اليابان بين مطرقة روسيا وسندان الصين إلى أين؟

اليابان بين مطرقة روسيا وسندان الصين إلى أين؟

هل تقود تطورات الأحداث في شرق آسيا إلى مواجهة حتمية بين اليابان والصين، وهما اللتان تنازعتهما المعارك التي راح ضحيتها مئات الآلاف في أوائل القرن العشرين؟

الذين قُدّرت لهم قراءة التقرير الدفاعي السنوي الياباني الخاص بالعام الماضي يدركون كيف أن قضية مضيق تايوان التي يمكنها أن تشعل حرباً عالمية ثالثة جراء الصدام العسكري المحتمل بين الصين والولايات المتحدة، باتت بدورها تؤجج الأزمات المكتومة بين بكين وطوكيو، بخاصة بعدما كثفت الأولى أنشطتها العسكرية حول تايوان، مع دخول نحو 380 طائرة حربية صينية المجال الجوي، جنوب غربي تايوان.

عرفت اليابان منذ استسلامها نهاية الحرب العالمية الثانية بأنها تابعة للولايات المتحدة، وقد مثّلت ولا تزال الضلع الثالث في مثلث الرأسمالية العالمية ولهذا كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصرح خلال اجتماع ثنائي مع نظيره الياباني توشيمتسو موتيجي في طوكيو بأن “زيارته تهدف إلى إعادة تأكيد التحالف بين البلدين، وأن القيم الديمقراطية تواجه تهديداً في أماكن مثل ميانمار والصين”.

ما الذي يجري بين الصين واليابان، وهل يمكن لحديث الحروب الغابرة أن يتكرر مرة جديدة؟

التساؤل مطروح بقوة في اليابان اليوم، التي تشعر بأن الخطر الصيني يقترب منها، غير أن الجواب يحمل في طيّاته ما هو أكثر من مجرد الدعم والتحالف العسكري الأميركي لطوكيو، والعودة إلى إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية اليابانية الغابرة، لكنها نووية هذه المرة.

اليابان ومخاوف الغموض العسكري الصيني

في منتصف يونيو (حزيران) المنصرم، قالت اليابان إن “نوايا الصين العسكرية غير واضحة، وإن التوسع السريع لقواتها المسلحة يثير قلقاً بالغاً، ما يتطلب من أوروبا والولايات المتحدة ودول آسيوية أخرى العمل معاً لمواجهة بكين”.

في ذلك التوقيت، كان وزير الدفاع الياباني نوبو كيشي يصرح أمام اللجنة الفرعية للأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، “تعزز الصين قدرتها العسكرية بسرعة كبيرة ولسنا واثقين في نواياها”، مضيفاً، “نشعر بقلق بالغ من هذا الوضع”.

كيشي وفي حديثه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي، أكد أن الصواريخ الباليستية الصينية وقرار رفع بكين موازنتها العسكرية إلى أكثر من أربعة أمثال “موازنة اليابان” وعسكرة الجزر في بحر الصين الجنوبي، تحتاج جميعاً إلى مراقبة دقيقة للحفاظ على السلام.

القلق الياباني تجدد ثانية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ ذكر نائب الأمين العام لمجلس الوزراء الياباني يوشيهيكو إيسوزاكي أن “بلاده، مثل دول أخرى في المنطقة تشعر بقلق إزاء تحديث الصين لقواتها وتوسيع نشاطها العسكري”.

إيسوزاكي، وفي مؤتمر صحافي، قال “نحن على علم بالتصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي، ونلاحظ أن الصين تطور بنشاط تكنولوجيا الأسلحة فرط الصوتية والأسلحة النووية بهدف إنشاء قوات هجومية قادرة على التغلب على الدفاعات الصاروخية”.

ومعروف أنه في وقت سابق من الشهر ذاته، ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن الصين اختبرت صاروخاً فرط صوتي، قادراً على حمل أسلحة نووية، وحدث ذلك في أغسطس (آب) الماضي، وهو ما نفته الصين وقالت إنها اختبرت مركبة فضائية وليس صاروخاً فرط صوتي.

واشنطن – طوكيو دعم سياسي ورسالة بايدن

لم تكُن واشنطن بعيدة بحال من الأحوال مما يقلق طوكيو، ولهذا تابع العالم تصريحات رئيس الوزراء الياباني الجديد فوميو كيشيدا عن الرسالة القوية التي تلقّاها من الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن التزام الولايات المتحدة الدفاع عن جزر بحر الصين الشرقي المتنازع عليها والمعروفة باسم سينكاكو في اليابان.

الخلاف على جزر سينكاكو باسمها الياباني ودياويو بالصيني يعود إلى عام 1534، حين ادعت الأخيرة ملكيتها لها، غير أن جارتها الخصمة رفضت هذا الزعم وانتظرت الفرصة المؤاتية لاسترجاعها عام 1859. مع سقوط اليابان في الحرب العالمية الثانية، وضعت أميركا يدها على الجزر، لتردّها من جديد تحت إدارة طوكيو عام 1972.

تزايد قلق اليابان بشكل كبير بعدما تصاعدت النشاطات الصينية في بحر الصين الشرقي، بما في ذلك التوغل في المياه حول الجزر المتنازع عليها. في هذا الإطار، كان البيت الأبيض يعلن في بيان أن الزعيمين “أكدا قوة التحالف الياباني – الأميركي، الذي يُعتبر حجر الأساس لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي (الإندوباسيفيك) وحول العالم.

التطورات الأخيرة حثت كيشي على التأكيد من جديد أن جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين، هي بلا شك أراضٍ يابانية وسيتم الدفاع عنها على هذا النحو.

هل باتت اليابان تخشى بالفعل من فكرة فائض القوة الصيني، عطفاً على الثأر التاريخي بين البلدين، الأمر الذي ربما يؤدي إلى انفجار المشهد بينهما، بخاصة إذا مضت بكين تجاه تايوان بعمل عسكري لاستردادها، ذلك أنه ساعتها سيكون الرأي الصائب عسكرياً هو استرجاع الجزر المتنازع عليها من قبضة اليابان بضربة واحدة، طالما انفجرت فقاعة الخلافات؟ وهل هناك جانب آخر في المشهد الآسيوي تخشى اليابان منه بدرجة لا تقل بل ربما تزيد على مخاوفها من مواجهة الصين؟

التحالف الصيني – الروسي ومخاوف طوكيو

في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي، أعلن وزير الخارجية الياباني توشيمتسو موتيجي في مؤتمر صحافي أن “حكومة بلاده أبلغت روسيا والصين عبر القنوات الدبلوماسية قلقها بسبب المرور المشترك للسفن الروسية والصينية في مضيقَي تسوغارو وأوسومي”. وأضاف، “أما في ما يتعلق بالمرور المشترك للسفن العسكرية الروسية والصينية في مضيقي تسوغارو وأوسومي، فنشهد مثل هذه التصرفات للمرة الأولى ونواصل متابعة الأحداث عن كثب بشكل خاص. وعبر القنوات الدبلوماسية، عبّرنا عن قلقنا للبلدين أي روسيا والصين. وننوي متابعة تطور الأحداث لاحقاً”.

تمتد خلافات اليابان مع روسيا إلى ما هو أبعد من الاعتراض الأخير، فقد أشار موتيجي إلى وجود قضايا أخرى عالقة في العلاقات الروسية اليابانية، مثل الأراضي التي يجب مواصلة الحوار حولها، على حد تعبيره، وقد تم سابقاً التوصل إلى اتفاق حول مواصلة الحوار.

اقرأ المزيد

انتخاب فوميو كيشيدا رئيسا لوزراء اليابان

قصة اتحادين ائتمانيين تهز اليابان

قمة في البيت الأبيض تجمع بايدن بقادة أستراليا والهند واليابان
ولعل ما زاد قلق اليابان من المستقبل، تلك المناورات البحرية الروسية الصينية التي جرت في خليج بطرس الأكبر منتصف أكتوبر الفائت واستمرت لأربعة أيام، وتركزت أهدافها حول حماية الممرات البحرية الاستراتيجية، وشاركت فيها غواصات وسفن حربية ومدمرات وكاسحات ألغام وطائرات مضادة للغواصات وطائرات هليكوبتر.

التصريح المخيف لليابان هو ما جاء على لسان قائد المناورات المشتركة الجنرال تشانغ يونغ، وفيه “بعد أعوام من التدريبات البحرية المشتركة، استطاع الجانبان الروسي والصيني صياغة نهج موحد وكامل لتنظيم وتنفيذ التدريبات المشتركة”.

الخوف يتزايد، وعن حق، عند اليابانيين من بقية تصريحات يونغ، التي أشار فيها إلى أن التدريبات البحرية المشتركة بين بكين وموسكو، تعمل حالياً كمنصة ثابتة للتعاون، مؤكداً أن “هذه المناورات تعزز الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتدعم الصداقة التقليدية بين القوات البحرية للبلدين، وتعمل على تنمية قدراتهما في تنفيذ عمليات بحرية مشتركة”.

هل تواجه اليابان حلفاً روسياً صينياً مشتركاً؟

بغض النظر عن الآراء التي تعتبر أن ذلك لا يمكن أن يحدث لوجود خلافات أيديولوجية بين الجانبين، عطفاً على مخاوف مستترة بسبب نزاعات قطبية، فإن واقع حال اليابان اليوم هو أنها تجد نفسها أمام تحركات عسكرية صينية روسية، وعليه كان الرد بالمثل وبالتعاون مع الجانب الأميركي، هو السياق الطبيعي المتوقع، وإن حمل المشهد نذراً سيئة لما يمكن أن تجري به المقادير على مياه وأراضي شرق آسيا.

مناورات عسكرية يابانية بشراكة أميركية

من المؤكد أن اليابان لم تكُن لتقف مكتوفة الأيدي أمام التهديدات الصينية الروسية المشتركة، ولهذا رأيناها تمضي منفردة ومع الولايات المتحدة الأميركية في طريق يشبه الاستعداد لمواجهة المجهول العسكري، وربما يكون غالباً معلوماً.

بداية من منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، أجرت قوة الدفاع الذاتي البرية اليابانية، تدريبات عسكرية ضخمة على مستوى البلاد لإعداد القوات لأي صراع محتمل في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

التدريبات غير المسبوقة شارك فيها نحو 100 ألف فرد و20 مركبة و120 طائرة في عمليات مختلفة بجميع أنحاء البلاد تركز على الاستعداد التشغيلي. في هذا الصدد، يقول مسؤولو قوات الدفاع الذاتي البرية إن “البيئة الأمنية المحيطة باليابان هي الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.

أما العقيد نوريكو يوكوتا، المتحدث باسم قوات الدفاع الذاتي البرية، فأشار إلى أن “تمرين قوة الدفاع الذاتي البرية يركز حقاً على تحسين الفاعلية العملياتية وقدرات الردع والاستجابة”. وأضاف أنهم “يجهزون أنفسهم حتى يتمكنوا من الاستجابة عندما يضطرون إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات”. بينما يرى الفريق بويتشي توغاشي، القائد العام للفرقة الثانية من قوات الدفاع الذاتي البرية، أن “البيئة الأمنية الحالية المحيطة باليابان متوترة للغاية. نحن قوات الدفاع الذاتي مطالبون بتعزيز فاعلية العمليات”.

هل وضعت اليابان ما يشبه السيناريو العسكري بالفعل لحرب مقبلة؟

يبدو أن الأمر كذلك، فمنذ سبتمبر الماضي، سافر جنود من الفرقة الثانية للقوات البرية اليابانية في مدينة أساهيكا والتابعة لمحافظة هوكايدو إلى محافظة أوبتا على بعد 2000 كيلومتر لأداء تدريبات قتالية دفاعية. أمضوا أسابيع في بناء مناطق لوجستية ومراكز قيادة ومواقع في ساحة المعركة.

وتشبه تضاريس هذه المنطقة نظيرتها التي ستواجه القوات اليابانية إذا اندلعت الحرب في الجزر الجنوبية لها، بخاصة جزر سينكاكو، فهل في نية اليابان بالفعل استخدام القوة العسكرية حال احتدم الصراع مع الصين؟

الجواب ربما يمكننا أن نستشرفه من المقابلة الحصرية التي أجرتها شبكة “سي إن إن” الأميركية مع وزير الدفاع الياباني كيشي، إذ صرح بأن بلاده تقف “ضد الإجراءات الصينية تجاه جزر سينكاكو وأجزاء أخرى من بحر الصين الشرقي”، وأضاف، “علينا أن نظهر أن حكومة اليابان تدافع بحزم عن أراضيها بعدد أكبر من سفن خفر السواحل اليابانية مقارنة بالصين”.

ويؤكد كيشي دعم واشنطن لبلاده بقوله، “سنواصل إجراء تدريبات ثنائية مع الولايات المتحدة وتدريبات متعددة الأطراف مع شركاء آخرين لتعزيز موقفنا والمساهمة في السلام والاستقرار في هذه المنطقة”. كما أشار إلى “إجراء تدريبات بحرية أو جدولتها مع شركاء، بينهم فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا”.

صحوة المارد الياباني عسكرياً في آسيا

يبدو أن اليابان لن تحتفظ طويلاً بسياسة ضبط النفس وخفض مستويات التسلح، لا سيما في ظل أصوات يمينية عالية تنتشر بين الشباب تطالب بإنهاء مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة بناء القدرات المسلحة لليابان الجديدة القوية، والقادرة على حماية نفسها بنفسها، ومن غير الارتباط بالعم سام كحبل سري، وإن لم تصل المطالبات إلى قطع الحبل في الحال دفعة واحدة.

ليس سرّاً أن اليابان تعمل اليوم على توسيع قوات الدفاع الذاتي الخاصة بها وإضافة أحدث الطائرات المقاتلة من طراز “إف- 35” وتحويل السفن الحربية إلى حاملات طائرات لها. كما تبني البلاد مدمرات وغواصات وصواريخ جديدة، على الرغم من أن إنفاقها العسكري لا يزال ضئيلاً مقارنة بالإنفاق العسكري المتزايد للصين.

في هدوء ياباني تقليدي ومن غير أصوات زاعقة أو رايات فاقعة، ها هي اليابان تعاود بناء أسطولها الحربي البحري. فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح هناك اعتراف أميركي بوجود حاملة طائرات يابانية، على الرغم من محاولة طوكيو عدم لفت الأنظار إليها، لأن ذلك ربما يُعتبر مخالفة لدستورها السلمي، ذاك الذي يسعى قطاع عريض من اليابانيين اليوم إلى تغييره، وهو الاتجاه الذي مضى في طريقه، شينزو آبي، رئيس الوزراء السابق.

في الدستور الياباني الحالي، نجد النص على اعتماد السفن استخدام طائرات مروحية للدفاع عن النفس، وليس طائرات مقاتلة، وتجنب اللجوء إلى مصطلح حاملة الطائرات مستقبلاً. غير أن واقع اليابان الراغبة حكماً بالعودة من جديد إلى دائرة القوى الكبرى عسكرياً على صعيد البحار والمحيطات، هو ما جعلها تمتلك اليوم نسختين من مدمرة متعددة المهمات من طراز “إيزومو”، محلية الصنع.

يعني تعبير محلية الصنع أول الأمر أن قدرات اليابانيين على ريادة منطقة صناعة السفن العسكرية لم تقِف وحتى بعد نحو ثمانية عقود من تعليق تلك الصناعات، الأمر الذي يفتح الباب أمام سيناريوهات عودة يابانية بحرية لا تُصد ولا تُرد.

المدمرة “إيزومو” والمعروفة بأنها حاملة لطائرات الهليكوبتر، وهي في واقع الأمر حاملة طائرات يابانية خفيفة أضحت قادرة على استضافة عدد كبير من الطائرات المقاتلة من طراز “أف. 35 ب”، وهي نسخة ذات قدرة على الإقلاع القصير والهبوط العمودي حصلت عليها اليابان من الولايات المتحدة.

ولعله من أهم المراجع التي توضح طريق اليابان لبناء قوة عسكرية، كتاب شيلا سميث، الباحثة المتخصصة في الدراسات اليابانية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي الشهير في نيويورك، والمعنون “إعادة تسليح اليابان: سياسة القوة العسكرية”. وترى شيلا أن “التوازن العسكري في آسيا يتغير بسرعة، وتمثل ترسانة كوريا الشمالية المتنامية من الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل، وكذلك القدرات البحرية المتنامية للصين، عاملاً محورياً في تغيّر توجه السياسة الدفاعية اليابانية، إذ خلقت ضغوطاً على دفاعات طوكيو، ودفعت السياسيين اليابانيين إلى التفكير في تطوير قدرات عسكرية أكبر، بما في ذلك القدرة المحدودة على الهجوم لضمان عدم قيام الخصوم المحتملين بسوء تقدير استعدادات قوات الدفاع الذاتي اليابانية”.

غير أن الصحوة التي نحن بصددها في اليابان عسكرياً، لا يمكن أن تتوقف عند الأسلحة التقليدية، إذ لا يزال هناك حلم يداعب جفون اليابانيين في الصحو والمنام، ماذا عن ورقة اليابان الأخيرة في هذا الإطار؟

طوكيو والطريق إلى حيازة السلاح النووي

يتمحور الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة في رؤية واحدة ممثلة بالسلاح النووي وامتلاكه يابانياً. هنا يبدو واضحاً أنه طوال أعوام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، قطعت واشنطن الطريق على اليابان نووياً، على الرغم من أنه كان من السهل على اليابانيين صنع قنبلة نووية لردع الصين، فقد كانت أميركا تخشى من تأثير الأسلحة النووية اليابانية في خططها تجاه الصين في ذلك الوقت، مع الأخذ في الاعتبار أن واشنطن لم تستخدم الاستراتيجية ذاتها في آسيا، التي اتبعتها في أوروبا بشأن السلاح النووي.

المشهد النووي الصيني الآن تغيّر شكلاً وموضوعاً ومساحة إجمالية، فبكين التي تمتلك بضع مئات من الرؤوس النووية، أظهرت الأقمار الاصطناعية أخيراً أنها تبني سوراً نووياً جديداً تحت الأرض.

الصين من جهتها لم توارِ أو تدارِ رغبتها بامتلاك ترسانة صاروخية نووية تصل إلى 10 آلاف رأس نووية بحلول نهاية العقد الحالي، أي 2030، فهل يكون ذلك إيذاناً بتغيّر وجهة النظر الأميركية في حيازة اليابان للسلاح النووي؟

في يناير (كانون الثاني) الماضي، رفضت طوكيو الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي لا تحظى بدعم الدول الحائزة للأسلحة النووية، ولا بدعم عدد من الدول الأخرى غير الحائزة على الأسلحة النووية.

يمثل الموقف السابق باباً يابانياً مفتوحاً، عند أي لحظة تشعر فيها طوكيو بمخاوف حقيقية، يقودها إلى حيازة السلاح النووي، لا سيما أن الجميع يعلم أن لديها من القدرات النووية التقنية، ومن اليورانيوم اللازم لإنتاج سلاحها الذري الكثير حال اتُّخذ القرار السياسي.

تقول صحيفة “سوهو” الصينية إن “اليابان دولة نووية، إذ تملك من الوقود النووي ما يكفي لصنع ستة آلاف قنبلة نووية، وحصلت اليابان على هذه الكمية من الوقود النووي بذريعة تطوير المحطات النووية لإنتاج الكهرباء”.

متى ستحسم اليابان الجدل النووي وتقوم دفعة واحدة بإنتاج قنبلتها النووية؟ باختصار غير مخلٍ في حالة واحدة، وهي شعورها بفقدان الثقة بالولايات المتحدة الأميركية.

نقرأ في مجلة “فورين أفيرز” عدد أكتوبر 2019، تقريراً خاصاً حول هذه المعضلة، وفيه أنه “يجب أن يُنظر إلى أي تحرك ياباني نحو تطوير أسلحة نووية على أنه صرخة لطلب المساعدة”. وتضيف أنه “حين ألمح القادة اليابانيون لواشنطن إلى أنهم يفكرون في امتلاك أسلحة نووية، كان هدفهم تشجيع التزام أمني أميركي أقوى تجاه بلدهم”.

في عام 1964، أثار رئيس الوزراء الياباني غيساكو ساتو، احتمال امتلاك اليابان أسلحة نووية لإقناع الرئيس ليندون جونسون بتعزيز تعهد واشنطن بحماية الأمن الياباني، واليوم تبدو إدارة جو بايدن في اختبار مشابه.

الخلاصة

لا توفر طوكيو مخاوفها من تقلبات وتغيرات السياسات الأميركية، وقد نظرت، فوجدت الانسحاب من أفغانستان، الأمر الذي ترك انطباعاً سيئاً لدى حلفاء واشنطن في شرق آسيا الذين يراهنون على دعمها لهم.

لن يتبقى أمام اليابان للحصول على السلاح النووي سوى متابعة تطورات دعم أميركا لتايوان، وهل يمكن أن تزج واشنطن بنفسها في محرقة تقليدية أو نووية مع بكين لأجل تايوان أم تفضل النجاة بنفسها؟

اليابانيون في غالب الأمر باتوا يؤمنون إيماناً يقينياً بأن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات لا من الآخرين، وعليه ربما يكون طريقهم النووي قريباً جداً. إنها صحوة المارد الياباني في كل الأحوال. ربما.

اندبندت عربي