معركة عالمية متجددة حول تمويل مكافحة تغير المناخ

معركة عالمية متجددة حول تمويل مكافحة تغير المناخ

تخوض دول العالم جولة أخرى في معركة تسريع التحول النظيف حيث سيحاول ما يقرب من مئتي دولة الاتفاق على هدف عالمي جديد لتمويل مكافحة تغير المناخ هذا العام في أذربيجان، بعدما دبت الخلافات الممزوجة بالضبابية خلال الاجتماعات التحضيرية في ألمانيا.

بون (ألمانيا) – كشفت المحادثات التحضيرية بين مفاوضي المناخ من الدول، والتي انتهت الخميس في بون بألمانيا، عن الخلافات بين الحكومات حول من يجب أن يدفع وكم لتمويل مكافحة تغير المناخ.

ومع بقاء خمسة أشهر فقط قبل قمة المناخ (كوب 29) التي تعقدها الأمم المتحدة في أذربيجان خلال نوفمبر المقبل، لا تستطيع الدول الاتفاق على حجم فاتورة التمويل العالمي لمساعدة العالم النامي على مكافحة تغير المناخ، ناهيك عن كيفية تقسيمها.

ومن المقرر أن يهيمن هذا القرار على محادثات كوب 29، حيث تحتاج ما يقرب حكومات العالم إلى الاتفاق على هدف تمويل سنوي جديد لمساعدة الدول الفقيرة على خفض انبعاثاتها وحماية مجتمعاتها في عالم أكثر قسوة وسخونة.

وسوف يحل الهدف الجديد محل مبلغ 100 مليار دولار سنويا تعهدت به البلدان الغنية لتمويل المناخ اعتبارا من عام 2020. وقد تحقق هذا الهدف بعد عامين.

لكن المحادثات التمهيدية التي جرت هذا الأسبوع في بون لم تسفر عن أي اختراقات كبيرة. وبدلا من ذلك، كشفت المحادثات مرة أخرى عن الخلافات المستمرة بين أكبر الاقتصادات في العالم حول حجم التمويلات والتكاليف.

ويرى ممثلون من الدول المعرضة للمناخ أن من الصعب مشاهدة الدول الغنية تتأخر في سداد المدفوعات السابقة لتمويل المناخ بينما توافق بسرعة على أموال جديدة للاستجابات العسكرية للحرب أو إنفاق المليارات لدعم مصادر الطاقة التي تنبعث منها ثاني أكسيد الكربون.

وقال ميشاي روبرتسون، المفاوض عن تحالف الدول الجزرية الصغيرة، لرويترز “يبدو أن المال موجود دائما عندما تكون الأولوية الوطنية أكثر واقعية للبلاد”. وأضاف “من الصعب حقا رؤية ذلك”.

ويشكل هدف التمويل الجديد الأداة الأساسية التي تستطيع محادثات المناخ العالمية تقديمها لتمويل المشاريع التي تعمل على الحد من الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، مثل الطاقة المتجددة أو وسائل النقل منخفضة الكربون.

ومع اقتراب موعد تحديث جميع البلدان لأهدافها المناخية الوطنية العام المقبل، يخشى المفاوضون من أن الفشل قد يؤدي إلى إضعاف الجهود. وقالت مفاوضة المناخ في جنوب أفريقيا بيمي غاسيلا “كيف سنمضي قدما إذا لم يكن هناك تمويل؟”.

وجنوب أفريقيا من بين العديد من الدول النامية التي حذرت من أنها لا تستطيع خفض الانبعاثات بشكل أسرع دون المزيد من الدعم المالي.

وفي حالة هذا البلد، يشكل استبدال الاعتماد الكبير على الفحم الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بالطاقة النظيفة أمرا مهما. ومع ذلك، فإن الدول الغنية تشعر بالقلق من تحديد هدف مرتفع للغاية والمخاطرة بعدم تحقيقه.

وأصبح هدف المئة مليار دولار الذي لم يتم الوفاء به رمزا سياسيا في محادثات المناخ الأخيرة التي أجرتها الأمم المتحدة، مما أثار انعدام الثقة بين الدول حيث قالت الدول النامية إن القوى الاقتصادية في العالم تتخلى عنها.

◙ 1 تريليون دولار حد أقصى للتمويل سنويا مقترح قدمته الهند والدول العربية على رأسها السعودية

وناقش الدبلوماسيون في بون مسألة حجم الأموال التي يجب وضعها على الطاولة. وفي حين تتفق الدول على أن مبلغ 100 مليار دولار هو مبلغ منخفض للغاية، فإن هناك فرصة ضئيلة لتوافق على سحب مبلغ 2.4 تريليون دولار سنويا.

وأكد سيمون ستيل، مسؤول المناخ التابع للأمم المتحدة، في فبراير الماضي أنه ضروري لإبقاء أهداف المناخ العالمية في متناول اليد.

ولم يقترح الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة رقما لهذا الهدف، على الرغم من اعترافهما هذا الأسبوع بأنه يجب أن يتجاوز 100 مليار دولار. ويعد الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة حاليا أكبر مزود لتمويل المناخ.

وقال بعض الدبلوماسيين لرويترز إن “المشكلة الأكبر في غرف المفاوضات هي الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، والتي يسعى دونالد ترامب من خلالها للعودة إلى منصبه فيها”.

وسحبت الحكومة الأميركية السابقة أكبر اقتصاد في العالم من اتفاقية باريس للمناخ. ولذلك يشعر المفاوضون بالقلق من أنه في حال فوز ترامب قد توقف إدارته مدفوعات تمويل المناخ الأميركي، مما يترك الأمر للدول الغنية الأخرى للوفاء بالتعهد السنوي.

لكن بعض الدول في بون قدمت اقتراحات. وأكدت الهند ومجموعة من الدول العربية من بينها السعودية والإمارات ومصر، أن هدف التمويل الإجمالي يجب أن يتجاوز تريليون دولار سنويا، ليعكس الاحتياجات المتزايدة للدول الفقيرة مع تفاقم تغير المناخ.

وتقترح الدول العربية أن تقدم الدول الغنية 441 مليار دولار من التمويل العام سنويا في شكل منح، وذلك للاستفادة من إجمالي 1.1 تريليون دولار سنويا من مصادر أوسع.

كما دفعت الدول الجزرية الصغيرة المعرضة لتغير المناخ إلى فرض قواعد أكثر صرامة بشأن ما يعتبر مهما لتحقيق الهدف، واقترحت منع القروض بأسعار فائدة أعلى من واحد في المئة، لتجنب زيادة ديون الدول الفقيرة المرتفعة بالفعل.

ومعظم الأموال العامة للمناخ التي تقدمها الدول المتقدمة هي قروض، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتختلف البلدان أيضا حول من يجب أن يساهم.

وهناك حوالي عشرين دولة صناعية منذ فترة طويلة ملزمة حاليا بالمساهمة في تمويل الأمم المتحدة للمناخ. تم تحديد هذه القائمة خلال محادثات المناخ التي أجرتها الأمم المتحدة في عام 1992، عندما كان اقتصاد الصين لا يزال أصغر من اقتصاد إيطاليا.

ويريد الأوروبيون أن تسهم الصين، التي باتت أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، ودول الشرق الأوسط ذات الثروة العالية للفرد في تحقيق الهدف الجديد. ودعت الولايات المتحدة أيضا إلى إضافة المزيد من الدول إلى قاعدة المانحين.

ومع ذلك، عارضت الدول العربية والصين هذه الفكرة بشدة، حيث أكدت بكين على مكانة الصين باعتبارها “دولة نامية” بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ.

وقال سو وي كبير مفاوضي المناخ الصينيين لدبلوماسيين آخرين الثلاثاء الماضي أثناء المفاوضات في بون “نحن، الدول النامية، ليست لدينا أي نية لجعل أرقامكم تبدو جيدة أو أن نكون جزءا من مسؤوليتكم، لأننا نبذل كل ما في وسعنا لإنقاذ العالم”.

وقال جو ثويتس، الذي يتابع مفاوضات تمويل المناخ لصالح مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية غير الربحي، إن أيا من المعسكرين لم يتنازل عن من يجب أن يدفع. وأضاف “المفاوضات كانت صعبة والأمور تتحرك ببطء”.

ومع استمرار المحادثات خارج بون، أشار بعض المفاوضين إلى أن وزراء الحكومة قد يثيرون هذه القضية في اجتماعات أعلى مستوى مثل اجتماعات وزراء مجموعة العشرين في البرازيل قبل انعقاد مؤتمر كوب 29.

العرب