التحول إلى “أعدقاء”؟: أبعاد الخلاف الأمريكي- التركي حول الحرب على “داعش”

التحول إلى “أعدقاء”؟: أبعاد الخلاف الأمريكي- التركي حول الحرب على “داعش”

أصبح من الواضح أن التحالف بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لا يخلو من خلافات، ورغم الطابع الاستراتيجي والمؤسسي الذي يتسم به هذا التحالف، من حيث كون تركيا عضوًا في حلف الناتو،إلا أن التفاعلات المرتبطة به لم تغير من درجة الاختلاف في المصالح والتصورات بين أنقرة وواشنطن حول الصراع في سوريا تحديدًا، وما يرتبط به من دعم الحرب على داعش.

ثلاثة مؤشرات:

يمكن تحديد ثلاثة مؤشرات من واقع التطورات الأخيرة في العلاقات الأمريكية-التركية، تكشف أن الخلاف بين الجانبين فيما يتعلق بسوريا هو خلاف حول المصالح، وهذا يعني من الناحية العملية أن علاجه يتطلب تنازلات من الطرفين، ولكن يبدو أن أيًا منهما لا يريد تقديم هذه التنازلات. فمن ناحية، لم تنجح زيارات المسئولين الأمريكيين إلى تركيا في إقناعها بتغيير موقفها، ومن ذلك زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 20 نوفمبر 2014، والتي اتضح من المؤتمر الصحفي الذي عقد بعدها استمرار الخلاف بينهما، خاصة وأن بايدن سبق واتهم تركيا، في بداية أكتوبر 2014، بدعم بعض التنظيمات الإرهابية.ومن ناحية ثانية، تشير تقارير غربية عديدة إلى أن واشنطن تسعى من خلال عمليات التحالف الدولي في سوريا، إلى الضغط على تركيا من خلال استهداف حقول ومصافي النفط، وذلك بهدف منع “داعش” من السيطرة عليها، وبالتالي وقف نقلها عن طريق تركيا، على نحو ربما “يمثل خسائر اقتصادية لتركيا قد تضطرها إلى تغيير موقفها”، فعلى سبيل المثال، قام التحالف الدولي، في الفترة من 25 وحتى 28 سبتمبر 2014 بقصف أكثر من 15 مصفاة يسيطر عليها “داعش” في محافظة دير الزور في شرق البلاد.
ومن ناحية ثالثة، تتعامل الولايات المتحدة، والغرب عمومًا، مع تسليح الأكراد، سواء في سوريا أو في العراق، على أنه بديل مؤقت لنشر قوات برية في إطار الحرب على “داعش”، ويلاحظ في هذا السياق أن الكونجرس سعى إلى توطيد العلاقة مع الأكراد، حيث دعا السيناتور إد رويس، في 10 نوفمبر 2014، الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تزويد الأكراد بأحدث المعدات، كما طالبه بتدريب تسعة ألوية من الجيش العراقي، بينهم ثلاثة من البشمركة بمبلغ 1.6 مليار دولار، وهو ما قد يساعد في تعزيز الحكم الذاتي للأكراد.ويبدو أن عملية التسليح هذه تتم دون تنسيق أو تشاور مع تركيا، حيث يشير تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 9 أكتوبر 2014، إلى أن هناك استياء تركيًا من عدم قيام الولايات المتحدة بعملية فرز للأكراد الذين قررت إرسال الأسلحة لهم. كما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واشنطن بإهمال مخاوف بلده من خلال إرسالها أسلحة إلى الأكراد في كوباني، وتساءل: “لماذا كوباني تعد مهمة للولايات المتحدة، برغم أنه لا يوجد مدنيين هناك.. إن المساعدات تقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المنظمة الإرهابية”. وعلى الرغم من أن واشنطن أكدت على أنها استشارت تركيا حيال هذه الخطوة، إلا أن الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف عادت وأكدت على أن الإدارة الأمريكية لم تطلب موافقة تركيا على تسليح الأكراد، وأن وحدات حماية الشعب الكردي التي يتم دعمها في سوريا ليس لها صلة بهذا الحزب.

عوامل متعددة:

عندما أعلن عن تشكيل التحالف الدولي ضد “داعش”، التقى وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيجل مع مسئولين أتراك لحثهم على الانخراط في التحالف، إلا أن أزمة الرهائن الأتراك التي تصاعدت حينها دفعت تركيا إلى عدم إعلان دعمها الكامل لهذا التحالف، رغم مشاركة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر جدة، في 11 سبتمبر 2014، ورغم وعود الرئيس التركي بتدريب المعارضة السورية “المعتدلة”.

ويمكن تفسير الخلاف بين واشنطن وأنقرة، في ضوء عدة عوامل: يتمثل العامل الأول، في إدراك أنقرة أن دورها في هذا التحالف مهم حتى تنجح العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها، وأن تحقيق هدف Destruction and Degradation  بالنسبة لـ”داعش”، كما أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لن يحدث دون مشاركة فعلية من جانبها، خاصة أن قوات التحالف لا تستطيع التدخل بريًا دون مساندة من تركيا، كما أن تدريب المعارضة “المعتدلة” يحتاج إلى مساعدة تركية، ولعل ذلك هو ما يجعل الأخيرة في موقف قوي، على نحو يبرر تمسكها بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، وهو الأمر الذي ما زالت واشنطن تعتبره قيد النظر.

وينصرف العامل الثاني، إلى وجود خلاف جوهري حول مستقبل الأسد، ففي حين تطالب تركيا بشكل مستمر بإسقاط الأسد، ترى واشنطن أن الأولوية لمحاربة “داعش”، وربما السعى إلى الوصول لحل سياسي أيًا كان دور الأسد فيه، ولعل ذلك يفسر عدم استهداف عمليات التحالف في سوريا أى أهداف تابعة لنظام الأسد، مقابل عدم محاولته عرقلة هذه العمليات.

ويتعلق العامل الثالث، بوجود خلاف في التصورات بين الجانبين حول معركة كوباني، حيث تنظر تركيا إليها على أنها معركة بين تنظيمين إرهابيين لا يقلان خطورة عن بعضهما، وذلك على خلاف التصورات الأمريكية التي ترى ضرورة دعم الأكراد لإحكام سيطرتهم عليها. كما لم تدعم أنقرة الأكراد المقاتلين في كوباني، رغم تضررها من نزوح عدد كبير من قاطني كوباني إلى أراضيها. وقد لا تكون تركيا اللاعب الرئيسي في الحرب على “داعش”، ولكنها لاعب مهم، بالنظر إلى أن عدم تعاونها مع الأكراد يفسح المجال لمزيد من سيطرة “داعش” على الأرض، لا سيما وأن تمدد الأخير يمثل فرصة لإضعاف الأكراد السوريين، وهو ما يصب في صالح تركيا.

رغم إدراك واشنطن لأهمية دور أنقرة في الحرب ضد “داعش”، إلا أن ذلك لا يدعم من احتمالات اتجاهها، خلال المرحلة الحالية، نحو تقديم تنازلات للأخيرة، وهو ما سيدفع أنقرة إلى التمسك بموقفها، بما يعني أن أى تغير في موقفيهما، يتطلب حدوث تطور مفاجيء يرفع تكلفة عدم التعاون بينهما في الحرب على “داعش”.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

http://goo.gl/8q44K2

الكلمات الدلالية : الولايات المتحدة،تركيا،داعش،سوريا،العراق، الاكراد،