطاقة النووية.

وقال كالوم توماس رئيس شركة توظيف في قطاع الطاقة النووية يشارك في كوب-26 ويرتدي قميصا كتب عليه “لنتحدث عن الطاقة النووية”، إنه “في مؤتمر الأطراف الذي عقد في العام 2015 في باريس، لم تكن الطاقة النووية موضع ترحيب”.

وأوضح أنه في السابق كان هناك اعتقاد سائد بأنه ليست هناك حاجة إليها. لكن الآن، تبحث العديد من الدول في فوائدها خصوصا مع ارتفاع أسعار الغاز.

ومنذ توليه رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل نحو عامين، كان الدبلوماسي الأرجنتيني غروسي، مدافعا شرسا عن هذا القطاع، حتى أنه ذهب إلى المؤتمر الأول في مدريد رغم الافتراض العام بأن الطاقة النووية لن تكون موضع ترحيب.

لكن في غلاسكو حيث ما زال نحو مئتي بلد يحاول إحياء اتفاق باريس للعام 2015، كان الوضع مختلفا تماما. وقال غروسي “لم تكن الطاقة النووية موضع ترحيب فحسب، بل أثارت أيضا الكثير من الاهتمام”.

ويقول غروسي إن هذه التكنولوجيا لا يمكنها تسريع عملية الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري فحسب، بل أيضا تعزيز البحوث بشأن التقنيات اللازمة للتكيف مع تأثيرات المناخ، من إيجاد محاصيل مقاومة للجفاف إلى القضاء على البعوض، مقرا بأن الطاقة النووية تنطوي على أخطار كبيرة.

فقد أدى تدمير ثلاثة مفاعلات في محطة فوكوشيما اليابانية للطاقة في العام 2011 عقب زلزال تسونامي إلى زعزعة الثقة في الطاقة النووية بشدة.

ولم تجد هذه الصناعة بعد طريقة للتخلص من النفايات النووية التي تبقى عالية النشاط الإشعاعي للآلاف من السنين.

لكن غروسي أوضح أن هذه المسائل لا ينبغي أن تؤدي إلى استبعاد خيار استخدام الطاقة النووية، قائلا إنه بالاستناد إلى الإحصاءات، هذه التكنولوجيا لديها تداعيات أقل من العديد من أشكال الطاقة الأخرى. كما قد تكون مكملا لمصادر الطاقة المتجددة.

وأضاف أن “الطاقة النووية تستمر وتتواصل طوال العام ولا تتوقف مطلقا”.

لكن، نظرا إلى الفترات الطويلة التي يحتاج إليها إنشاء محطات نووية، يقول كثيرون إن الأوان قد فات لبناء قدرة نووية كافية للانضمام إلى الجهود المبذولة لمكافحة الاحترار المناخي.

إلا أن غروسي قال إنه يعتقد أن جزءا من الإجابة يكمن في الحفاظ على المفاعلات الحالية قيد التشغيل، لافتا إلى أن العديد من محطات الطاقة المصممة للعمل 40 عاما حصلت على ترخيص لتبقى قيد الخدمة لمدة 60 عاما بموجب معايير أمان وطنية صارمة تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتساءل: ما الذي قد يكون أكثر فعالية من بناء منشأة تمنحك الطاقة لقرابة مئة عام؟

ومن ناحية كلفة بناء محطة نووية وتشغيلها، قال غروسي إن ذلك لم يعد حاجزا، موضحا أن “الدول ترى في الوحدات الأصغر بديلا مثيرا للاهتمام، وهي تكلّف المئات من الملايين فقط وليس المليارات، وعندما يتعلق الأمر بمشاريع الطاقة، هذه الكلفة يمكن تحملها”.

وتأخذ وكالة الطاقة الدولية كل المصادر غير الكربونية في التوقعات بشأن طريقة الحدّ من ارتفاع درجات حرارة الكوكب وتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة في الوقت نفسه.

كما أعطت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة مكانا للطاقة النووية في نماذجها، حتى رغم قولها إن نشرها “قد يكون مقيدا بتفضيلات اجتماعية”.

لكن آراء الدول تختلف في الواقع تجاه الطاقة النووية بشكل كبير. ففيما تعارضها نيوزيلندا وألمانيا، تجري الهند مناقشات مع مجموعة الطاقة الفرنسية العملاقة “أو.دي.أف” لبناء ما سيكون أكبر محطة للطاقة النووية في العالم.

في غضون ذلك، تقوم كندا والولايات المتحدة بتطوير ما يسمى بـ”مفاعلات نموذجية صغيرة” رغم أن روسيا هي الوحيدة التي قامت بتشغيل مفاعل عائم باستخدام هذه التكنولوجيا.

العرب